أمام الباب المغلق
28-05-2016

 

انطلق همام قبيل الفجر بنحو أربعين دقيقة إلى المقبرة، وفي قلبه نشوةٌ وغبطة. وما إنْ وصل حتّى وجد بابَها مغلقًا. التفت يمينًا ويسارًا علّه يرقب الحارس المكلّف بالباب، لكنْ من دون جدوى. سار بمحاذاة جدارها الذي لا يتجاوز ارتفاعُه المائة والسبعين سنتميترًا، وكان يحاول التلصّص من فوقه، علّه يرى القبرَ الجديد.

كان يعرف كلّ القبور، بأسمائها وتواريخ دفن موتاها. وسبب قدومه اليوم كان دفنَ زوجة جاره البارحة بعد العصر. انعطف يسارًا وواصل المشي بمحاذاة الجدار، وعند بلوغه منتصف المسافة فوجئ بكلاب مسعورة، ما إنْ أحسّت باقترابه حتى بدأتْ تنبح بشكل صاخب ومخيف، فشعر بالرعب وتجمّد في مكانه لبرهة، ثمّ انتفض عند ملاحظته تقدّمَ الكلاب، فقرّر الانسحاب مسرعًا.

فجأة قرر ألّا يستسلم، فواصل المشي قدمًا عازمًا على رؤية القبر الجديد؛ فهو لن يقطع عادته هاته التي ثبت عليها خمس سنوات، منذ أن توفي والداه وهو في الثالثة عشرة. لاحظ أنّ الكلاب تحيط به وهو يمشي من دون أن تهاجمه، وإنّما كانت تنبح فقط، حتّى بلغ نهاية الجدار وانعطف يسارًا مرّة أخرى. حينها تفرّقت الكلاب وتركته.

عند تقدّمه بضع خطوات، شاهد الحارس الذي كان يمشي ببطء، ويرتدي معطفًا أسود طويلًا. شعر بالسرور عند رؤيته، فهرول مناديًا: "يا عمّي مالك... يا عمّي مالك"! التفت الحارس ببطءٍ وكأنّه كان يتوقّع مجيئه، ورمقه بنظرات غير مكترثة، ثم واصل مشيه ببطء. تقدّم همّام مسرعًا ليلحق به، ولكنّه لم يستطع تقليص المسافة، فعجِب كيف أنّه لا يستطيع ذلك رغم مشي الحارس البطيء! زاد سرعته، لكنْ من دون جدوى. شعر بالعجز والخمول؛ فكلّ ما أراده هو أن يطلب من الحارس أن يفتح له الباب لأنّ الحزن الذي في قلبه لا يشفيه إلّا دخولُه المقبرةَ في هذه الساعة، وجلوسُه عند قبرٍ جديد؛ وعند شروق الشمس، يكون حزنُ قلبه قد ذهب.

شعر بالرعب والاضطراب، وبدأ بالصراخ. عند اقتراب الجدار من نهايته، انعطف الحارسُ يسارًا، فتبعه همام، وأيقن أنّ شروق الشمس سيحين بعد دقيقة واحدة. التفت يمنة ويسرة كالمجنون، فلمح شاحنةً تسير بسرعة في الطريق الفارغ. قفز في اتجاهها، فحطّمتْ عظامه، وسقط غارقًا في دمائه عند شروق الشمس. قفز الحارس الذي لم يكن بعيدًا عند وقوع الحادث المحيّر، ونظر إليه مبتسمًا، فبادله همّام الابتسامة وهو يشير بسبّابته إلى باب المقبرة، فأجابه الحارس: "نعم... نعم. سندفنك هنا ولن نغلق باب المقبرة مرّةً أخرى."

الجزائر

وائل ضياء الدين

كاتب من الجزائر. حائز شهادة الماجستير في اللغة العربيّة والدراسات القرآنيّة.