قصة قصيرة

  "لعن اللهُ الذّاكرةَ الصوَريّة ومَن أدخلها إلى هذه القرية! لا تتذكّروني بالصور، ولا تعلّقوا صورتي على الحائطِ بعد وفاتي." كانت هذه وصيّتَه الأخيرةَ الّتي أسلم بعدَها الرّوحَ. لم يتركْ خلفَه سوى صورةٍ واحدةٍ يبتسم فيها بمشقّة، مواجِهًا الاختراعَ...
    لم أتجرّأْ على النظر من النافذة منذ سكنتُ غرفةَ ملجأ "بودل" في الجنوب الهولنديّ. تُطلّ الغرفةُ على أشجارِ غابةٍ مهجورة. أحاولُ أن أخلقَ جسرَ مودّةٍ بيننا. لكنْ كلّما اقتربتُ من النافذة وجدتُ عنكبوتًا ضخمةً، أو حشرةً ملتصقةً بزجاجها، مثل التي...
  كنّا استثناءً في وطنٍ يَحترف التناحُر. مهرجانَ زهورٍ أينعتْ وسط وديانِ الدّمِ المسفوكِ من المحيط إلى الخليج. كنّا سيفَ عليّ، وبشارةَ مريم، وقد التقيا في ساحةٍ صدحتْ فيها فيروزُ ذاتَ ليلةِ خريفٍ في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين. القاعة تغصُّ...
  - الشمس تلاحقني. لا أدري لماذا، لكنّ ذلك يعجبُني. - وأنا القمر يتبعُني، وأحبُّ ذلك. لِمَ لا تكونين شمسًا، وأكون قمرًا؟ وبذلك تُحلُّ مشكلةُ اسمك. - لكنّ اسم "قمر" يعجبُني أكثر. - لا يمكنني إعطاؤكِ الاسمَ من تلقاءِ نفسي. دعيني أسأل القمر إنْ كان...
  - يَمّه، هاتيلي شمعة. تُحْضر الأمُّ شمعةً جديدةً تُلْصقها فوق الشمع الذائب المتبقّي من الشمعة السابقة. يتابعُ يحيى واجبَه المدرسيّ. - "الله لا يوفّقهم. عيّشونا عَ الشمِع. وعِندْهم الكهربا زيّ ضوّ النهار!" تقول الأمّ، وهي تجلس جانبًا. يتركُ يحيى...
  يَفتل أخي الأكبرُ شاربَه وهو يقترح بصوتٍ عالٍ: "فليكُن ثوبًا لخطيبتي ترتديه يومَ عرسِنا." أنظرُ إليه وهو يملأ بذلتَه العسكريّةَ بمنكبيْه العريضيْن وجثّتِه الضخمة التي أغبطُه عليها. أحاولُ تقليدَ نبرتِه الواثقة فأقول: "لا يا جدّتي. فليكن قميصًا لي...
  يمضي البرّيُّ وهو يضرب الأرضَ بقدميْه في فيافٍ أفلتتْ من عقال الطبيعة نفسِها. ضبابٌ تكثّف أمامه، فبدا أشبهَ ببخورٍ يحترق. تماوجتْ في الجبل خيوطٌ بِيضٌ، وتداخلتْ مع ضوءٍ خافتٍ من شمسٍ غاربة. سيقضي ليلتَه في الفيافي - ملكوتِه الذي يهيم به - حتى...
  أسيرُ على الحافَّةِ فاتحًا ذراعيَّ كراقصٍ مستمتعٍ بتوازنه. عينايَ مغمضتان. أنا الآن سمكةٌ ترقصُ مع مجموعتِها في المحيط، وتَسْعد بدفءِ الرِّفقة. إخوتي يصرخون: "إنزلْ، سوف تقع!" ترتفعُ أيديهم كأنّها تريدُ جذبي من البعيد. عيونُهم خزّانات رعبٍ طافت...
  يقف سعيد، الموظَّفُ الأربعينيّ، أمام مرآةِ غرفته بعد أن أوقفَ تشغيلَ الأغاني التي اعتادَ الاستماعَ إليها. لقد اتّخذَ قرارَه وانتهى الأمر. وكيف له أن ينسى المقالَ الذي قرأه صباحًا في الجريدة؟ "ودِّعِ الحزنَ إلى الأبد!" أعاد ترديدَ العنوان بنشوةِ...
  "إلهي، ليس الآن، ولا بهذه الطّريقة!" همست السيّدةُ المعلّقةُ بجذع الشّجرة. لم تسأل نفسَها إلى أين قد يقودها بحثُها عنه ومجيئُها إليه. أين أنتَ يا أسعد؟ لمَ تركتني وحيدةً كلَّ تلك السّنوات؟ كيف لم تعرفْ طريقَ العودة إلى البيت يا حبيبي؟ أين أخذوك؟...
تجد نفسَكَ متورِّطًا في علاقةٍ أبديّةٍ مع وطنٍ جريح. والسؤالُ يُلحّ عليك: أيكون الحبُّ بلا ألم؟ أثمّة طريقةٌ كي نحبَّ من دون سخطٍ على الحبيب؟ قد تتغيّر ملامحُ العلاقة مع الحبيب، فتنتقلُ من ألم الحبّ إلى غضبٍ يحرِّض على الابتعاد عن هذا الحبيب. أمّا...
    "الحقيقة عند الرجل ليست نفسَها عند المرأة. فالحقيقة عندها تندرج في سياق الأحداث والوقائع، وما يصحّ اليوم قد لا يصحّ غدًا." كنتُ واثقةً بأنّ ما قلتُه لن يمرّ من دون تعليقٍ أو تندُّر. لذلك لم أستغربْ حين وصف أحدُ الطلّاب المرأةَ بـ"المجنونة."...
  "في يَفاعتي (ولا أريد أن أصدّقَ أنني كبرتُ إلى الحدّ الذي أتحدّثُ فيه عن اليَفاعة كأنّها مرحلةٌ انقضتْ)، وفي المباريات الحسّاسة لفريقي المفضّل في كرة القدم، لم أكن أذهب إلى الملعب كي أشاهدَ المباراة! على العكس، كان مكاني المفضَّل هو ذاك الذي تحتشد...
  أزقّةُ المخيّم معتمة، لكنّها منذ زمنٍ لم تعد تخشى العتمة. دخلتْ تلبس عباءتَها السوداء. عيناها نحو الأرض. رجلاها ثقيلتان. أنفاسُها متقطّعة. لم تُرِدْ أن تراها نساءُ الحيّ. عرفتْ أنّ له بسطةَ خُضَرٍ في السّوق، وها هي تقترب من المكان الذي يُفترَض أن...
  لم تكن تختلف كثيرًا عن الحشد الفنّيّ والأدبيّ المكتظّ بالمجاملات و"البريستيج." ولطالما صادقتْ أهلَ الأدب والكتابة، واستعملتْ سلاحَ أنوثتها كي تصلَ إلى مبتغاها، علّها تنجح في اصطياد تاج الشُّهرة فتضعه على رأسها وتتباهى به أمام صديقاتها. وفي حفل...