كابوس
15-01-2016

 

استيقظ حازم مذعورًا، يكاد يختنق من كابوسٍ يلاحقه منذ سنوات. مدّ يده لاهثًا إلى الطاولة القريبة متحسِّسًا نظّارتيْه.

جلس بصعوبة ليرى التلفاز يجترّ برنامجَ الليلة الماضية، عن تمساحٍ يعيش في كوبا.

نزع نظّارتيْه وبدأ يفرك عينيْه بقوّة، محاولًا ضبط أنفاسه. الساعة الأولى من صباح هذا الحلم هي الأصعبُ دائمًا.

"أيُّ أحمق أنت؟" تساءل حازم مخاطبًا إحدى الأنويْن اللتين تحدّث عنهما فرويد. حازم لا يعرف مِن نظرّية فرويد إلّا الأنا السفلى والأنا العليا، وهو ليس واثقًا إنْ كانت هناك أنا وسطى. في كل الأحوال هو يقصد الأنا المحرِّضة على ظهور الأحلام، وبالتحديد هذا الحلم الذي مازال يقضّ مضجعَه منذ سنوات.

أكثر ما يزعجه هو ارتكاسه الهلِع الخانق، وكلُّ ذلك جرّاء حلمٍ لا دماءَ فيه ولا أشلاء، ولا أسماكَ قرشٍ تلتهمه ابتداءً بخصيتيْه، ولا معاتيهَ يهجمون عليه بشتّى أنواع الأسلحة لأنّهم يعتقدون أنّهم بقتله سيعيشون حياةً أفضل.

لا شيء من هذا يحدث معه. حلمُه أغبى من ذلك بكثير: إنّه، ببساطة، يرى نفسَه متأخّرًا عن طائرةٍ أو قطارٍ ما، يجري حاملًا تذكرةً، وينظر إلى ساعته، مدركًا أنّه لن يلحق بطائرته أبدًا، لكنّه يواصل الركضَ آملًا في أن تحصل مشكلة تؤخّر إقلاعَها. عبثًا!

حقًّا؟ وإنْ يكن؟ أيُّ نوعٍ من المصائب هذا الذي يكاد يُزهق روحي؟ قال حازم لأناه الحالمة. أنا لم أفوّتْ طائرةً أو قطارًا يومًا رغم أسفاري المتكرّرة، فما الذي نتحدث عنه هنا؟

قرّر حازم أنّ في هذه الحقيقة ما يكفي من العزاء لجعله ينتفض ويبدأ نهارَه الخريفيّ. كان أوّل ما تذكّره حين وضع رأسه تحت حنفيّة الماء أنه فقد عمله مؤخّرًا.

لا بأس، إنّها الحرب، قال. وأتفهُ ما قد يصيب البشرَ فيها أن يفقدوا وظائفهم. يكفيك النظرُ إلى كيس قمامةٍ أسود، يحوي جثّةً، وعليه لصاقةٌ كُتب عليها كلمة "مجهول،" لتدرك شدّة رأفة الآلهة بك حتى الآن.

شعر بانقباضٍ في المعدة، وبحاجة إلى تنشّق الهواء. قرّر أن يشرب قهوة الصباح في المقهى. أختار مقهًى لم يرتده من قبل. طلب القهوة، وأشعل سيجارة بانتظارها.

انتبه إلى وميض هاتفه الصامت أمامه على الطاولة: إنّه مالكُ البيت يحاول تذكيرَه بوجوب دفع الإيجار.

شرب قهوته مع ألمٍ حادٍّ في المعدة، ومزاجٍ عكر. دخّن كثيرًا وهو يحاول أن يجد طريقةً يؤمّن بها الإيجار.

عاد إليه حلمُ الليلة الماضية. تذكّر نفسَه يهرول مسرعًا وهو ينظر إلى ساعته بيأس.

مهلًا ، الساعة! كانت أكثرُ الأفكار حماقة تعبث برأسه في تلك اللحظة.

عاد إلى البيت مسرعًا. نبش البيتَ حتّى وجدها. إنّها هديّةُ المرأة التي أحبّ، وهي تساوي مبلغًا كبيرًا من المال أيضًا.

هرع إلى السوق. باعها بمبلغ محترم. اتّجه إلى مكتب حجوزات. اشترى تذكرةَ سفر على طائرةٍ تقلع الليلة. حاول النظر إلى الساعة ليعرف كم تبقى معه من الوقت. اللعنة: لقد باعها للتوّ! اشترى، بما تبقّى معه من مال، ساعةً رخيصةً من السوق الشعبيّة.

انطلق عائدًا إلى المنزل. أنزل حقيبته من السقيفة، وبدأ بتوضيب أمتعته. حين فرغ، ارتدى ملابسَ السفر.

حان الوقت، قال لنفسه. جرّ الحقيبة إلى غرفة الجلوس، وكان برنامجُ التمساح الكوبيّ يُعاد في تلك اللحظة بالذات. جلس يرمق الحقيبة وسط الغرفة. أمسك بالتذكرة. نظر إلى وقت الإقلاع، وإلى ساعته. خمس دقائق فقط.

ظلّ ينقّل نظرَه بين التذكرة والساعة والحقيبة، حتى قال أخيرًا: لا بدّ من أنّها أقلعت الآن!

شعربرضًى لم يشعر به منذ مارس الجنسَ لأوّل مرّة.

استمتع بلحظته طويلًا حتّى باغته النعاسُ، فاستسلم له، متأكّدًا من أنّه لن يرى ذلك الحلمَ البائسَ مجدّدًا.

استغرق في النوم، إلى أن ظهر له قرشٌ يرغب في التهام خصيتيْه.

 اللاذقيّة.

زياد حسّون

كاتب سوريّ يعيش في اللاذقيّة.