عبد الوهّاب البيّاتي: قصيدة "الحريم" (الآداب 9، 1953)
28-03-2017

 

 

ساهم الشاعر العراقيّ الراحل عبد الوهّاب البيّاتي (1926 ــــ 1999) في مجلّة الآداب منذ سنتها الأولى، فنشر في العام 1953، العدد الخامس، أولى قصائده: الملجأ العشرون. وفيها كان موقعُ الشاعر الفكريّ والسياسيّ محسومًا من البداية: مع المقاومة، مع الحرّية، مع الناس المسحوقين، ضدّ الأنظمة.

هذه المبادئ رافقت البيّاتي، وأدّت به إلى النفي والهرب، وإلى خسارة الجنسيّة العراقيّة، والبقاء خارج الوطن حتّى الممات.

في قصيدة "الحريم،" يبدو الموقفُ الفكريّ واضحًا عند البيّاتي في مفهومه للحرّيّة. فالقصيدة تستعمل عنوانًا تكبيليًّا للنساء (الحريم)، وتبدأ بعاشقٍ يغنّي لحبيبته تحت شبّاكها في الليل، وتنتهي به في الوضع ذاته.

في الغناء الأوّل يَصدر صوتُ الفارس العاشق حزينًا؛ فشفتا حبيبته "جرحٌ دامٍ،" و"طوالَ الليل آلافُ النسوة يولدن ثمّ يمتنَ عند الفجر..." إلّا هي، لأنّها حلمه. لكنّ الحلم لا يلغي الحقيقة، وهي أنّ النساء "حريم"! كأنّ البيّاتي يشير إلى مفهوم العبوديّة في لفظ الحريم ذاته، بما يسمح بقراءةٍ على الشكل التالي: العبوديّة = الحريم = النساء والرجال معًا.

وما مصدر هذه العبوديّة؟

يتردّد في القصيدة تعبيرُ "تجارة القول المزيّف، والرقيق." هؤلاء التجّار هم معيدو الكلام بلا تجديد، وخدّامُ الملوك الذين استعبدوا الناسَ ليبنوا الأهرامات، وطوَّعوا المفكّرين ليشتروا لهم العبيدَ، وليمنعوا كلَّ ما يغيّر وجهَ هذا "الشرق القديم."

يثير الانتباهَ، في هذا الصدد، تكرارُ تعبير "الشرق القديم،" الذي يحتاج إلى ثورة الناس ضدّه. فكأنّ البيّاتي مهّد الطريقَ لتعبير "الشرق الجديد" في قصيد خليل حاوي، الجسر، المنشورة في الآداب سنة 1957.

في الأغنية الأخيرة تحت شرفة الحبيبة، في ختام القصيدة، لا تبقى الحبيبة "حريمًا،" بل إنّها تحرِّر هذا الفارسَ الذي كانت حياتُه "فقاعةً في الهواء" بحملها السلاحَ إلى جانبه. وهنا لبُّ الموقف: ليست المرأة حريمًا ينتظر الفارسَ لتحريره، بل هي تحرِّر هذا الفارسَ بقتالها معه؛ ما يسمح له بتفتيت القيد الذهنيّ المفروض على الجميع.

البيّاتي قدّم عبر الآداب، منذ أكثر من ستّين عامًا، طرحًا متقدّمًا عن علاقة الحرّيّة بالتحرّر الفكريّ، وتحطيم قيود ماضٍ وُضعتْ لتكبيلنا، من غير أن نتخلّى عن "الشرق."

قصيدة الحريم الجميلة، هنا.

ي.أ.