أُلقي يديّ.. فأختارها
13-02-2018

 

سأختار حواءَ

دون المسافات

في زمنٍ يُغلقُ الضوءَ خلفي

سأَخرجُ من جنّةٍ ضيّعتْني

وألقتْ عليّ الفراغ.

سأدخلُ في شجرٍ لا يبالي

 بصلصالِ روحي،

ولا يتركُ الأرضَ تحتي جحيمًا.

أنا بعدَ قلبي،

وقبلَ الهزيعِ الأخيرِ من الروح،

أُلقي يديَّ على الكون قبلَ ارتحالي،

وأحملُ قيثارةً من صباحاتِ هذا الخروج،

وأمشي على طرقٍ من ظلالي؛

فما زال في العمقِ شخصٌ سواي

يفتـّشُ عن ورقٍ لا يخبّئُ عرْيَ الوجود،

ولا يكشفُ الأرضَ تحت خطايْ.

فأيُّ إلهٍ سيَعرفني إنْ تمادى القرنفلُ في مقلتيّ،

وفاضتْ رياحي على جسدٍ من غيابِ السماوات

في صوتِ نايْ؟

فأيُّ مدًى سوف يُلقي على عورتي وَرَقَ التينِ

غير انهزامي أمامَكِ يا امرأةً أخرجُ الآن منها

كزنبقةِ الضوءِ صبحًا،

وأمشي أمامي

فترمي عليّ ابتسامتَها مثلَ ظلّ الإله

وتتركني في كلامي

فتنهض داليةُ القلب فوق شفاهي

لأهتفَ في المطلقِ اللازورديّ:

إلهي!؟

أنا شكلُ وجهِك

أيُّ الدروب ستمضي بنا

كي نعيش معًا؟

فإنّي انطلاقُكَ في اللون والكون والمعرفة.

إلهي!

أنا ضيفُك َالأبديّ

ولكنني الآن أسرجتُ روحي تجاه الندى

وانفتحتُ على المطلق الأنثويّ

لأروي سنينَ من الصمت

لم تستطعْ جنـّةُ الخلْدِ أن تشعل النارَ فيها ولو مرةً واحدة

لأصفحَ عن حُلُمٍ كان يخطفني

نحو شيءٍ غريب .. هنا داخلي

يملأ الكونَ حولي

ويُدفِئُ أياميَ الباردة  

لأختار هذي التي وجدتني وحيدًا

فآوَتْ حنيني

وكنت حزينًا ففاضت عليّ بأفراحها

حين قالت:

"أنت لي، دع سواي هناك

فليس بهذا الوجود سواك."

ومِن سحرها

أنّها علـّمتني الوقوف،

ومدّت أمامي الدروب

إلى أبدٍ من فصول.

أنا آدمُ الجنّتين وجوهرةُ العقل

خبّأتُ وجهي بأسئلةٍ من شذى امرأتي:

ــــ لا تخفْ واقتربْ من سرير الندى

 هُزّني كي يفيضَ غدي زهرةً زهرةً

فوق قلبك؛

واشربْ نبيذَ المدى من صباي

وأَمْسِكْ يدي؛

فالشموس التي بانتظارك أجملُ.

لا تغتسلْ من غنائي

ودَعْ لعنتي لتعيدَ عناوينَ خبّأتـُها خلف قلبك.

وانزعْ غيابك عنك؛

فعمّا قليل،

سيحتاج هذا الوجودُ إلى جسدين

يمرّان في الوقت مثلَ الهواءِ الشفيف

ولا يقعان، إذا وقع الحبّ،

في عقدة الذنْب.

عمّا قليل،

سينطلقان وراء الطبيعة أمًّا وأبْ

وينسكبان سحابًا  من الأغنيات

وينهمران كأغنيةٍ من ذهبْ.

فلا شجرُ الأرض يكفيك بعد كرومي،

ولا مطرُ الكون يرويك بعد انهماري؛

فإني خلقتُ على حافة الحلم قبلك.

فاصعدْ إلى قممي

كي ترى كلَّ ما غاب عنكَ،

ودَعْ لي يديك

لأصعدَ نحوك

سيّدةً للممالك والكائنات

لأرسمَ فوق انكسارك

وجهَ الحياة.

سوريا

كريم عبيد

من مواليد السويداء. حصل على الدكتوراه في الآداب. مدرِّس ومُحاضر في جامعة دمشق منذ العام 2003. من أعماله: أنا لحبيبي .. وحبيبي (شعر، 2009)، ديوان القيامة (فاز بجائزة الشارقة سنة 2006)، الكتابة أمام الموت.. الكتابة أمام الوطن: دراسات في شعر محمود درويش (2011).