عن غسّان مجدّدًا (ملفّ)
17-07-2017

 

 

خمسة وأربعون عامًا مرّت على انفجار شحنة الخمسة كيلوغرامات بالكثير من أحلامنا وآمالنا بغدٍ أفضل، وبحياة ثوريّة صادقة، وموقفٍ لا يلين، تجمّعتْ كلّها في ابن السادسة والثلاثين يومها: غسّان كنفاني.

ومع الانهيارات المتزايدة في وعينا، على الرغم من تحقيق الكثير على مستوى الندّيّة العسكريّة مع العدوّ، نجد أنفسَنا أحوجَ من أيّ وقتٍ مضى إلى صوته الصارخ فينا كي "نقرعَ الخزّان،" و"نَعرفَ عدوّنا،" من أجل أن نقاتله بوعي أكبر للوصول إلى أرض البرتقال الذي سيتخلّى عن حزنه.

السنة الماضية نشرت "ذاكرُة الآداب الورقيّة،" ضمن ملفّ عن الشهيد، سجلًّا بقصصه ومقالاته في الآداب، بدءًا من قصّته الأولى سنة 1957، "شمس جديدة." واليوم ننشر، في ذكرى رحيله، ثلاثَ تحيّات له في يوم استشهاده.

الأولى افتتاحيّة رئيس التحرير آنذاك، الراحل سهيل إدريس، وهي بعنوان إلى غسان، تلتها قراءة سريعة لروايته ما تبقّى لكم. ويلفت النظرَ، في ما نقله سهيل عن لقائه الأخير بغسان، موقفُ الأخير من الحاجة إلى جهد وعمل أكثر: "إنّ ما تقوم به الفصائلُ المقاومة، على قلّته وضعف تأثيره، يحميني من اليأس. وصمتَ قليلًا، ثمّ أضاف: ولكنّنا إذا لم نضاعف الجهدَ والعملَ، فسوف نموت..."

***

وفي العدد الثامن ذاته، نقلت الآداب رثاءَ الشاعر محمود درويش لغسّان، في نصّ بعنوان "آهٍ... من يرثي بركانًا؟!" يقول فيه:

"ــــ أيّها الفلسطينيّون، احذروا الموت الطبيعيّ!

هذه هي اللغة الوحيدة التي عثرنا عليها ضمن أشلاء غسان كنفاني.

ــــ ويا أيّها الكُتّاب، ارفعوا أقلامَكم عن دمه المتعدّد!

هذه هي الصيحة الوحيدة التي يقولها صمتُه الفاصل بين وداع المنفى ولقاء الوطن..."

وينتهي النصّ باستئذان غسان في البكاء، مع نبوءة الموت الفلسطينيّ الكثير؛ وهو موتٌ كان ينبغي ــــ في رأينا ــــ أن يُنبتَ وطنًا لو بقي نهجُ غسان هو البوصلة، لا أن يحلّ مكانَه نهجُ أوسلو وما بعده:

"ونحن هنا، سنموت كثيرًا. كثيرًا نموت، إلى أن نصبح فلسطينيين حقيقيين، وعربًا بلا تاريخ. ولكنّني أستأذنك الآن ــــ أستأذنك يا غسان في البكاء قليلًا، فهل تأذن لي بالبكاء؟ هل تغفر لي؟ أما كنتَ تحبّني يوم كنتُ هناك؟!"

***

وفي العدد أيضًا، يحلّل رجاء النقّاش الأسبابَ التي أدّت إلى اغتيال المناضل الشابّ غسان كنفاني. فيناقش، في نصٍّ بعنوان "تحيّة من سفارة إسرائيل في كوبنهاجن،" رمزيّةَ الورقة التي وُجدتْ في موقع التفجير وحملت العبارةَ التي عنونَ بها نصّه. والنصّ الطويل احتوى على عرض شامل لمجريات حياة غسّان وإنتاجاته، وصوره المختلفة: الكاتب، والفنّان، والصحفيّ، والسياسيّ، والمناضل، وكلّ تلك الصفات التي جعلت اغتيالَه خسارةً في الصميم.

في الذكرى الخامسة والأربعين، ما زالت الغصّةُ حارّةً، وما زلنا في أمسّ الحاجة إلى مَن رأى الطريق الوحيد الثقيل والمكلِف لتحرير الأرض والإنسان.

ي. أ.