تحرير فلسطين يمثّل مسارًا بديلًا أمام الأمم الأصليّة 
28-12-2019

 

 

أمّةُ الحُمْر

(بيان نقله إلى العربية من الإنكليزية: محمد منصور)

 

مقدّمة المترجم: صدر هذا البيان عن المؤتمر الثالث لـ "تحرّر السكّان الأصليّين،" المنعقد في بويبلو - ديني / موطن قبيلة نافاهو (الواقعة حاليًّا في ولاية نيومكسيكو الأميركيّة)، يوميْ 11 – 12/8/2019، وقد أُقرّ في 6 أيلول 2019. جاء المؤتمر برعاية  "أمّة الحمْر،" وهي منظّمة راديكاليّة من سكّان أميركا الأصليّين ومناصريهم، تناضل من أجل حقوق السكّان الأصليّين في الولايات المتّحدة وكندا.

تُمثّل "أمّةُ الحمر" (نسبةً إلى السكّان الأصليّين الذين أطلق المستوطنون الأوروبيّون عليهم تسميةَ "الهنود الحمر") الموجةَ الثالثةَ من حركات الاحتجاج المطالبة بحقوق السكّان الأصليّين، وذلك بعد موجتيْن ظهرتا في الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي. وقد ساهمتْ في إطلاق الموجة الثالثة أحداثٌ مهمّةٌ عدّة، منها: صعودُ حركة "لا استكانةَ بعد اليوم" في كندا، وقمعُ الشرطة وشركاتِ الأمن الخاصّة في أكتوبر 2016 لاحتجاجات "حرّاس المياه" المعترضين على مرور أنابيب النفط في أراضي قبيلة داكوتا - ستاندينغ روك (ما يهدّد مياهَ السكّان الأصليّين وبيئتَهم)، وغيرُ ذلك من الاحتجاجات التي حصلتْ في مناطقَ يُفترض أنْ تتمتّع بسيادة القبائل الأصليّة (مثل ولايات داكوتا، ونبراسكا، ومينيسوتا، وويسكُنسن).

***

فلسطين هي المقياسُ الأخلاقيُّ لشعوب أميركا الشماليّة الأصليّين (Indigenous North America). وعلى الرغم من وجود توافقٍ عريضٍ بين هذه الشعوب على أنّ الاستعمارَ الأوروبيّ والإبادةَ اللذيْن مورسا ضدّها إجراميّان وغيرُ أخلاقيّيْن، فإنّ المستغرَب ذلك العددُ الكبيرُ من السياسيين والنُّخَب والشخصيّات العامّة من بين هؤلاء السكّان الأصليّين [الأميركيين والكنديين] الذين لا يطبّقون مشاعرَ التعاطف عينَها على الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وإنّما تتراوح مواقفُهم بين عتاة الصهاينة الداعمين للتطهير العرقيّ ضدّ الفلسطينيين وليبراليّي الوسط الذين لا يدعمون حقَّ الفلسطينيين في الاحتجاج والمقاومة.

"الاغتسالُ بالأحمر" (Red Washing)هو تعبيرٌ أكاديميّ مفيد يُستعمل لوصف طريقة تجنيد الصهاينة سكّانًا أصليين [أميركيين وكنديين] من أجل تطبيع المشروع الإسرائيليّ الاستيطانيّ. نَستخدم تعبيرَ "الانتهازيّة المعادية للفلسطينيين" (Anti-Palestinian Opportunism) لوصف "ربحيّة" اصطفاف بعض أولئك السكّان الأصليين مع المشروع الصهيونيّ، وفائدةِ هذا الاصطفاف في تقدّمهم المهنيّ.

