سالومه (مسرحيّة في ثمانية مشاهد)
15-10-2016

 

الشخصيّات

1 سالومه: ابنة هيروديا، وابنة أخ هيرودوس.

2 بطليموس: قائد عسكريّ مناصر للنبيّ يوحنّا، وحبيب سالومه.

3 ماكسيموس: قائد عسكريّ، وصديق لبطليموس.

4 هيروديا: زوجة هيرودوس.

5 هيرودوس: ملك الجليل، وعمّ سالومه.

6 آخاب: مستشار أوّل لدى هيرودوس.

7 تامار: راقصة وصديقة سالومه.

 

المشهد الأوّل: سالومه وبطليموس

(في الليل، بعيدًا عن القصر وأعين الرقباء، بطليموس يلتقي بحبيبته سالومه).

ــــ بطليموس: كفاكِ رقصًا عند حاكمٍ جائرٍ يأمر بقتل مَن يستحقّ الحياة. كفاكِ رقصًا يا سالومه!

ــــ سالومه: أتخلّى عن الرقص؟ هل تعلم يا بطليموس معنى هذا القرار؟

ــــ بطليموس: فليكن معناه ما يكون ما دمتُ ذاهبًا إلى الموت. لن يروح الدم الطاهر سُدًى.

ــــ سالومه: لطالما أعلمتكَ يا بطليموس أنّه لم يكن في مقدوري عصيانُ أمّي. فلِمَ تنبش الماضي؟

ــــ بطليموس: لأنّك تسبّبتِ، بإذعانكِ ذاك، في أبشع جريمةٍ عرفتْها المملكة. فهل أنتِ مستعدّة للتكفير عن ذنبك؟

ــــ سالومه: ماذا تريد منّي أن أفعل؟

ــــ بطليموس: تدسّين السمَّ في شراب الملك.

ــــ سالومه: وإذا امتنعتُ؟

ــــ بطليموس (مرتبكًا): ينتهي حبّنا وسأقتصّ بنفسي من هيرودوس وأمِّكِ.

ــــ سالومه (متلعثمةً): وهل ستقتصّ منّي؟

ــــ بطليموس: ...

ــــ سالومه (فزعةً): ستفعلها؟

ــــ بطليموس (بصوت خافت ووجهه في عينيها بلا عينين): آه، لو تعرفين كم أحبّك.

 

المشهد الثاني: ماكسيموس وبطليموس

(في مجلس سريّ يجتمع القائدان العسكريّان).

ــــ ماكسيموس: ماذا إذا خانتنا سالومه وكشفتْ أمرنا؟ أرى أنّ الحسام حلُّنا الوحيد.

ــــ بطليموس: اصبرْ ولا تحكم بسوء. واثقٌ من صدقها وحبّها فلا تتهوّر. أنا في حاجة إليك.

ــــ ماكسيموس (ساكبًا بعضَ الخمر في قدحه): منك الأوامرُ ومنّي الولاءُ. لكنْ، لو فشلت سالومُ ماذا نفعلُ؟

ــــ بطليموس: السمّ فاتكٌ، فيكفيك تشاؤمًا.

ــــ ماكسيموس: لكنْ، لا بدّ من التحسّب للأمر. لا بدّ من خطّة بديلة.

ــــ بطليموس: إذا كُشفنا سنجرّب لعبة الموت؛ فافتحْ عينيك.

ــــ ماكسيموس (منشرحًا) : لبّيك، أتراهنني يا صاح؟

ــــ بطليموس: علامَ؟

ــــ ماكسيموس: المملكة سينقذها السيف.

 ــــ بطليموس (ضاحكًا): أوَتختبر شجاعتي؟ أنا أحبّذ أيسرَ السّبل وأضمنَها. لكنْ، لو فشلنا فسأقاتل حتّى أحقّق غايتي أو أموتَ بين طعنِ القنا وخفقِ البنود.

ــــ ماكسيموس: رهانكَ، إذًا، على سالومه.

ــــ بطليموس (متناولًا قدحَ صاحبه ليشرب): خيرُ خِلٍّ في الوغى حسامُ، وخير حَلٍّ في الرّهان سالومُ. ستنجح يا ماكسيموس... ستنجح. إنّي أسمع حشرجة هيرودوس منذ الساعة.

 

المشهد الثالث: في بلاط الملك

ــــ آخاب: سيّدي... كأس النبيذ...

ــــ هيرودوس: لا... لا.

ــــ آخاب: ما يشغل بالَ مولايَ؟

ــــ هيرودوس: قلق. قلقٌ ثقيلٌ يجثم عليّ في هذه الليلة الصامتة.

ــــ آخاب: وممَّ القلق؟

ــــ هيرودوس: كابوسٌ أطار النّومَ من عينيّ ليلة أمس.

ــــ آخاب: سلامتكم. إنْ شئتم حدّثونيه!

