1 - رائحةُ العالَم
أيّها الناسُ الطيّبون، أرجوكم، أغلِقوا النوافذ!
أطفِئوا الشموعَ والمصابيح، وأخرِسوا عويلَ الموسيقى!
أنتم جميعًا: الكهنةُ، والمبشِّرون، والشعراءُ - قَوّالو الأعراس ونَوّاحو المآتم،
أغلِقوها جيّدًا - النوافذ!
العالَمُ يحتضر
وأنا لا أحتمل أن تكون آخِرَ ما أَشمُّهُ في حياتي:
رائحةُ جِيفَتِه.
15/5/2018
2 - رصاصةُ رحمةْ
بينَ شَقيقَين (شَقيقَيَّ..)
أقفُ كالشاهِدِ الغريب
وأنتظِرُ، بينَ النبضةِ والنبضة، إطلاقةَ الموتِ الأولى (إطلاقةَ الموتِ الأخيرة).
بين النبضةِ والنبضة، يَنشطرُ قلبي.
..
أنتم الذين تقفونَ هناك، على ضِفّةِ المتفرّجين،
أنتم الذين تعرفون، مثلما أعرف، أنّهُ لا بدّ مِن رصاصةٍ أُولى: أفْتُوني!
مِن أيّ جهةٍ في هذا القلب
يتوجّبُ عليّ أنْ أتمنّى
انطلاقَ رصاصةِ الرحمةِ الأولى؟
7/7/2018
3 - عَويلُ الدم
لا شيءَ غير عاديّ. وكلُّ شيءٍ يسيرُ على منوالِ نفسِه.
الدمُ يسيلُ على الصخور؛ في الساحاتِ والزواريبِ وعلى الأَسطحة.
الدمُ يصبُّ في البلاليع.
يسيلُ مِن أقلامِ الشعراءِ والمؤرِّخين، وأفواهِ خطباءِ المعابد.
الدمُ يملأُ الكتبَ والحاوياتِ وخزائنَ البنوك.
لكنْ، عمّا قريب، ستأتي الأمطارُ وتَمسحُ كلّ شيء، تمامًا مثلما تُمسحُ هفوةُ صبيّ.
ستَمسحُ الدماءَ وأسبابَها وأسماءَ سافِكيها، وعويلَ شهودِها وضحاياها.
ويعودُ العالَمُ إلى سابقِ عهدِه، عهدِهِ النظيفِ الـمُبَرَّأِ مِن الدمِ وأسبابِ الدم،
ويبدو، ريثما يستعيدُ عافيتَهُ وسُعارَه، كما لو أنهُ غارقٌ في السلامِ والمسرّة.
عمّا قريب، ثمَّ...:
ثمّ يُنسى كلُّ ما فات، ويرتفعُ العويلُ مرّةً أخرى.
- عمّا قريب؟
- عمّا "الآنَ"، ودائمًا.
11/7/2018
4 - عِنادُ التُّيوس
لِيَكثُرْ علينا اللّيلُ ما شاءَ أنْ يَكثُر! ولتَضِقْ علينا الحياةُ ما طابَ لها أنْ تضيق!
نحنُ شعبٌ صابرٌ وحكيم.
إنْ كنتم قادرين على رؤيتنا، فها نحن هنا حيث تركتمونا:
واقفون على رؤوسِ تِلالِ هذا الكوكبِ العزيز
نَشعلُ نيرانَ استِغاثاتِنا، ونرفعُ أسمالَ بيارقِنا:
حمراءَ، صفراءَ، زرقاءَ،
خفّاقةً، ومُعتَزَّةً بما أَلَمَّ بها مِنَ الدماءِ والسُّخامِ ودموعِ المظالِم.
أبدًا! نحنُ لا نخافُ، ولا نَسأمُ، ولا يُدرِكنا اليأس.
سنظلُّ حيثُ نحن: صابرين، حالِمين، ومؤمنين بحتميّةِ النجاة.
ها هنا، حيثُ نحن (كأننا أسيادُ "نحنُ"، وأربابُ "نحنُ").
ها هنا، مِن الآن وإلى ما بعد الأبد:
نُمَشِّطُ الآفاقَ والبحارَ بأَعيُنِنا ومناظيرِ أحلامِنا
وننتظِرُ، بصبرِ الديدانِ وعِنادِ التُّيوس، وصولَ بواخرِ المنقذين وسُعاةِ المحفلِ السماويّ
مُحَمَّلةً بأَجملِ الخيامِ، وأَحَنِّ الأغطية، وأفخمِ الأكفانِ والتوابيت، وأكياسِ طحينِ الصدقات،
وقَواريرِ القرابين الطازجة
مُترعةً بـِحُبَيباتِ الأوكسجين الحيّ
ورحيقِ أزهارِ الفردوس
وثاني أُوكسيدِ الأمل.
25/12/2018
* من كتاب: قِطعة ليل (مخطوط).