كثيرًا ما يساوي قياديّون من السكّان الأصليّين [في أميركا وكندا]، زورًا وبهتانًا، بين آمالِ هؤلاء السكّان، والمشروعِ الصهيونيّ الاستيطانيّ القائم على الاقتلاع والتهجيرِ والإبعادِ المتواصل للسكّان الأصليين الفلسطينيين من أراضيهم. قياديّون من "الأمم الأصليّة،" أمثال واب كينو وفِلْ فونتين ورون ايفانس (وكلُّهم رجالٌ أقوياءُ [في كندا اليوم])،[1] اتّخذوا مواقفَ مؤيِّدةً للصهيونية ومعاديةً للفلسطينيين، بتحالفهم مع الاستعمار الاستيطانيّ الإسرائيليّ. وفي الولايات المتّحدة، أطلق بَنْ شَلِي ومايرون لايزر وتوم كول ودَبْ هالاند تصريحاتٍ معاديةً للفلسطينيين كجزءٍ من برامجهم السياسيّة.[2] بل إنّ بعض قادة السكّان الأصليّين ممّن يصفون أنفسَهم بـ "التقدّميين" يُدلون بتصريحاتٍ ومواقفَ مؤيّدةٍ للصهاينة من أجل التكسُّب السياسيّ.

ففي العام المنصرم، أثناء الحملة الانتخابيّة لعضويّة الكونغرس الأميركيّ، وازتْ دَبْ هالاند بين "تجربتيْ" حصول الأميركيين الأصليّين على حقّهم في الاقتراع في ولاية نيو مكسيكو سنة 1948، وبين إنشاء "دولة إسرائيل." وعندما تحدّثتْ عضوُ الكونغرس الأميركيّ إلهان عمر، وهي امرأةٌ مسلمةٌ وسوداء ولاجئة، ضدّ "ايباك" (اللجنة الأميركيّة - الإسرائيليّة للعلاقات العامّة)، وهي مجموعةُ ضغطٍ مؤيّدة للصهيونيّة ومعادية للمسلمين والعرب، انتقدتْ هالاند تصريحاتِها،[3] واصفةً إيّاها بـ "نوعٍ من أنواع معاداة الساميّة،" مؤكّدةً أنّنا - كأعضاء في الحزب الديمقراطيّ - "ندعم إسرائيل."ولكي تحسِّن هالاند موقعَها بين الصهاينة الليبراليين أمثال نانسي بيلوسي، فقد اصطفّت مع الجناح اليمينيّ للحزب الديموقراطيّ، الذي غالبًا ما يطعن في سمعة نساءٍ مسلماتٍ تقدّميّات، كرشيدة طليب وإلهان عمر، ويلطّخها. إنّ انتهازيّة هالاند تُظْهر أنّها قد تكون أيَّ شيءٍ سوى حليفةٍ لفلسطين، وأنّها أقربُ إلى أن تكون مستعدّةً لرمي الفلسطينيين "تحت الباص" خدمةً لمسيرتها السياسيّة.

غير أنّ مناصرةَ الصهيونيّة لا تقتصر على عالم السياسيين. فهناك من بين السكّان الأصليّين [في كندا وأميركا] فنّانون ورياضيّون وأكاديميّون اختاروا تجاهلَ حقوق الفلسطينيين من أجل خدمة مصالحهم المهنيّة. ففي العام 2012، تجاهلت الشاعرة جوي هارجو[4] دعواتِ الفلسطينيين إلى مقاطعة المؤسّسات الإسرائيليّة وسحبِ الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) حين زارت إسرائيل؛ وفي هذا العام اختارتها مكتبةُ الكونغرس لتكون "شاعرةَ الدولة الأميركيّة."**وفي العام 2017، تجاوز"مقرِّرُ الأمم المتّحدة الخاصّ لشؤون السكّان الأصليّين" اس. جايمس أنايا[5] معاييرَ المقاطعة وألقى كلمةً في الجامعة العبريّة في القدس. وفي السنة المنصرمة، وبينما كان غزّاويون عزّلٌ يسقطون برصاص قنّاصةٍ إسرائيليين أثناء مسيرات العودة الكبرى، رفض فريقُ الإريكواالوطنيّ[6] للعبة لاكروس الاستجابةَ إلى دعواتٍ فلسطينيّةٍ لمقاطعة مباريات لاكروس دوليّةٍ مقامةٍ في إسرائيل، مدَّعيًا أنّ إسرائيل اعترفتْ بـ "سيادة إريكوا."