ــــ هيرودوس: لقد رأيتُني أمشي في حقل شوكٍ، وكلّي دماء. كنتُ كلّما تقدّمتُ ازددتُ جراحًا، وازداد الشوكُ أمامي. ثمّ تعثّرتُ، فوجدتني في بئرٍ عميقةٍ أصرخ. في المكان ظلمةٌ لم تعهدْها عيناي، لكنّي لمحتُ شيئًا يتحرّك. لم يترك لي مجالًا لأتبيّنه، فانقضّ على وجهي غارسًا أنيابَه في عنقي.

ــــ آخاب (منقبضَ الوجه): أيكون ثعبانًا ما رأيتم يا مولاي؟

ــــ هيرودوس: بل هو الخائن الغدّار. هناك مَن يتربّص بي يا آخاب.

(في هذه الأثناء تدخل الملكة هيروديا).

ــــ هيروديا (مقهقهةً): أما زلتَ تهذي بكابوس الأمس؟

ــــ هيرودوس: لستُ أهذي، هي لعنةُ يوحنّا تطاردني. ألستِ أنتِ مَن رغب في قتله؟

ــــ هيروديا: كفاكَ أيّها الملكُ، إذا بقيت تذكره ستفقد عقلك. لقد نال يوحنّا جزاءه. ألم يكن يؤلّب الناسَ عليك؟

ــــ آخاب: لا بريء يُقتل في ظلّ عدلكم يا مولاي.

ــــ هيرودوس (صائحًا): اغربا عن وجهي.

 

المشهد الرابع

(قبل تنفيذ الخطّة، تامار ترتدي ثيابَها استعدادًا للرقص أمام الملك، وسالومه تعدّ له قدحَ الخمر).

ــــ سالومه: إنّي جدّ مرتبكة يا تامار. أخشى أن يُكشف أمري.

ــــ تامار: تجلّدي يا سالومه. ألا يستحقّ بطليموس بعض التضحية؟ (قالت كلماتِها وهي تعضّ على شفتها السفلى).

ــــ سالومه: بلى سأفعل المُستحيل من أجل حُبّنا.

ــــ تامار: أتركك الآن، فالملك ينتظر.

(تخرج مسرعة).

 

المشهد الخامس

(حاملةً الموتَ على طبق ذهبيّ، تدخل سالومه بلاطَ الملك. تقترب من هيرودوس، وتقدّم إليه قدحَ الخمر. تتوقّف تامار عن الرّقص وتنظر إليها بعينين ساخرتين).

ــــ هيرودوس: لمَ ترتعشُ يداك يا سالومه؟ هل اقترفتِ بهما إثمًا؟

ــــ سالومه (مصفرّةَ الوجه): مولاي...

ــــ هيرودوس (أوداجُه منتفخة): أتنوين قتلي يا ابنةَ أخي؟

(ينتصب الملك واقفًا. ينادي تامار ويمدّ لها القدح).

ــــ هيرودوس: صحيحٌ أنّكِ أنقذتِني من الموت يا تامار، ولكنّ الملك لا يبقى مدينًا بحياته لأحد. اشربي ما في القدح، أو قتلتُكِ بحدّ سيفي.

(تتناول تامار القدحَ مرتعشةً. تضعه بين شفتيها. تشرب قليلًا، ثمّ تسقط أرضًا صريعةَ وشايتِها).

ــــ هيرودوس: أمّا أنتِ يا سالومه يا ابنةَ أخي (يمسكها من شعرها بعنف) فستفعلين ما آمرُكِ به أو ألحقكِ بتامار. مثلما أوقعتِ بيوحنّا ستوقعين ببطليموس، وتكشفين لي شركاءه في الانقلاب.

 

المشهد السادس

(في غرفة سالومه، خلف الستائر، يقف آخاب، مستشار الملك، ليتأكّد من تطبيق الاتفاق).

ــــ بطليموس: لمَ ناديتني يا سالومه؟

ــــ سالومه (بصوتٍ متقطّع): عندي لك خبر ثمين.

ــــ بطليموس (في لهفة): ماهو؟

ــــ سالومه (واجمةً تقلّب عينيها في أرجاء الغرفة): غدًا يخرج الملك في رحلة صيد مع مجموعة قليلة من الحرّاس وسيسلكون طريق وادي قدرون.

ــــ بطليموس: من أين لكِ بهذه المعلومة؟

ــــ سالومه (مطأطئةً رأسها): استرقتُ السمعَ.

ــــ بطليموس (منتشيًا): غدًا ننصب للطاغية كمينًا ونطيح حكمَه الغاشم.

(أحاط وجهها بكفّيه. لامس شفتيها بشفتيه، فامتلأ قلبها بالدموع، وتلاشيا في طقوس قبلة).

 

المشهد السابع

(على ضفّة الوادي تتقدّم الملكَ زمرةٌ من أتباعه. وخلف القصب الكثيف ينتظره الجندُ الثائرون).

ــــ بطليموس: عند الإشارة ننطلق.

