قصة قصيرة

  كان القصر مستترًا، ولكنّكَ تستطيع إيجادَه بسهولةٍ إنْ كنتَ تملك جناحيْن متينيْن. تُحلّق حتى تقفَ تمامًا أسفلَ نجمِ سُهيل. تستدير نصفَ استدارةٍ ناحيةَ الشّرق. ترفع رأسَكَ قليلًا، وستجده حتمًا: قصرٌ مَهيبٌ يطفو فوق غيمةٍ قطنيّة، تتدلّى من أطرافها...
  في قاعة الاحتفالات الكبيرة، اكتظّت الأحذيةُ الفاخرة، كما الشعبيّة الرخيصة الثمن، لترى أيّ حذاءٍ سيقف على المسرح، فائزًا بلقب "أجمل حذاء" لهذا العام. كانت المنافسة صعبةً في الأعوام الفائتة، لأنّ قوانين المسابقة صارمةٌ جدًّا. وكم سيحظى الحذاءُ...
  لم يكن سيرُ الأحداث منطقيًّا أبدًا. كيف يُمكِنني حملُ جدّتي لأمّي على ظهري، وقد ابتلّت ملابسُها من أثر سلسِ البول الذي تعانيه منذ أن أُجريتْ لها تلك العمليّةُ الجراحيّة؟  كانت تتوجّع كثيرًا، وهي تُنصِت باهتمامٍ إلى نصائح الطبيب يخبرها بضرورة...
  لم يعد الحمّامُ مكانًا صالحًا للاختباء،؛ فصواريخُ هذه الحرب لا تشبه أخواتِها في "عناقيد الغضب." لكنّ أمّي لا تستطيع إدراكَ هذا الأمر. "لماذا الحمّام يا أمّي؟" أسالُها دومًا فلا تجيب. أشدُّها من ثوبها كي تنتبهَ إليّ، فتكتفي باحتضان رأسي، ويبقى...
  "يا مُدمنَ السَّرَحانِ في المقهى، متى ستدركُ أنَّه مقهى؟" لا يتذكَّر أين سمع أو قرأ هذه الكلمات، ولكنَّه لا يجد أصدقَ منها تعبيرًا عن حالته. وحيدٌ هو في مقهًى لم يعتدْ أن يكون فيه وحيدًا. في هذا المقهى، الذي يحمل اسمَ نوستالجيا، واعَدَ جيهان...
  كان الليل مطرَّزًا بالقليل من النجوم المتلألئة، وهدوءٌ قلقٌ يسود مزرعةَ الحيوانات، وعقاربُ الساعة تجري بثقلها إلى منتصف ليلٍ فاحم. لكنّ أحدًا لم ينم بعدُ، بعد أن سرت شائعةُ التنّين الذي سيتسلّل إلى الحقل كي يسرق الأحلامَ السعيدة. بحلقت الخرافُ...
  "سوف ينفجر المختبر!" تمتمتُ بشفتيْن مرتجفتيْن وأنا أنحني تحت طاولة الحديد تحسّبًا من الشَّظايا التي أترقّب تطايرَها في أيّ لحظة. عمّ الدّخانُ المكانَ، فوضعتُ القناعَ بسرعةٍ على وجهي. اهتزّت الآلةُ كأنّها جنّيّ. سيخرّ السقفُ على رأسي. "كانت محاولةً...
    يحاصرُني صوتُ أغنية "يا جَبَل البعيد" من ترانزستور أبي، آتيًا من يومٍ لم تكن فيه الهواتفُ قد احتلّت بـ"ذكائها" كلَّشيءٍ بعد. هل كانت أدواتُ ذلك العصر غبيَّةً حتى خسِرت السباقَ مبكّرًا؟ اليوم، يكفي أن يَبْهر المغنّي الآلةَ بوسامتِه كي تغنّي عوضًا...
  حين وصل أبو ذرّ الغفاريّ إلى وسط المدينة توقّف، وشرع يتفحّص البنايات الشامخة المنتصبة بانتظام على جانبيْ طريق أسفلتيّ معبَّد، يكاد سوادُه يلمع في عين الشمس. الإشاراتُ الضوئيّة تنظِّم السيرَ بدقّةٍ متناهية. رجالُ الشرطة يتوزّعون قربها. بعضُ...
  لمحها السائقُ تصعد كغيرِها من الرُّكّاب. جلستْ في مقعدٍ خلفيّ وتركتْ نظّارتَها الشمسيّة فوق عينيْها. راح يجمع التَّذاكر، معاونًا المحُصِّل. كان نهارًا مثلجًا، ومزاجُه لا يسمح له بتحمّل صراخ طفلَي السيّدة التي صعدتْ لتوّها وأجلستْ طفليْها وكرشَها...
    عزيزي سعيد، هل سأبدو سخيفًا لو سألتُكَ: كيف حالُك؟ وكيف حالُ الناس تحت الحصار؟ لا بأس. أعرف جوابَكَ المُعتاد: "داحلة!" أكتبُ مُجدّدًا، بعد أن فرّقَنا الشتاتُ مجدّدًا، وشرّدتنا الهزائمُ مجدّدًا. وهل أقول: وشرّدَنا الحبُّ أيضًا؟ لا يهمّ. الآن،...
  نقلها عن الإسبانية وقدّمها: وضّاح محمود  في السنوات الأخيرة المنصرمة، كُتب العديدُ من المقالات في الصحافتيْن العربيّة والأجنبيّة عن رواية موعدنا في شهر آب، وهي الرواية الأخيرة التي كتبها غابرييل غارسيا ماركيز من دون أن ينهيَها؛ ففي العام 2014...
    1 - في مكتب البريد الطابور في مكتب البريد اليوم أقلُّ طولًا ممّا كان عليه بالأمس. ولو عثرتُ أمس على طابورٍ منتظمٍ، لما غادرتُ كي أعودَ اليوم. رقمي هو 34. أسألُ الرجلَ المتجهّمَ، الواقفَ أمامي مباشرةً، عن الرقم الذي وَصَلَ إليه الدورُ. تتّسع...
  عشرةُ أشياء أَحبَّها أبي: لعب الطاولة (أو الدومينو). المقهى الواقع بجوار المدرسة الابتدائيّة القديمة. النادي الأهليّ. المستشفى الحكوميّ الوحيد في القرية. البطّيخ (وقد تاجَرَ فيه أحيانًا). المصارعة الحرّة (لم تتوّفّر لديّ معلوماتٌ كافيةٌ عن أبطاله...
  دخلتُ بيتَها مرّةً واحدةً، وذلك حين أرسلتْني جدّتي بصحن طعامٍ إليها. لم يكن ثمّة بابٌ. كانت تنام حينها. استرقتُ النّظرَ إليها: شعرُها أبيضُ مبعثر، تحت إشاربٍ قطنيٍّ قصيرٍ استحال بياضُه صفرةً. فستانُها مزركشٌ بورودٍ صغيرةٍ ملوّنة، بدت مؤخّرتُها...