إنّ رفضَ الولايات المتّحدة وكندا الاعترافَ بسيادة السكّان الأصليّين [في هذين البلدين] لا يبرِّر الدوسَ على حقوق الفلسطينيين. كما أنّه ليس في إمكان أيٍّ من الأعمال الفنّيّة، أو المباريات الرياضيّة، أو الخُطَب الأكاديميّة، أن تبزَّحقَّ الفلسطينيين في العيش بسلامٍ في وطنهم.

تُظهر هذه الأمثلة مكافأةَ فنّانين ورياضيين ومشاهير وسياسيين من السكّان الأصليّين [الأميركيين والكنديين] على مواقفهم المؤيِّدة للصهيونيّة، والمعادية للمواقف الداعية إلى "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" (BDS). بكلام آخر، فإنّ من المُرْبِح للسكّان الأصليّين في مجتمعاتٍ استيطانيّةٍ [كأميركا وكندا] أنْ يكونوا معادين للفلسطينيين أو العرب أو المسلمين - - فذلك هو واقعُ الحال بالنسبة إلى المصالح الإمبرياليّة للولايات المتحدة. فأنْ تكون معاديًا للفلسطينيين يعني، في النهاية، أن تكون مؤيّدًا للولايات المتّحدة، ومؤيّدًا لإسرائيل، ومن ثمّ مؤيّدًا للاستعمار الاستيطانيّ.

 

عن الاستعمار الاستيطانيّ (Settler Colonialism)

يقدِّم الاستعمارُ الاستيطانيُّ نفسَه درعًا وحاميًا.غير أنّ ما لا يخبرونك عنه هو أنّه درعٌ للاحتلال، وحامٍ للمحتلّين. لقد قاوم الفلسطينيّون الاستعمارَ الاستيطانيَّ الإسرائيليّ منذ العام 1948، والاستعمارَ الأوروبيَّ منذ العام 1917. صحيح أنّ الاحتلال الإسرائيليّ العنيف لفلسطين التاريخيّة كثيرًا ما وُضع في إطار "النزاع" (conflict)، لكنّ في ذلك تشويهًا للتاريخ يغطّي على الحقيقة الفعليّة: وهي أنّ وجودَ إسرائيل، في حدّ ذاته، يتوقّف على تصفية وجود الفلسطينيين. هذا هو الاستعمارُ الاستيطانيّ. إنّ إسرائيل أمّةُ استيطانٍ عنيفة، ينبغي أن تُدانَ لارتكابها جرائمَ ضدّ الإنسانيّة. وبالمثل، فإنّ مؤرّخين بِيضًا في الولايات المتحدة غالبًا ما يضعون التاريخَ الاستعماريّ الاستيطانيّ لراعي إسرائيل، أي الولايات المتحدة، في إطار "نزاعٍ" بين طرفيْن متساوييْن، هما: رعاة بقر وهنود، أو مستوطون ومتوحّشون. غير أنّ الباحثة الإكاديميّة من داكوتا، اليزابيث كُوك- لِنْ، تذكِّرُنا أنْ ليس هناك طرفان لقصّة النهب والإبادة الاستعمارييْن. في أمّةِ مستوطنين، هنالك مرتكبُ جريمةٍ واضح: إنّه دولةُ الاستيطان. وشأن الفلسطينيين، فإنّ الشعب الأصليّ في الولايات المتحدة ما يزال يقاوم استعمارَ الولايات المتّحدة الممنهَجَ.

نحن نرفض اقتلاعَنا. الرفض هو أساسُ كلّ أشكال مقاومة الاستعمار. ونحن، كشعوبٍ وأممٍ أصليّةٍ في هذه البلاد، نعلن تضامنَنا ودعمَنا غيرَ المشروطيْن لأقاربنا الفلسطينيين في نضالهم من أجل التحرّر من العنف ذاته الذي يهدّد بمحو تواريخنا نحن ومستقبلِنا نحن أيضًا.

