مع الوقت سنهدأ
29-05-2016

 

جرحٌ بسيطٌ أسفلَ الركبة

 

وآخرُ في القلب:
لا شيء يستدعي هذا الترنّح،
بينما يرندح الصامتون
أغنيةً حزينةً عن الهجران وعن الحرب.
الصامتون اللاذعون، 
الغائرون في نُدبٍ قديمة، 
الصاخبون كأصواتِ استغاثة،
النائمون في الصوت وفي همهماتِ القتلى،
يخافون أطيافَهم في ظلال الكلام 
وأخاف من طيفيَ اللاهثَ في موكب أشباحهم.
لا شيء يستدعي هذا النصّ: 
جرحٌ بسيطٌ في قلبِ اللغة، 
ولعنةٌ عابرةٌ كصوت.

               ***

يطفئ الحبُّ الجمرةَ في العين،
يرسم بفحمِه الحالكِ الدوائرَ والوساوس .
رقِّصوا نعشَه عاليًا على قرع الطبول،
وامنحوا الشعراءَ محارمَ مطرّزةً بأوهامه!
أنا الرياحُ الشديدةُ تحبس أنفاسَها، 
لا إنس فيّ ...لا جنّ،
ولا أرض تحت أقدامي .
أرقّصُ كلماتي عاليًا 
وأمنح الهوّةَ أسمائي .

               ***

مجرّدُ أبوابٍ سحريّة لا تُفتح للأحبّةِ،

ولا تُغلق عليهم.
في خانة الغرباء ترسو المراكب
التي جذّفتْ طويلًا في الرضا.
مجرّدُ حمّى تتفشّى في الأجساد المعتمة.
حبالٌ سرّيّةٌ بين ما قلنا وما فعلنا.
مجرّدُ وقاحةٍ هذا الإسرافُ في الحبّ:
سيلٌ من الشتائم لا تترجَم إلى لغةٍ عالقةٍ في حلق الحروب،
في نشرات الأخبار،
وفي الصحفِ الساقطةِ سهوًا 
من أصابع المدنِ الجميلة.
من الشبح ونقيضه يُولد الشعرُ؛
من مراكبَ جذّفتْ طويلًا في حيرةِ مَن غادروا وما غادروا؛
ومن مجرّد أبوابٍ سرّيّةٍ بين ما قلنا وما فعلنا.

               ***
سنتوارث البيوتَ في قصص الجانّ،
تصير الغرفُ الموحشةُ أكثرَ أُلفةً،
تسقط عن أجسادنا أحزان،
من أعيننا أحِبّة.
سيخيب ظنُّ الشعرِ بما ادّعى طويلًا،
يصير الغناءُ شاحبًا،
والرقصُ وجهةَ نظر.
ستلتئم الجروحُ والخيباتُ والأمزجة.
مع الوقتِ سنهدأ!
لا فرق بين ما كتبنا وما عشنا... 
سوى ما تدلّى من أعلى الصراخ إلى صمتنا،
حين كانت حبالُنا الصوتيّةُ مشانقَ،
ونزيفُنا الحادُّ محبرة.

               ***

المنسيّون،
نزلاءُ الضجرِ والخوفِ 
والغناءِ المحمومِ في حناجرِنا الخرساء؛
المنسيّون كأسرارٍ، كمناماتٍ،
كرسائلَ في أقبية السفن الغارقة؛
المنسيّون ــــ ولا ننسى ــــ
لأنّ الحبّ،

هذا الرمدَ المرميَّ في أعيننا،
لا ينسى.

               ***
لولا التأويل
لادّخْرنا مخالبَنا لمعاركَ أكثرَ شراسةً.
لكنّنا نورقُ بالتخيّل؛
نعرِّشُ على الجمر كالحُجّاج؛
نسّاكُ المعرفةِ المبكّرة، 
والحزنِ المتأخّرِ حتّى مطلع اليأس.
لم أعدْ أكتبُ عن الحبّ: 
فالرجلُ الذي ذهبتُ قبله إلى حربه
مات في حضنِ امرأةٍ أخرى،
مات في بريدِها الآمن،
مات مكرَّرًا كما لا يليق بالشعر ولا بالتأويل.
متواطئًا مع الصعاليك والبرابرة والمنبوذين،
رأسي!
رأسي، الذي ادّخرتُه لحبٍّ أكثرَ شراسةً،
يفتتح كلّ مساءٍ عزلتَه
بأغنيةٍ خفيفةٍ

وليلٍ ثقيل.

               ***

بيَدٍ أكتب،

بيدٍ أصوّبُ نحو الرأسِ رصاصة.
حين يدنو الغناءُ من النافذة
يصير الرقصُ حمَمًا في الأرض،
وعويلًا في قدميْن منتحرتين؛
حين تصنع هذه الطائراتُ الورقيّةُ سماءها،
حين أُفلت الخيط، 
كي لا أعود.

لبنان

فيوليت أبو الجلد

 شاعرة لبنانيّة. صدر لها : بنفسج أخير- صيّاد النوم- أوان النصّ... أوان الجسد- أرافق المجانين إلى عقولهم