كتابُ الغوايات (مقاطع من مطوَّلة شعريَّة)
21-08-2016

               (1)
فتحتُ يدي للسنونو 
وعينيَّ للأزرقِ اللانهائيّ
(لا أقصدُ الأفق)
قلتُ: سيمضي النهار
وتذبل زنبقةٌ في الجدار 
فلا بدّ لي أن أغنّي
لأعبرَ هذا الربيع الخصوصيّ؛
لا بدّ لي أن أشبّ عن الطوق...
طوقِ الحمامة
كي لا أرى غيرَها في النساء،
وكي أتأمّلَ قلبي بشبهِ حياديّة
وهو يغرقُ في لُجّ أزرقِها
ويلوّحُ للأنبياء وبحّارةٍ غائبين...
وكي أتعهّدَ ما تركَت 
من نشيد الأناشيد في الدورةِ الدمويّة
أو ما وراء الكلام.

               (2)
كيف أنتَ؟
بلا أيِّ رؤيا... ولكنْ بقلبٍ صحيح
على قلَقٍ أقرأ البحتريّ أو النفّريّ
وآخرَ أشعارِ سافو
وقصّةَ قطرِ الندى 
ورسول حمزاتوف
وأشياءَ أخرى...
كيف عيناكِ أنتِ؟
هل ازداد برقُهما في غيابي؟
كأنّهما سمكٌ هائجٌ في البحيرة
من شدّة الحزن
أو قمرانِ تحجّر سرُّهما في الرخام
كيف قلبُكَ؟
ما زال يعدو كظبيٍ صغيرٍ وراء الذئاب
ولكنْ بخيرٍ
يسمّونهُ ما يشاؤون في كلّ يومْ
ولا يظلمونَ
المزاجيّ عَشّاقَ أنثى الحمامْ.

               (3)
صرخةُ الملحِ في دمِنا يا حبيبي 
تضيء الطريقَ الطويل 
إلى الذكرياتِ المضاءةِ بالفحمِ
والفيجنِ الذهبيّ...
أقول لأستاذِ علمِ الجمالْ
ما الذي سوف يبقى من الشِعرِ
أو عزلةِ القلب؟
لا شيءَ أو ربّما كلُّ شيء...
وشكرًا على آخرِ الأغنيات
هو الحبُّ يا صاحبي كالزكامِ الخفيفِ لروحِكَ
والشعرُ مثل الغرامْ
ما الذي سوف يبقى إذن يا صديقي...؟
هوى الروح
مَهرُ الغواية
تعويذةُ الأشهر القمريّةِ
ملحُ الحنينِ إلى الأمّهات
زنابقُ أعلى الجليل
ذبولُ سفرجلة الماء في طرف العينِ
سِفرُ النبيذ
لغاتُ الطيور
غيومُ البكاءِ
وما لا يُقالُ...
هو الحبُّ يا صاحبي كالزكامْ
صرخةُ الملحِ في دمنا يا حبيبي
وفي فمنا قُبلةٌ لا تنامْ.

               (4)
منحَتني التلالُ فداحةَ نسيانكِ العذب
أو نزوةَ اللغو
قلتُ: كأنّكِ أخرى لأنّ المجازَ 
يفخّخ لي نجمةً في البعيد
فقلتِ: كأنّكَ خلف المعاني سواك
لأنّ القصيدةَ منحازةٌ للرماديّ
منقادةٌ في الربيعِ السريعِ لما لا يُرى
هي مثلي تمامًا 
ترتّبُ فسحتَها الفوضويّة ،
أو كيدي حين تغفو على الخدِّ
أو تعتني بالفراشات حول ضفيرةِ شَعريَ
قلتُ: "كأنّي سوايَ" أحبّ قصائدَ شِعري
وأشهى الوصايا إليّ
لا لأنّ شفاهَ البنفسجِ تنمو على ضفّتَيها
كفطر الحروب
وليس لما شاع فيها من النارِ
بل لأصابعكِ العشرِ
بين السطورِ وخلفَ الظلالِ 
تضيءُ هواجسَ نفسي 
وتشعلُ ثلجَ الظلامْ.

 

فلسطين

نمر سعدي

شاعر من فلسطين. صدرَت له الدواوين الشعريّة التالية: عذابات وضَّاح آخر (2005) ــــ موسيقى مرئيّة (2008) ــــ كأنّي سواي (2009) ــــ يوتوبيا أنثى (2010) ــــ ماء معذَّب (2011) ــــ وقتٌ لأنسنةِ الذئب (2014) ــــ تشبكُ شَعرها بيمامةٍ عطشى (2014) ــــ وصايا العاشق (2014) ــــ تقاسيم على مقامِ الندم(2016).