هناك ميْلٌ بارزٌ بين صفوف المتضامنين مع فلسطين في الولايات المتّحدة إلى بناء نموذجٍ للعدالة قائمٍ على السلام والتسوية. نحن نرفض بشدّةٍ هذا التوجّه. إنّ الاستعمار الاسرائيليّ يديم إنتاجَ العنف، بغضّ النظر عن الملاطفات الليبراليّة المتشدّقة بـ"السلام" و"الاحترام." إنّ صُنعَ السلام ليس مسؤوليّةً ثنائيّةً في دولةِ استعمارٍ استيطانيّ يواظب على ارتكاب جرائم حربٍ ضدّ المستعمَر. إنّ فكرةَ السلام "المتبادل" تشي بأنّ المستعمَر يتحمّل مسؤوليّةً متساويةً عن [التوصّل إلى] العدالة. لكنْ، في السياق الاستعماريّ، الفعلُ الاستعماريُّ نفسُه هو الجريمة الأصليّة، والمستعمِرون هم المعتدون. متى أصبح الغزوُ دفاعًا عن النفس؟ إنّ شكلَ العدالة الوحيد الذي يقابل تلك الجريمةَ الأصليّةَ هو إزالة الاستعمار (decolonization). إزالةُ استعمار إسرائيل يتطلّب إنهاءَ احتلال الصهيونيّة لفلسطين المحتلّة، وإنهاءَ حصار غزّة، واحترامَ حقّ الفلسطينيين في العودة (وجميعُها مرتكزاتُ حركة BDS التي سنفصّلها أدناه). والذين يناصرون العدالة في فلسطين مطالَبون أيضًا بمناصرة تحرّرنا نحن، وإزالة استعمار الولايات المتّحدة لنا.

 

مقاطعة، وسحب استثمارات، وفرض عقوبات

إنّ إسرائيل هي المستفيدُ الأكبر في العالم من مساعدات الولايات المتّحدة الخارجيّة. إسرائيل تقدِّم إلى مواطنيها تأمينًا صحّيًّا شاملًا، مدفوعَ الثمن بالدولارات الأميركّية، بينما يموت الفلسطينيّون يوميًّا بسبب عجزهم عن بلوغ مؤسّسات الاستشفاء في الأراضي المحتلّة، ناهيكم بعجزهم عن تغطية كلفة هذا الاستشفاء. إسرائيل ترتكب الفظائعَ ضدّ الفلسطينيين بلا أيّ حصانة، لأنّ الولايات المتّحدة تسمح لها بذلك. نحن، مواطني "الأمم الأصليّة" [في أميركا وكندا]، نصمد على الرغم من الاحتلال الكولونياليّ العنيف الذي تمارسه الولاياتُ المتحدة. لم نستطع إزالةَ استعمارنا وتحريرَ أوطاننا لأنّ الولايات المتّحدة سعت، عند كلّ منعطف، إلى إجهاض أحلامنا في التحرّر. فلا عجب، إذًا، أنْ تموِّل جهودَ إسرائيل لفعل الشيء نفسه مع الفلسطينيين. إنّ احتلال الولايات المتحدة يكتسب قوّةً وشرعيّةً من خلال الاحتلال الإسرائيليّ، والعكس صحيح.

أنّ أفضل طريقةٍ لمقاومة التواطؤ بين الولايات المتّحدة واسرائيل - ولإنهائه في المحصّلة - هو تطبيقُ المقاطعة وسحبِ الاستثمارات وفرضِ العقوبات (BDS بي.دي. أس).[7] هذه الحركة هي حركةٌ بقيادة فلسطينيّة من أجل الحرّيّة والعدالة والمساواة، تأسّستْ في العام 2005، وتقوم على مبدأ بسيط: أنّ الفلسطينيين يستحقّون التمتّعَ بالحقوق التي يتمتّع بها باقي البشر. إنّ حركة BDS هي شكلٌ من أشكال المناصرة غير العنفيّة التي تطالب دولةَ إسرائيل بـ 1) إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينيّة العربيّة كافّةً، 2) الاعتراف بالحقوق المتساوية للفلسطينيين العرب، 3) احترام حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم على ما ينصّ قرارُ الأمم المتّحدة رقم 194.

