القفّاز المطرّز*
17-04-2016

 

قصّة: ماريا تيريزا أندرويتو

ترجمة: محمد منصور

ذاتَ مرّة، كان أحدُ سكّان ريف لاغوادا مسافرًا مع ابنه في عربة خيلٍ على الطريق القديم الذي يصل بين قرية تدعى كابيلا دي غارزون وبين بامباياستا. وبينما هما يعْبران مخيّم الزراتي، حيث التقاطعُ مع الطريق الجديد، أوقفتهما امرأةٌ شابّة بملابس احتفاليّة.

وبالرغم من حلول الليل، فقد كانت رؤيتها ممكنة من مسافة بعيدة بسبب ضوء القمر الساطع، ولونِ فستانها الأبيض البرّاق.

"غضب خطيبي منّي وتركني وحيدةً وسط المخيّم،" قالت حين توقفت العربة."هل تستطيعان إيصالي حتّى مدخل بامباياستا؟ فهناك أسكنُ."

"كيف لا، أيّتها الشابّة،"أجاب الريفيّ، ثمّ أفسح وابنه مكانًا لها في العربة. مضوْا بصمتٍ لفترة غير قصيرة، إلى أن بدأوا بالحديث عن أشياء غير ذاتِ أهمّيّة، بداعي المجاملة أكثر من الحاجة الحقيقيّة لقول أيّ شيء. اعترفتْ، خلال الحديث، بولعها الشديد بالرقص، وبأنّ اسمها أنكارناسيون.1

كانت ليلة شتويّة قاسية، وثيابُ الصبيّة خفيفة. عندما رآها الريفيّ ترتجف من البرد قال:

"قدِّم، يا بنيّ، لإنكارناسيون فطيرةَ يانسون، وجرعةً من نبيذ القرفة الذي أحضرناه، فذلك جيّد للبرديّة." وقدّم الابن خبزًا ونبيذًا. قضمتْ قضمةً كبيرة من الفطيرة، وشربتْ بشراهة بضع جرعات. سال قليلٌ من النبيذ على فستانها، وحطّت على صدرها بقعةٌ ورديّةٌ كأنّها بتلةُ زهرة.

"وا أسفاه!"  قالت،"على بياضه الناصع."

لكنّها استأنفت التهامَ فطيرة اليانسون بنهمٍ وكأنّها، كما يُقال، لم ترَ الطعامَ منذ سنين.

عندما وصلتْ إلى مدخل بامباياستا، قريبًا جدًّا من صالة سيفيرو أندرادا للعبة البولينغ، قالت إنّها قد بلغت المكان. أوقف الريفيّ العربة. نزلتْ واندفعتْ تركض حتّى دخلت البيتَ الكائن على الزاوية عند التقاطع.

ماريا تيريزا أندرويتو:

شاعرة وكاتبة أرجنتينيّة (1954 ـــ ...). حائزة جائزةَ هانس كريسشان أنديرسن لعام 2012 لمساهمتها في كتابة أدب الأطفال.

 استأنف الأب والابن مسيرهما. بعد اجتياز بضعة أميال، رأى الابن شيئًا يلمع على أرض العربة. انحنى واكتشف أنّه قفّاز أبيض بتطريز فوسفوريّ. أراه لأبيه، وقرّرا العودةَ إلى البيت حيث أوصلا أنكارناسيون، ليعيداه إليها.

عادا أدراجهما، إلى أن وصلا منطقة صالة لعب سيفيرو أندرادا، وتوقفا عند الزاوية مقابل التقاطع. نزل الاثنان، لكنّ الأب وحده صفّق بيديه مناديًا: "يا أيّتها الماريا الطاهرة،" كما ينادي أهلُ الريف. أجابته كلابٌ. وبعدئذ، جاء صوتُ رجل كأنّه أفاق للتوّ من حلم:

- ما الخطب؟

-هل هذا مسكن فتاة تدعى أنكارناسيون؟ سأل الريفيّ.

فتح صاحبُ الدار الباب. كان شاحبًا. وعندما تمكّن من رؤية الغريبيْن لم ينطق بأيّ كلمة.

"جئنا لإعادة قفّازٍ كانت قد نسيَتهُ منذ قليل في عربتنا." وقف الرجلُ محدّقًا فيهما بصمت.

"أرجو ألّا تسيء فهمي،" أصرّ الريفيّ. "كانت في موقفٍ حرج، وطلبت منّا إيصالها قريبًا من هنا."

بقي الرجل صامتًا. بدأ الابن يشعر بالتعب من ذراعه الممدودة مقدّمًا القفّازَ إلى الرجل، الذي نطق أخيرًا:

- إنّها ابنتي، لكنّها متوفاة... بالأمس كانت الذكرى العشرين لوفاتها...

"قالت إنّها كانت عائدةً من حفلة الرقص..." استذكر الريفيّ.

"لقد مرّ عشرون عامًا..." قال الأب. "في يوم القدّيسة روزا، ماتت وهي ترقص في احتفالات العيد. بالقلب، تعرف..."

وفيما هما يستديران عائديْن إلى عربتهما، تمتما ببعض كلمات التأسّف. لكنّ والد الصبيّة قال مطالبًا:

"القفّاز... من فضلكما. سأضعه على قبرها. ففي كلّ هذه السنين، وخلال عيد القدّيسة روزا، كانت تنسى شيئًا في مكانٍ ما. وأنا أذهب لوضعه على قبرها."

أعطاه الابنُ القفّازَ المطرّز.

وبعدئذٍ نظر إلى أبيه، الذي كان يستقرّ في مقعده، نظرةً صامتةً، وهمز بالسوط الجيادَ مطلقًا لها العنان.

بوينوس آيرس، 2001

1- أنكارناسيون: اسم علم مؤنّث، معناه الحرفيّ "تأنّس" أو "تجسّد،" في سياق فكرة "تقمّص الأرواح."

* وردتْ ضمن مجموعة قصصيّة بعنوان المرأة المصّاصة الدماء (La Mujer Vampira).

 

 

 

 

 

 

 

محمد منصور

كاتب ومترجم فلسطينيّ، يقيم في لبنان.