حقّك عليّ
17-09-2016

 

اليوم الكلام بمصاري. رحم الله أيّامَ زمان، حين كان الكلام بـ"بلاش": كان الواحد لا يتوقّف عن الكلام، بسببٍ أو بلا سبب.

قرّرتُ أن أدّخر ما يكفيني لشراء كلمةٍ أو كلمتين، أقولهما وأفرغُ ما في قلبي. من الغد سوف أبدأ. وإذا الله رزقني، فسأشتري جملةً كاملة.

ما هي أوّلُ كلمة سأشتريها؟ يجب أن أفكّر منذ الآن. الكلام ليس بالمجّان، ولن أختار اعتباطيًّا. "ريلاكس،" أنصح نفسي، "إلى أن تدّخر المال تكون قد اخترت."

***

"اخرسْ."

نعم، هنالك الكثير ممّن لا يدخل لسانُهم إلى حلقهم، ولا بدّ من عاقلٍ يقول لهم: "هذا يكفي! لو أنّكم تتعبون مثلنا لكي تجمعوا حقَّ كلمة، لما بقيتُم على حالكم هذا لا تتوقّفون عن الكلام." الكلمة مغرية للشراء. لكنْ لا بدّ من شراء مائة "اخرسْ" على الأقلّ، وربّما ألف، ولن تكفي لأسبوع. هل تنفع "اخرسوا" بالجمع؟ لا، لربّما "انبعصنا" بابن حلال بين الرهط، وقال كلمةً طيّبةً.

لا أريد أن أتعجّل. ما زال أمامي وقت للاختيار.

"ألا تستحي من نفسك؟" هذه جميلة لكنّها غالية.

"حبيبتي"؟ هذه مقدورٌ على شراء مائة منها، أوزّعها على الصبايا، من أعرف ولا أعرف. لكنّ الجميع يشتري منها. أريد كلمة مميّزة.

***

الله... الله...

جميل جدًّا هذا المحلّ، ومليء بالكلمات. ما من كلمة تطلبها إلّا وتجدها. حتّى السباب والشتائم، وهي غالية.

أتجوّل بين المعروضات. يلفت انتباهي ذلك المتباهي: يريد مائة "شكرًا،" ومائة "أدامك اللهُ لنا،" ومائة "معلّمنا،" وخمسين "فضلك على رأسنا." وقبل أن أتورّط في الإعجاب برُقيّه، أراه يعود إلى اللائحة في يده ويتابع طلبيّته: ألف من كلمة "كلب،" ومثلها من "ابن الشر...،" وألفان "خْرَاس..."

ما العمل الذي تمارسه ــــ بحقّ الجحيم ــــ حتّى تحتاج، وتقدر على شراء كلّ هذه الكلمات؟ أمُحلِّل سياسيّ أنت، واستراتيجيّ تقفز بين الشاشات؟

***

هنا "عفوًا." عليها صولد (تخفيض) كبير. أفكّر في شرائها، فأقول لنفسي: "كفى غلاظةً!" "غلاظة" جيّدة، وسعرُها يسمح بأن أشتري أكثر من واحدة منها. ركّزْ أرجوك. لن أدفع ما معي لكي أقول للغليظ إنّه كذلك، فلن يكترث بي.

يا ويلي! يبدو أنّني دخلتُ القسم النسائيّ. لكنْ، ماذا يفعل كلّ هؤلاء الرجال هنا؟ الحشريّة والتلصّص؟ أجيل النظر في المعروضات. تسترعي انتباهي كلمة "حبيبي" في إطار ملوّن. "حبيبي،" أشتريها وأخبّئها لابني إلى حين يولد، وأهمسها في أذنه.

"حبيبي"؟! ماذا جرى لك؟ استرجلْ يا رجل! قلها في قلبك، كما فعل أبوك وجدّك.

والآن، اخترْ قبل أن تتأخّر على المنزل، وتتلقّى حين دخولك نظرة الشزر.

ها هي. وجدتُها وكأنّها تنتظرني. غالية، لكنْ ملائمة تمامًا.

***

أخيرًا اشتريتُ كلمة. افسحوا لي الطريقَ. أريد العودةَ الآن إلى بيتي. أخرجُ وسط الازدحام. خارج المحلّ أخيرًا.

المحلّل السياسيّ الذي لم يتركْ كلمةً من دون أن يشتري منها مسرعٌ. سيدوسُني بسيّارته. يا لطيف... دهسني. ابنُ الحرام دهسني.

ها هو يخرج من السيّارة. يقف فوقي، وفوق ألمي: "حمار. كلب. ابن الشر... ألم ترَ السيّارة؟" ها هم الناس يسعفونني. "أستاذ، لا تزعجْ نفسك به. لا يستحقّ." يا الله، ماذا يقول هؤلاء؟ يجيبُهم: "شكرًا. شكرًا كثيرًا. محترمون أنتم، على عكس هذا الحمار الذي على الأرض."

آخ، آخ، لم أعد قادرًا. دهسني، ورماني على الأرض كما الفطيسة، وفوق ذلك يسبُّني وتشاركونه؟ يطالعُني باحتقار. "ما بك؟ أعندك ما تقول"؟

سأقولُها، ولو كانت الكلمةَ الوحيدةَ التي أملكها. سأقولها لك يا كلب، يا واطي. العبارة الوحيدة التي أملك سألفظُها. سأصرخُ بها بأعلى صوتي:

ــــ حقّك عليّيييي!

دمشق

حسام حميدو

كاتب من سوريا. عضو نقابة المحامين في سوريا، فرع دمشق .