تستمدّ BDS إلهامَها من حركة مناهضة التمييز العنصريّ (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا، وهي حركة ساهمتْ في حشد الضغط الدوليّ لإنهاء الأبارتهايد. آنذاك، كانت الولاياتُ المتّحدة وإسرائيل تدعمان نظامَ الفصل العنصريّ هناك، في حين كان العالمُ بأسره يعارضه أخلاقيًّا. وقد جرى تصنيفُ "الشعوب الأصليّة" كفئةٍ [معترفٍ بها] في برنامج الأمم المتّحدة، عشيّةَ انطلاق "عقد محاربة العنصريّة والتمييز العنصريّ والأبارتهايد" الذي انطلق سنة 1974. ولقد أُدرجت الصهيونيّةُ في الأجندة الأساسيّة لذلك العقد، لكونها "شكلًا من أشكال العنصريّة" (أزيل هذا البندُ إثر توقيع اتفاقيّات أوسلو سنة 1993)، ومُنح الفلسطينيون منصّةً للمطالبة بحقوقهم. قاطع رؤساءُ أميركا - - من جيمي كارتر إلى جورج بوش الابن - - برامجَ الأمم المتّحدة حول مكافحة العنصريّة، على الأرجح بسبب مواقفهم من الأبارتهايد في جنوب أفريقيا وفلسطين. وتضمّنتْ تلك المقاطعة العقديْن اللذين خصّصتهما الأممُ المتّحدة لمحاربة العنصريّة والأبارتهايد في السنوات 1974 - 1993.

في أيّ حال، لا يمكن تجاهلُ الروابط بين حركة مناهضة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، وحقوقِ الفلسطينيين، وحقوقِ الشعوب الأصليّة. ولا يمكن الاستخفافُ بها. فمن دون ذلك التعاضد البيْنيّ بين تلك القضايا، لم يكن ممكنًا أن تحقِّق الشعوبُ الأصليّةُ مكتسباتٍ تاريخيّةً، مثل صياغة إعلان الأمم المتّحدة لحقوق الشعوب الأصلية (2007) (UNDRIP). لذا، لم يكن مفاجئًا أن يأتي التصويتُ الأوّليّ ضدّ ذلك البيان من قِبل أستراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة (وكلُّها أنظمةُ استعمارٍ استيطانيّ)، تماشيًا مع مواقف تلك الدول المعادية للشعوب الأصليّة على مدى عقودٍ من أعمال الأمم المتّحدة. وقد تغيّبتْ إسرائيل عن جلسة التصويت تلك.

على امتداد العالم، طالب أساتذةٌ جامعيّون ومجموعاتٌ طلّابيّةٌ بمقاطعةٍ أكاديميّةٍ لجامعات إسرائيل[8] التي تسهم في التطهير العرقيّ ضدّ الفلسطينين وتقوم بسرقة أراضيهم. وقد تعهّد عشراتُ الأكاديميّين من السكّان الأصليّين في الولايات المتّحدة باحترام دعوة مقاطعة إسرائيل أكاديميًّا عن طريق عدم التعاون مع الجامعات الإسرائيليّة.

ضلعٌ مهمٌّ آخر من حملة BDS هو المقاطعةُ الاقتصاديّة لشركات أميركيّة وعالميّة وإسرائيليّة تجني أرباحًا من الاحتلال الإسرائيليّ، وسحبُ الاستثمارات منها. تحاجج إسرائيل بأنّ مقاطعة الشركات الإسرائيليّة تؤذي الفلسطينيّين الذين يعملون فيها. غير أنّ إسرائيل هي التي تتحكّم بالموارد الطبيعيّة، وقامت بتدميرٍ متعمّدٍ لمؤسّسات عمل الفلسطينيين، وحدّتْ من قدرتهم على استغلال أراضيهم ودعم شعبهم. إنّ فلسطينيّي قطاع غزّة - - وهم قرابة المليونين - - ممنوعون من زيارة عائلاتهم في الضفّة الغربيّة أو في بلدانٍ أخرى، وممنوعون من السفر لتلقّي العلاج الطبّيّ الضروريّ. وتستفيد إسرائيل من حصارها لقطاع غزّة فتصدّر منتجاتِها إلى أسواق غزّة، وتقوم في الوقت عينه بتدمير أراضٍ زراعيّةٍ فلسطينيّة، وتقيّد بشكلٍ خانقٍ صادراتِ غزّة.

