وجهي الذي لا يَعرفني (قصص سريعة)
17-07-2017

 

 

إذا جاء
طُردوا من الأرض بموجبِ وعد. جاسوا خلال الديار بفضلِ عهد. يتناحرون ليصبحوا ألفَ بلدٍ وبلد. يتناصرون ليَسعد ولدُ الولد. ويستقبل الفريقان قبلةَ الصمد.

 

الأكداس

طأطأ رأسَه في ذلٍّ وقال: "من فضلك سيّدي، قليل من الفول المدمّس... ولو مع قليل من الكمّون." تأمّل البائعُ رقعَ ثياب الصبيّ، وقال: "آه... وَلَوْ... إنْ لم تختفِ من أمامي حالًا فسأذيقنّكَ لطمًا وركلًا مع كثير من الكمّون."

تراجع الطفلُ مذعورًا. فانتبهَ إلى قدوم رجلٍ حانقٍ بصحبة عَونَيْ أمنٍ يَسْخران. قبض أحدُهما على بائع الفول، وصرخ في وجهه قائلًا: "أتبيع فولًا فاسدًا يا عديمَ المروءة يا غشّاش؟!"

اقترب الصبيّ حينئذٍ منهما متردّدًا. قال للعوْنِ الثاني متلعثمًا: "سيّدي... أنا... جوعان." حدجه الشرطيُّ ببصره، وكدّسه بجانب كومة القشور. ثمّ تعاون العونان على جرّ عربة الفول وصاحبها الباكي، يتبعهما الشاكي.

 

الكرامة
اشتدّ الزمهريرُ في صبيحة ذلك اليوم. توافدتْ حشودُ المتظاهرين على الشارع. باع الصبيُّ الأعلامَ. واحتفظ ببعضها ليُحرقها خفيةً، ابتغاءَ التدفئة.

 

الحلمُ الإيطاليّ
تعرّفَ منذ سنة إلى سيّدةٍ إيطاليّة من خلال موقع تعارفٍ إلكترونيّ. دعتْه إلى زيارتها. فقبل. وسافر. وأضحى الآن قِطَعَ غيارٍ بشريّةً في أجسادٍ لا يعرفها.

 

أصداء
دعت عليه بالعمى. فأصبح ضريرًا، وأمسَت خرساء.

 

أجراس
كان مولعًا بصيد الذباب. يترصّده. ويصفعه بيديه كلتيهما. دهستْه شاحنةٌ مساءً. وكساهُ الطنينُ.

 

عربيّة
تنازعوا بادئ الأمر من أجل فنجان قهوة. تشاتموا. تقاتلوا. ولمّا أجهدهم الأذى انتبهوا إلى أنّ التراب تجرّع القهوةَ. وبقيت في الفنجان الساقط قطرةٌ، ترشّفها أحدُهم بنهمٍ وسرعة، وبصقها فورًا متقزّزًا لأنّها مُرّة.

 

مولانا
أراد السلطانُ المرورَ بين أمواج الرقاب المشرئبّة. ضرب بعصاه الجمعَ، فانفلق. أبصر وجهًا قبيحًا ضاحكًا أفزعه. تفلَ فيه. فتصارعتْ بقيّةُ الوجوه تَنْشدُ بصقةً.

تونس

 

عثمان بالنائلة

كاتب تونسيّ. تحصّل على شهادة دار المعلمين العليا في تونس في اللغة والآداب العربيّة. فاز بجوائز أدبيّة عديدة. صدرتْ له مجموعتان من القصص القصيرة جدًّا، هما: حدِّثْ ولا حرج (2015) ومتاهة (2017).