صفقة عمر
21-06-2017

 

 

ــــ سأشتري من عمركَ! ليس كلّ عمركَ، لا سمح الله؛ فأنا لستُ بقاتل. فقط بضعة أعوام تعينني على إنجاز الأعمال الضروريّة التي لن تسمح لي شيخوختي بإتمامها. صدّقني، لا بدّ لي من الحصول على مساعدتكَ الكريمة لمحاربة هذه الشيخوخة، وستأخذُ ما يرضيك مقابل بضاعتك ـــــ وسامحني لوصفِها بالبضاعة الكاسدة: فأنتَ تقضي عمرَكَ على مقاعد الخمّارات والمقاهي، من دون نفع يعود عليك أو على غيرك، باستثناء صاحبَي المقهى والخمّارة، اللذين يأخذان عمركَ، وتدفع لهما. أمّا أنا، فسأشتري بعضَ عمرك، وسأعطيكَ ما يمكّنك من قضاء بقيّته بسعادة، لن أقول إنّها سعادةٌ أكبرُ من سعادتك التي أنت فيها؛ فأنت في بؤسٍ هنا، ولا تعرف شيئًا عن السعادة التي أعِدُكَ بها.

ردّ الشاب ساخرًا، ومن دون أن يرفع نظرَه عن الطاولة التي يجلس إليها: "أغلقْنا... تعال غدًا." ابتسم العجوز ابتسامةً متكبّرةً وهو ينظر إلى الشابّ المطرق النظر، وتناول من على يمينه حقيبةً صغيرة. وضعها على الطاولة. فتحها ودفعها تحت عينَي الشاب: خشبُ الطاولة الذي كان يحدّق فيه أصبح، الآن، نقودًا!

نظر الشابّ إلى العجوز بصمت. ثمّ سأل مستغربًا:

ــــ كيف ستشتري منّي عمري؟

ــــ لا تقلق. هذه ليست المرة الأولى. وأدعو الله ألّا تكون الأخيرة.

ــــ حسنًا، كم ستدفع لي؟

ــــ كم ستبيعني؟

ــــ كم سنةً تريد؟

ــــ بالسنة؟ هذا جيّد ــــ قال العجوز فرحًا ــــ سأعطيكَ ثمنَ السنة ما يكفيك لعشر سنوات.

ــــ لعشرين!

ــــ خمس عشرة.

ــــ موافق. لمَ لا؟ قال الشابّ وضحك.

أثارت الضحكة أعصابَ العجوز، فقتلها بنظرة احتقار علت وجهه. قال مشدِّدًا على كلّ حرف:

ــــ أتشكّ في إمكانيّة تنفيذ ما اتّفقنا عليه؟ فلتعلمْ أنّني لولا تأكّدي من إمكانيّة التنفيذ، ومن قبولك، لما أضعتُ من وقتي ثانية واحدة معك. وكيف لي ذلك وأنا أدفع مبالغ طائلة لشراء الوقت؟!

أصابته جدّيّةُ العجوز بالذعر. أدرك أنّ الرجلَ جادّ جدًّا، وأنّه الآن أمام إمكانيّة بيع عمره. العرض جيّد، فكّر. لستُ الشابَّ الوحيد المستعدّ لبيع عمره، والعجوز يعلم ذلك؛ فقد اشترى من قبل، ويستطيع أن يذهب إلى شابّ أكثر بؤسًا، ويشتري منه بسعرٍ أقلّ، وأظلّ أنا على هذا الكرسيّ إلى أن يذوب عمري.

قطع العجوز على الشابّ أفكارَه، وسأله بصوت مرتفع يكاد يكون توبيخًا:

ــــ ماذا قلتَ؟

ــــ سأبيعك خمسَ سنين.

ــــ ولماذا لا تكون عشر سنين؟

ــــ ألا تريد أن يبقى لي الوقت لأصرف المال الذي سآخذه منك؟

ــــ مالٌ أكثر راحةٌ أكثر. ستتمكّن، إنْ أحسنتَ استثمارَه، من أن تعود لتشتري ما بعتَ من عمرك!

ــــ ولكني لن أشتري شبابي. سأشتري سنين أصرفُها وأنا عجوز!

ــــ تريد كلّ شيء إذًا؟ تريد المالَ، والشبابَ، وطولَ العمر، وأنت جالس على كرسيّك هذا لا تأتي بحركة؟! هذا هو عرضي، فإمّا أن..."

وقبل أن يكمل كلامَه سحب الشابَّ إلى صدره وهتف:

ــــ قبلتُ!

دمشق

حسام حميدو

كاتب من سوريا. عضو نقابة المحامين في سوريا، فرع دمشق .