تدعو حملة BDS أيضًا إلى مقاطعة إسرائيل ثقافيًّا، إضافةً إلى مقاطعتها أكاديميًّا واقتصاديًّا. فإسرائيل تتعمّد استخدامَ الثقافة والترفيه والفنون من أجل تطبيع احتلالها للأراضي الفلسطينية وتلميعِه. وتناشد BDS الفنّانين والعاملين في حقل الترفيه الامتناعَ عن زيارة إسرائيل.

استنادًا إلى هذا التاريخ من التضامن، ندعو كافّةَ الشعوب الأصليّة والأمم الأصليّة [في أميركا وكندا...] إلى احترام دعوة الفلسطينيين إلى المقاطعة، وذلك عن طريق التعهّد بعدم التعاون مع الجامعات والمؤسّسات والمنظّمات التي تروّج للاحتلال وتسعى إلى التطبيع معه. لا تعرّضوا أنفسَكم لـ"الاغتسال بالأحمر" من قِبل إسرائيل والمدافعين عنها من أجل تبرير تطهيرها العرقيّ. لا تخرقوا معاييرَ المقاطعة.

 

المقاطعة السياسيّة

في الوقت الذي تدعو فيه BDS إلى المقاطعة الثقافيّة والاقتصاديّة والاكاديميّة [لإسرائيل]، فإنّ [شعوبَ] "الأمم الأصليّة" [في الولايات المتحدة وكندا] غالبًا ما تجد نفسَها تميل إلى دعم الاستعمار الاستيطانيّ الإسرائيليّ لأنّ إسرائيل تَعْرض على السكّان الأصليّين "اعترافًا بسيادتهم" وبكونهم "أممًا،" في الوقت الذي ترفض فيه دولُ الاستعمار الاستيطانيّ كالولايات المتّحدة وكندا أنْ تفعل ذلك. إنّنا نحثّ "الأمم الأصليّة" ليس فقط على مقاطعة إسرائيل ثقافيًّا، بل نحثّها أيضًا على رفض اعتراف إسرائيل بحقّنا في أنْ نكون أممًا أصليّة. وفي المقابل، فإنّنا نحثّ الفلسطينيين والأممَ الأصليّة في أميركا الشماليّة على نسج الأواصر السياسيّة وتنميتِها وتقويتها، وذلك عن طريق تبادل الاعتراف والمساعدة والدعم بينها. إنّ الانحياز إلى حقّ الفلسطينيين في قيام دولتهم يقدِّم إلى أممنا الأصليّة مسارًا بديلًا، معاديًا للاستعمار، من أجل تحقيق تحرّرها، من دون التطبيع مع أنظمة استعماريّة استيطانيّة - - سواء كانت تلك الأنظمة في إسرائيل أو الولايات المتّحدة أو كندا.

لقد نجحتْ BDS في الضغط على سياسيّين من الولايات المتّحدة كي يمتنعوا عن المشاركة في رحلاتٍ تنظّمها منظّمةُ "ايباك" إلى إسرائيل. إنّنا نناشد قادةَ "الشعوب الأصليّة" وسياسييها رفضَ المشاركة في وفودٍ ترعاها إسرائيلُ والمنظّماتُ الصهيونيّة، ونناشدها المشاركةَ - بدلًا من ذلك - في وفودٍ يقودها ويتبنّاها فلسطينيّون فقط.

