قميص
28-05-2016

 

على الرصيف الغارق بأشعّة الظهيرة مشى عامر يفكّر: ماذا لو لم يقْبلْ أن يُرْجعَه؟ لكنْ، لماذا لا يقبل وأنا اشتريتُه البارحة؟ إذا رفض أن يردّ ثمنه فليعطني بثمنه قطعةً أخرى!

 

مرَّ بجانب شحّاذٍ يعدُّ أرباحَه. نظر إلى النقود في يديه، فعَلَت وجهَه حسرة. الشحّاذ قادر على أن يشتري عشرة قمصان، وربّما أكثر، بربح نصف يوم شغل! انتبه الشحّاذُ إلى تحديق الشابّ به، وسارع إلى إخفاء النقود في جيبه. تنحنح قليلًا، ثمّ قال بصوتٍ عالٍ: "ربّنا يحمي شبابَك ساعدني." أشاح عامر بنظره عنه، وتابع طريقَه نحو محلّ الألبسة. لم ينتبه إلى المعلّم حسّان، صاحبِ المحلّ، الذي كان خلفه بخطوة أو اثنتين عائدًا من المسجد القريب. ألقى الشحّاذ التحيّةَ على المعلّم كالعادة، وعلى غير عادةٍ أجاب المعلّم هذه المرّة، ثمّ اقترب منه وخاطبه لأوّل مرّة: "تعال عندي عالمحلّ بعد شويّ في إلك عندي غرض." رسمت الدعواتُ التي انهال بها الشحّاذُ على المعلّم وعائلته بسمةً طيّبةً على وجهه، فأكمل طريقَه ووصل إلى متجره.

ألقى عامر التحيّةَ على المعلّم فور دخوله. ردّ المعلّمُ السلامَ، ممعنًا النظرَ فيه، فتذكّره. "معلّم، مبارح اشتريت من عندك هاد القميص..." ولم يجرؤ أن يكْمل بـ"بدي رجّعه" فقال: "بدّي بدّله إذا سمحت." أخرج صاحبُ المحلّ القميصَ من الكيس ليتفحّصَه، وحكم سريعًا: "ما بيتبدّل،" ورماه على طاولةٍ أمامه. سأل عامر عن السبب. "شوف شو عامل فيه، مجعلك ومعلوك صار... ما عاد ينباع معي." حاول عامر استجماعَ قواه والبحثَ عن كلمات قد تغيّر من رأي المعلّم. في هذه الأثناء دخل الشحّاذ، وكان ينتظر خروجَ الشاب. أحسّ عامر أنّه على وشك خسارة معركةٍ لا يستطيع تحمّلَها، فاقترب من صاحب المحلّ، وقال بصوت منخفض: "والله يا معلّم ما معي مصاري اشتري قميص غيره." فصرخ المعلّم في وجهه: " أنت جايي تشحد"؟! واستدار فاتحًا له طريقَ الباب.

مشى عامر خارجًا من المحلّ يحاول قدر استطاعته أن يمنع الدموع التي تملأ عينيه من أن تنهمر.

أعطى المعلّم حسّان الشحّاذَ مبلغًا لا بأس به من النقود، فوضعها في جيبه وشكره على عجل وخرج. نادى الشابّ، فالتفت. "مسيكْ من إيدي،" قال الشحّاذ ومدّ يده إلى عامر. تجمّد عامر ولم يمدّ يده. "هَيْ مصاري القميص." وقبل أن يقول الشابّ شيئًا أردف الشحّاذُ: "صاحب المحلّ بعتلك ياهم."

أمسك عادل بالنقود، وقال: "بس هدول أكتر!"

"ندم لأنّو غلط معك، وبعتلك الزيادة اعتذار."

ليس بعيدًا عنهما استجابت شابّةٌ لأحمر إشارة مرور. ابتسمتْ حين رأت عامر يعطي الشحّاذَ ما زاد عن سعر القميص. التفتتْ إلى فتاة جالسة إلى يمينها وقالت: "بدل ما يعطي الشحّاد مصاري، يشتري قميص يلبسه."

ضحكتا، وكانت الإشارة قد أصبحتْ خضراء.

دمشق

حسام حميدو

كاتب من سوريا. عضو نقابة المحامين في سوريا، فرع دمشق .