ــــ ماكسيموس: خيارنا السيف كما تنبّأتُ. يا ليتك راهنتني!

ــــ بطليموس: دعنا الآن من الرهان. ينبغي ألّا نضيّع الهدف. هذه فرصتنا.

ــــ ماكسيموس: من رأيي أن ننقسم فرقتيْن، فلا نهاجِمَ دفعةً واحدةً تحسّبًا لأيّ طارئ. قلّةُ الحرّاس لا تريحني.

ــــ بطليموس: لن نترك فرصةً لفرار الملك. الهدف واحد أمامنا.

ــــ ماكسيموس (على مضض): لك ما تريدُ.

ــــ بطليموس: لنتحرّك الآن.

(ينطلق الثائرون في اتّجاه الهدف. فجأةً يمتلأ الفضاءُ بالخبيب والضباح والصلصلة. ويسودّ الوادي تحت ظلّ النقع. فرسانُ الملك يتهاطلون من كلّ الجهات. المتمرّدون في قلب المعركة محاصرون).

ــــ هيرودوس (مزمجرًا في جيشه العرمرم): أريد بطليموس حيًّا. مَن يأتني به أزوّجْه سالومه!

(بسماع هذا الشرط يزعق بطليموس زعقةً تُردّدها أرجاءُ الوادي، ويبدأ هجومَه بطعنٍ يلهب الحجر، مُرْديًا كلَّ مَن اعترضه. لكنْ، يُطعن جوادُه بحربةٍ، فيسقط القائدُ مغشيًّا عليه، ويفشل الانقلاب).

 

المشهد الثامن: في جبل صهيون

(دقُّ الطبول يعمّ المكان. الناس متجمهرون في جبل صهيون ينظّمهُم الجندُ. في المنصّة، يجلس الملك وسط حاشيته مرفوقًا بصاحبة السموّ هيروديا وابنتها سالومه).

ــــ رجل أوّل: بعد قليل سيأتون ببطليموس.

ــــ رجل ثانٍ: لو نجح القائدُ في تمرّده لزالت همومُنا وتحسّنتْ أوضاعُنا.

ــــ الرجل الأوّل: ويحك، إن يصلْ كلامُك هذا إلى الملك يقطعْ رأسك!

ــــ الرّجل الثاني: كفاك خوفًا. لولا وجودُ أمثالك لما ظلّ مجرمٌ يحْكمنا طوالَ هذه السنين!

(من بعيد، بطليموس حاملًا صليبَه، يتبعُه جمعٌ كبيرٌ من الجند والناس. سالومه مصعوقة لا تصدّق أنّها خانت حبيبَها وقدّمته في طبق إلى جلّادها. يأخذ جنديّان في تسمير القائد. يوقفان الصليبَ ويفْصدان شريانَه. الدم ينزف من قدمه بشدّة. يرفع بطليموس وجهَه إلى النّاس، فيخاطبُه أحدُهم):

ــــ خلّصْ نفسَكَ يا قائد الثورة وانزلْ عن الصليب.

(من المنصّة يهتف الملكُ في الجمهور):

ــــ أيّها الشعب، هذه نهايةُ كلّ مَن خوّلتْ له نفسُه الأمّارةُ بالسوء معارضتي أو التمرّدَ عليّ.

(كالدم المتفجّر من شريان، تندفع سالومه نحو آخاب. تستلّ خنجرَه من غمده، وتغرسه بكلّ قوّة في نحر عمّها. صيحاتُ الفزع تملأ المكان. هيروديا تعطي أوامرَها إلى الحرّاس بإخلاء المنصّة. تركض سالومه في اتّجاه الصليب، والناسُ يفسحون لها الطريقَ ذاهلين. ترتمي عند قدميْ بطليموس تغسلهما بالدموع وتمسحهما بشعرها. رغم الألم الحادّ حوّل القائد العسكريّ نظرَه نحو حبيبته. ابتسمتْ شفتاه. تمنّى لمس وجهها. التقت عيناهما للمرّة الأخيرة وسالت روحُه).               

تونس

سيف الدين بنزيد

 باحث تونسيّ متخصّص في مجال الأدب العربيّ الحديث. نال الأستاذيّة في اللغة والآداب العربيّة من المعهد العالي للغات بتونس، وكانت رسالته بعنوان "الغربة والفخر في أشعار الشنفرى وعُروة بن الورد." واصل المرحلة الثالثة من التعليم العالي بكليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، وتحصّل على شهادة الماجستير في اللغة والأدب والحضارة العربيّة، وكان عنوان أطروحته: "التناصّ مع الكتاب المقدّس في مجموعتيْ البئر المهجورة وقصائد في الأربعين ليوسف الخال." نال الدكتوراه وكانت أطروحته بعنوان: "التوظيف الرّمزيّ في الشعر السياسيّ المصريّ الحديث." درّس بالمعهد العالي للغات بتونس، وبالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بتونس.