ذكرى نومٍ آخر
17-09-2016

 

عاديٌّ يومُه؛ استيقظ طوني، وهو ممثل مسرحيّ، في موعده قبل المنبِّه بدقيقتين. وكانت الشمس أشدَّ كسلًا من أن تتسلّل من بين فراغات الستارة. وهو لا يرى من دون النظّارة، التي يبحث عنها الآن من حوله. وتذكّر أنّه استيقظ فجرًا ولم يرَ شيئًا، فصرخ: "أنا ضرير!" إلى أن مرّت سيّارة فتأكّد أنّ كلّ ما في الأمر انقطاعٌ في التيّار الكهربائيّ.

الدقائق الخمس الكافية لصنع القهوة كانت كافية لاسترجاع حلم الأمس: كان يسير في طريق عامّ مزدحم. وكانت الحشود غير ملوّنة الملابس أو مختلفة الشكل. وعندما حاول رفع رأسه ليرى نهاية الطريق، رأى شخصًا من الصفوف الأماميّة يلتفت نحوه. وعندما اكتملت التفاتةُ عنقه رأى نفسه، فركض بكلّ قواه ليصل إلى نفسه. غابت من حوله الأجساد، وتبدّد الازدحام، ولكنّ ركضه كان ثقيلًا، وكان شبيهُهُ أسرع وأبعد، فركع ليرتاح. وعندما رفع رأسَه وجد نفسه أمام مرآة منزله بوجهٍ جديدٍ ومعالمَ جسديّةٍ أخرى. كان يكفيه صوتُ القهوة وهي تطفو فوق الركوة لكي يستيقظَ من تحليل حلمه الذي كان فيه "كومبارسًا" ماهرًا، لا بطلًا شأن معظم الحالمين.

يحاول الاتّصال بأيّ كان ليفسّر له ما رأى، ولكنْ لا أحد يجيب. يسمع طنين ذبابة حول تمثال دوستويفسكي، فيتذكّر قصّة " المِثلُ " وكيف أدّى الحلمُ بصاحبه إلى تهمة الجنون. قرّر أن يحتفظ بما رأى لنفسهِ، وتظاهر بأنْ لا شيء يهمّ. توجّه نحو المرآة، فأومأ لنفسه بحركات مفاجئة، ليتأكّد أنّه هو، لا غيره، الذي في المرآة. ولمزيد من التأكيد قرّر الخروج من المنزل نحو مقهى اعتاد ارتيادَه.

الحيّ مثل كلّ يوم، وكلُّ شيء طبيعيّ وروتينيّ. خرج من باب البناء وألقى تحيّاتِه على مَن حوله مِن دون أن ينتظر الإجابة. سار حتّى ناصية الشارع منتظرًا سيّارةَ أجرة. مرّت أوّل سيّارة دون أن تستجيب لندائه. مرّت الثانية دون أن تقف. شتم سائقي سيّارات الأجرة جميعَهم، وقرّر الذهابَ إلى المقهى مشيًا. جلس إلى إحدى الطاولات الخارجيّة المطلّة على الطريق كعادته. قرّر ما سيشربه كي لا يتحيّر أمام النادل، وعاد ليفكّر في ما تغيّر اليوم على أرض الواقع حتى رأى نفسَه "كومبارسًا" في منامه لا بطلًا. ومن بين الأفكار التي حاول أن يجعلها تبريرًا لحلمه أنّه لم يلتقِ أحدًا منذ حوالى أسبوعين بسبب صدمة الأسبوع الماضي إذ أعطوْه دور "الجزرة" في مسرحيّةٍ للأطفال، بعد أن قدّم تجربةَ أداءٍ ليحصل على بطولة نصّ مسرحيّ عالميّ.

مرّ الوقت ولم يأت النادل. في بداية الأمر لم ينتبه إلى ذلك لأنّه كان غارقًا في أفكاره؛ ولكنْ، بعد ما يقارب الساعة، حاول مناداة النادل، وحاول والتصفيق والتلويح، من دون أن يلقى أيّ اهتمام.

عاد مثلما ذهب نحو منزله، محاولًا أن ينسى حلمَه، وما يجب أن يحفظهُ من دور "الجزرة" الناطقة الذي حصل عليه. قبل المنزل بشارع، لاحظ تجمّعًا أمام بوّابة البناء، من فريق الدفاع المدنيّ، وسيّارة إسعاف. هرول ليرى ما حصل في غيابه، ولكنّ الجموع منعتهُ من الوصول نحو الباب، فتسلّل من بين الجميع ليرى المسعفين وهم يضعون جثّتهُ في سيّارة الإسعاف وينطلقون.

استأنف الركض خلف نفسه من جديد.

المعتصم خلف

طالب حقوق فلسطينيّ ــــــــ سوريّ. كاتب ومعدّ برامج إذاعيّة.