طلقة وابتسامة ودمعة
04-11-2015

 

الطلقة

غطّى الغرفةَ ظلامٌ دامس، عدا خطّ يتيم من النور، انطلقَ من شمسٍ حمراءَ، وتسرّب عبر شبّاك فقدَ هدفه منذ زمن، ليحطّ على وجهٍ خائفٍ دامع.

ارتجف صوتُ الوجه هامسًا:

ــــ أرجوك، أنور، ماذا يحلّ بعائلتي، بأولادي؟!

لم يرتجف المسدّس بيد أنور. نظر إلى الوجه المرتعب نظرةَ الصيّاد إلى فريسته: باردَ الأعصاب، هادئًا، مترقّبًا اللحظة الحاسمة.

ضغط على الزنّاد.

خنق صوت الطلقة تكبيرة صلاة الفجر الأولى، معلنةً قيامَ الانتقام.

***

الابتسامة: (قبل الطلقة بيومين، مساءً)

غرفة رماديّة، خفيفة الإضاءة، يشغلُ فراغَها كرسيّان وطاولةٌ وبعضُ الصور المعلّقة على الحائط: صورٌ أكلها الزمن، لأشخاصٍ أكلهم التّرابُ.

جلس ظلاّن إلى الطّاولة، ينفثُ منهما الدّخان:

ــــ الظلّ الأوّل: ومَن قال لك إنّه عائد إلى الضيعة؟

ــــ الظلّ الثاني: لديّ مصادري. سوف يتسلّل عبر الحدود في الساعة الواحدة ليلًا. اشتاق الكلبُ إلى كلابه الصّغار.

ــــ و ما هي هذه المصادر؟

ــــ شخصيّات في إسرائيل لا تحبّه، يجلب لها المتاعب. يطالب بحقوق اللبنانيين في  إسرائيل. تخيّلْ!

تقلّب الظلّ الأوّل في كرسيه وأطفأ سيجارته:

ــــ من أعطاك الحقّ؟

رمى الظلُّ الثاني سيجارته على الأرض، فأطلقتْ شراراتٍ حمراء لوّنتْ رماديّةَ الغرفة.

ــــ الحقّ؟! لقد شارك في قتل أخي! شهِدَه يموت ولم يرفّ له جفن! أليس من الحقّ أن أقتله؟ أليس الانتقام واجبي؟

ــــ أوّلًا، أنتَ لا تعرف اذا كان حقًّا شاهدًا على موت خليل. ثانيًا لقد تعاملتَ، بحسبِ ما فهمتُ، مع إسرائيليين لتقتل شخصًا قادمًا ليرى عائلته.

ــــ ....

نهض الظلُّ الأوّل:

ــــ أنور! أرى فيك غيرَ ما عرفتُه طوال حياتي. لم تعد تبحث عن العدالة أو الحريّة. لم يعُد لكَ معنى، صرت تمامًا مثلَ كلّ من كنت تقاتلهم. انتقمْ إن كان لذلك معنى!

***

الدمعة (قبل الطلقة بساعتين، فجرًا)

اشتعلتْ شمعةٌ في وسط الدار، باعثةً نورَها على وجهين.

ــــ أرجوك حبيبي لا تذهبْ. أرجوك ابقَ هنا. سأحكي مع المختار وأرجوه أن يقْبلكَ بيننا. سأترجّى كلّ الضيعة. لكن ابقَ. أرجوك!

ــــ إذا بقيتُ هنا فسأكون في عداد الموتى. يظنّونني قتلتُ خليل. والآن أنور... لا أعرف ماذا سيَفعل بي إذا بقيتُ هنا.

نظر مصطفى إلى الساعة. ثمّ نظر إلى جبل الشيخ. شعر أنها ستكون آخرَ مرّة ينظر فيها إلى هذا السفح من الجبل.

ــــ قربت الشمس. يجب أن أذهب.

ــــ ابقَ بعد. كرمى لي!

ــــ لا أستطيع. دعيني أودّع الصغار.

دخل الى غرفةٍ صغيرةٍ بيضاء. على سرائرَ غطّتها ملاءاتٌ رُسمَت عليها زهورٌ وورودٌ، استلقى أطفال.  جلس إلى ابنه الأصغر. نظر إليه ونزلَت آخرُ قطرة توبةٍ من عينه. همس في نفسه:

ــــ أخطأتُ...أخطأتُ...أخطأت...

كندا 

انس الصلاح

فلسطينيّ الأب ولبناني الأم، ترعرع في بيروت في عائلة على حافّة البورجوازيّة. يحب قراءة كل شيء بما فيه لوائح الطعام ومكونات معاجين الأسنان. يكتب عندما تشاء الأقدار.