 

معاداة الساميّة

بحسب منظّمة "صوت يهوديّ للسلام،"[9] فإنّ مِن قبيل معاداة الساميّة أنْ يجري الادّعاءُ أنّ كلَّ الشعب اليهوديّ متحالفٌ مع الأهداف والمساعي الصهيونيّة، وأنْ يتساوى دعمُ إسرائيل مع فكرة أنّ إسرائيل دولةٌ لليهود فقط. فإذا كان العداءُ للساميّة قضيّةً حقيقيّة، وهي في تصاعدٍ لكونها أحدَ مرتكزات الدكتاتوريّة والفاشيّة اليمينيّة، فإنّ BDS ومنظمةَ "العدالة لفلسطين" ليستا معاديتيْن للساميّة. إنّ أيَّ ادعاءٍ مغايرٍ يهدف إلى التخفيف من وقع جرائم إسرائيل، وإلى التعتيم على هذه الجرائم وعلى معاناة الفلسطينيين. إنّنا ندين المشاعرَ والمعتقدات والممارسات، المنتشرة في الولايات المتحدة وإسرائيل، والمعادية للسكّان الأصليّين وللعرب والمسلمين؛ ندينها بالصرامة والصدق اللذين ندين بهما العداءَ لليهوديّة في كافّة أنحاء العالم.

 

التزامُنا

نحن، "أمّة الحمر،" نعلن التزامنا بالتحرّر الفلسطينيّ عن طريق الآتي:

- محاسبة المشاهير والسياسيين والرياضيين والفنّانين من أبناء الشعوب الأصليّة [في أميركا وكندا] في حال قيامهم باختراق معايير BDS.

- دعمنا لحقّ الفلسطينيين في العودة، من دون أيّ تردّد أو اعتذار.

- دعمنا لـ BDS في كافّة الانعطافات.

- تضامننا الكامل مع فلسطينيّي الشتات، وتوفير المساحة اللازمة لهم من أجل التنظيم والكلام على التحرّر الفلسطينيّ.

- تقديم الضيافة لأقاربنا الفلسطينيين و[توثيق] علاقات القربى معهم، أينما حلّوا أو عبَروا في أراضي أوطاننا.

- دعمنا للمقاومة الفلسطينيّة في كلّ أشكالها وفي أيّ شكلٍ من أشكالها؛ فحين يقع شعبٌ تحت الاحتلال، فإنّ المقاومة مشروعة.

- تثقيف أعضائنا حول فلسطين عن طريق الوفود، والقراءة، وإقامة النشاطات.

- تثقيف "الأمم الأصليّة" وسائر الشعوب المستعمَرة الأخرى بالمقاومة الفلسطينيّة وبالجهود المبذولة من أجل تحرير فلسطين.

كلّ التضامن مع جميع الشعوب المستعمَرة في العالم.

أمّة الحمر

 

*إذا جرت محاولاتٌ بيئيّةٌ للتغطية على ممارساتٍ مضرّةٍ للبيئة، فذلك يُعتبر"اغتسالًا بالأخضر" (Green Washing). وإذا جرت مناصرةُ المثليّة الجنسيّة للتمويه عن قمع الحرّيّات المدنيّة أو قمع شعوبٍ بأسْرها، فذلك يسمّى "اغتسالًا بالزهريّ" (Pink Washing). أمّا مناصرة "إسرائيل،" مثلًا، لقضايا "الهنود الحمْر" (السكّان الأصليين في أميركا وكندا) من أجل تغطية ممارساتها القمعيّة ضدّ سكّان فلسطين الأصليّين، فتسمّى "اغتسالًا بالأحمر" (Red Washing). (المترجم)

** US Poet Laureate: منصبٌ يشغله شاعرٌ أمريكيّ تنتخبه مكتبةُ الكونغرس الوطنيّة ليكون شاعرًا للدولة الأميركيّة، وذلك لفترةٍ تمتدّ من أكتوبر إلى مايو. مهمّة هذا الشاعر هي التشجيع على قراءة الشعر وكتابته. وهذا التقليد استُورِد من بريطانيا سنة 1937، ويتقاضى حاملُ اللقب أربعين ألف دولار سنويًّا. (المترجم)