نصّ
كانت المدينةُ المقدّسة تَفتح أبوابَها ودروبَها للناس من الجهات الأربع. ومع الفجر، يأتي العمّالُ البَدْوُ أوّلًا. ثم ترى، من بعيدٍ، طالباتِ مدرسة الراهبات، وهنّ يرتدين زيَّهنّ المدرسيَّ المزركش، يُشْبهن سربَ حجلٍ يكرج على مهل.
بعد قليل، يَحضر بائعُ...
1 - رائحةُ العالَم
أيّها الناسُ الطيّبون، أرجوكم، أغلِقوا النوافذ!
أطفِئوا الشموعَ والمصابيح، وأخرِسوا عويلَ الموسيقى!
أنتم جميعًا: الكهنةُ، والمبشِّرون، والشعراءُ - قَوّالو الأعراس ونَوّاحو المآتم،
أغلِقوها جيّدًا - النوافذ!
العالَمُ يحتضر
وأنا...
"الانتباهُ إلى الحياة: تلكَ هي كلُّ وظيفةِ الشعراء"
1
ما بين لحظةِ انطلاقِهم مِن المعسكر، وساعةِ بُلوغِهم ميدانَ الحرب،
الجنودُ، على ظُهورِ ناقلاتِهم المثقلةِ بالذخائرِِ والأحلام،
وفيما هم يُغَـنّونَ كذاهبينَ إلى عُرس،
يُبَرِّدون رؤوسَهم...
"رحمك فاقد"
تدور هذه العبارةُ في رأسي، كما تدور العصافيرُ على أعشاشها في المساء، مذ فسّرتْ إحدى قريباتي حالةَ الأرق التي اعترتْني منذ أنجبتُكَ.
قد تبدو العبارةُ شاعريّةً وصادمةً في آن معًا. فالرحم لم تُرِدْ أن تكون، في هذه العبارة، أكثرَ من عشٍّ...
- خديني إلعبْ على التلج.
- ياهدى، بإمكاننا أن نتنزّه في بيروت أو جبيل. أستطيع أن آخذكِ إلى أماكن جميلة أخرى؛ فالثلج قد ذاب.
تردّ هدى:
- سو بيلوت؟ أنا تِل يوم ببيلوت. بدّيس" (أيْ: شو بيروت! أنا كلّ يوم ببيروت. بدّيش).
هدى من عُمر أمّي. تلثغ بأكثر...
في ذاك المقهى اللطيف، على غير موعد، سمعتُهما يتحاوران. بما يشبه الاستراقَ، أصغيتُ باهتمام. وعلى غير المعتاد، حفظتُ معظمَ ما قالاه.
***
- قبل بضع سنين، على الملأ، خالفَني الرأيَ أحدُ الزملاء في تحديد المعنى الدقيق لأحد المصطلحات الأدبيّة. فقد...
نشرتْ مجلّة الزهور مسرحيّة جريح بيروت، مع تقديم. تعيد الآداب نشرهما بمثابة ملحقٍ لنصّ الكاتبة أثيرة محمد علي، "جريح بيروت: من القاهرة إلى دمشق: كولاج من حكي الجرايد وتداعيات السياق السياسيّ والثقافيّ."
***
هي أبياتٌ تمثِّل حالةَ جريحٍ من جرحى...
ـــ صباح الخير يا برلين.
ـــ هُنا زونين إليه!
ـــ مساء الخير يا شارع العرب.
ـــ وهُنا برلين أيضًا.
أهلًا وسهلًا بكم في زونين إليه، شارعِنا الجديد، شارعِ العرب، شارعِ الشمس. هذا الثُعبان الطويل يمتدُّ على الأرض الصلبة، وعلى هذا الإسفلت الأسود، من...
عندما وصلتُ إلى باريس التحقتُ بالجامعة. في الأسابيع الأولى بحثتُ عن سكن. لم أكن أعرف أحدًا. ولأنّ الشدّة تُقرّب الفقراءَ والمساكين، فإنّي لم أتركْ بابًا إلّا طرقتُه. لكنْ، عندما يلتصق بك النحسُ فلا مفرّ منه إلّا بالاقتراب من المنحوسين مثلك.
ذاتَ...
علا صوتُ الأذان، فغطّى على كلّ الأصوات المرتفعة في سوق الأشلة، ظُهرَ ذلك اليوم الغريب، ودفعني إلى أن أستيقظ من شرودي دقائقَ طويلةً، محدِّقًا في جماعةٍ من البطّ والأرانب داخل أقفاصٍ نتنة.
لم يكن ممكنًا أن يتخلّص المارّون من رائحة فضلات الدجاج إلّا...
لا أعلم إذا كانت الشاعرة ميريت مالويْ تقصدني حين قالت إنّ "الكتابة إلى مَن نُحبّ هي فعلُ التقاطِ الشعور مِن دون قتله." لكنّ شعوري حيالَكَ أقسى من ذلك كلّه؛ فكلّما كتبتُ إليكَ، مُتُّ انتظارًا، وتكدَّسَ على ملامح وجهي غبارُ الوقت.
ولماذا أكتبُ إليكَ...
كلُّ ما كنتُ أسعى إليه هو تأمينُ بدايةٍ مثاليّةٍ لكِ.
أعلمُ أنْ لا شيء مثاليًّا في هذا العالم، ولكنّني كنتُ أظنّ أنّ ما يبدأ مثاليًّا سوف يبقى أقربَ إلى الكمال من غيره.
لكنّني أعلنُ الآن عجزي عن ذلك، يا ابنتي.
نعم، هُزمتُ في أولى معاركي من...
كانت العجوز تُراقب ما يَحدث حولها في صمت. تصعد إلى الهضبة مرتديةً مظلّةَ السعف، متلحفةً رداءً رقيقًا، راميةً بصرَها في الأرجاء، مقوِّمةً الأضرار.
تتذكّر المرّات التي نزل فيها الغيث: مرّتين أو ثلاثًا. التُربة تشقّقتْ، ومالت إلى الصفرة. القمح...
يحدث أن نُفرغ ذاكرتَنا ونحن نكتبها على البياض بحبرٍ أسود. كنتُ أرى الأحرفَ كيف تتلوّى. ليس الوقتُ بطيئًا كما كنّا نعتقد، ولا النجومُ في متناول أيدينا المتعانقة، ولا الأملُ أفضلَ الأشياء كما تغنّيْنا ذات يوم، ولا الخَلاصُ قابَ خيبتيْن أو أدنى.
بعد...
الأصدقاء الثلاثة مجتمعون تحت شمسيّة كبيرة، على شاطئٍ غربَ الجزائر العاصمة. الساعة تشير إلى الثانية زوالًا. الشمس دائرةٌ ملتهبةٌ في السماء. قرّر الأصدقاء أن يستريحوا قليلًا، وأن يتناولوا الغداءَ بعد الغطس. ينشغلون في أكل بيتزا بالخضار، وأمام كلٍّ...