أوبرا لم تقرضني المالَ لكنّني أضحكتُ أصدقائي
24-12-2015

 

عزيزتي أوبرا وينفري: "يجب ألّا نكتفي بالنجاة، بل علينا أن نسعى إلى حياةٍ أفضل." أنا رامي من سورية، مواليد 1978، موظّف، وراتبي الشهريّ حتّى هذه اللحظة خمسون دولارًا تقريبًا. لديّ مقهى ثقافيّ اسمُه "قصيدة نثر" يهتمّ بالشعر، وتُقام فيه شتّى النشاطات الثقافيّة، وفيه مكتبة للمطالعة. وكلّ ذلك بالطبع مجّانيّ، باستثناء بعض المشروبات التي تُقدّم لروّاد المقهى مقابل مبلغ ماديّ يكفي ــــــــــ بصعوبة ـــــــــ لتسديد المصاريف. ولا أُخفيكِ أنّني اقترضتُ مالًا من الأصدقاء لأُبقي المقهى مفتوحًا.

الآن، الوضع الماليّ لي وللمقهى غاية في السوء، وحلّ أوان ردّ المال الذي اقترضتُه إلى أصحابه، وأنا أدعم المقهى كي يستمرَّ من الخمسين دولارًا نفسها. أتذكّرُ ما كتبه رفائيل ألبرتي: "أنتَ في وحدتك بلد مزدحم،" وأنا حقًّا أحسّ أنّني بلدٌ شديد الازدحام! فكّرتُ في إرسال طلب إلى "بنك النقد الدوليّ" لإقراضي المالَ، لكنّني عدلتُ لأنّ البنوك لا تملك قلبًا بحجم حبّة البرتقال كي تتعاطف معي. وفي ظلّ الازدحام تذكّرتُكِ، أنتِ آخرُ طيّارة ورقٍ ملوّنة قد تساعدني. أنا في حاجة إلى أن تقرضيني مبلغًا من المال، قدرُه عشرون ألفًا وستمائة دولار أمريكيّ فقط لا غير، وسأعيدُه إليكِ بعد ثلاث سنوات. ما رأيكِ؟

وكي لا أغشّك، فأنا لا أملك أيّةَ ضماناتٍ أقدّمها لكِ. عندي فستانٌ بسيطٌ وجميلٌ لأمّي العجوز، اشترته منذ عشرات السنين ولم ترتدِه، وقد أوصتني بأن أُلبسها إيّاه حين تموت. لذا آسف كثيرًا أنني لا أستطيع أن أقدّمَه ضمانًا مقابل المال. وفي الحقيقة أنّني لا أملك ضماناتٍ سوى كلمتي. "ومن يملك الكلمةَ يملك روما."

عزيزتي أوبرا

أظنّ أنّ السرّ في هذه الحياة يكمن في الوقت. وفي بلادي لا أملك الوقت الكافي. الحظّ الجيّد والمصادفات هي التي جعلتني حتّى هذه اللحظة على قيد الحياة لأكتب إليك. ومنذ أن قرّرتُ ذلك وأنا أنسجُ الأحلام، حتى إنّني قلت لأحد أصدقائي: "كم تريد من المال لأقرضك؟" فضحك وقدّم لي سيجارةً لأنه يعلم أنّي لا أكاد أملك ثمن سجائري.

عزيزتي

أعرف أنّ الوقت ليس سيّارتَنا الخاصّة التي تنتظرنا تحت الأمطار والثلج. الوقت لا ينتظر أحدًا كما يفعل باصُ البلديّة، لكنّ الوقت لا يستطيع منعي من أن أحلم. يحقّ للفقراء أن يحلموا أيضًا.

أرجو منكِ الردَّ على رسالتي ولو لم تكن لديكِ الرغبة في إقراضي المال. وبغضّ النظر عن ردّك، فإنّني أودّ أن أشكركِ لأنّكِ وهبتِني حلمًا جميلًا. وشكرًا لأنّكِ كنتِ السبب في كتابة هذه الرسالة التي حين أقرأها لأصدقائي سيضحكون كثيرًا؛ فكما تعلمين لا يمكن شراءُ الضحك بالمال.

أوبرا... يا أوبرا، أنا بائعة الكبريت في ليلة باردة. وكلّ كلمة كتبتها لك هي بمثابة عود كبريت مشتعل. غير أنّي أحبّ الحياة ولن أموت.

مودتي لك.

رامي من سورية ــــ اللاذقية. عنواني معروف من قبل مختار قريتي. موبايل: ... البريد الإلكترونيّ: …

***

أرسلتُ الرسالة باللغة الإنكليزيّة إلى أحد مواقع أوبرا الإلكترونيّة. وجاء الردّ في اليوم التالي:

Dear Rami

Thank you so much for writing us and sharing your story. Unfortunately, we receive so many requests that we cannot even begin to help all of those in need. Please accept our sincere regrets. While we are sorry we cannot offer you personal assistance, we hope that you will continue to find comfort in O, and we wish you the best of luck in the future.

Sincerely                                                                   

The Editors

 ولأنّني لا أعرف أكثر من خمسين كلمة باللغة الإنكليزيّة، فلم أفهم من الرسالة سوى هذه الكلمات: Thank you so much Dear Rami

وبناءً على هذه الجملة، أكملتُ ترجمة الردّ بطريقتي، فأصبح:

"عزيزي رامي، شكرًا جزيلًا لأنّك منحتَني فرصةً لأستضيفك في برنامجي، وستكون استضافتك بمثابة الحلقة الأجمل والأخيرة. كنتُ سأتّصلُ بك هاتفيًّا، لكنّني الآن في مكان لاتوجد فيه تغطية للموبايل."

أذكر لحظتها أنّي رفضتُ الذهاب إلى برنامج أوبرا، وطلبتُ منها أن ترسل إليّ النقود، واشتريتُ أشياء كثيرة لي ولأصدقائي. وأذكر أنّني أضعتُ قسمًا من المال، واشتريتُ لأمّي شوكولاتة من النوع الفاخر، وسيّارةً تتعطّل كثيرًا. واشتريتُ لكِ فستانًا. وأذكر أنّني بعد عشرة أيام اقترضتُ مالًا من أحد الأصدقاء؛ فالمال وُجد لننفقَه على أشياء غير مهمّة أحيانًا.

***

بعد ساعات، أرسلتُ الرسالة إلى صديقتي كي تترجمها، وضحكنا كثيرًا. وكلّما قرأتها لأحد الأصدقاء ، ضحك.

أوبرا لم تقرضني المال، وأنا مازلت أبحث عن حلول لأزمتي الماليّة يمكنها أن تجعل أصدقائي يضحكون.

اللاذقيّة

 

 

رامي غدير

كاتب سوريّ من موااليد 1978. نشر نصوصًا في صحفٍ ومواقع عديدة.