إِليَّ بالدمعةِ أيّتها الحياةْ! إليَّ بالدمعةْ!
إلينا جميعًا بها:
الدمعةِ الرحيمةِ، الـمُواسيةِ، الـمُنجِّـيةِ، التي
لولاها لانـفجرَ العقلُ وطقَّ القلبْ.
إلينا بها، الدمعة!
إلينا بمائِها، وملحِها، وحُرقتِها، وأَسيدِها الشافي، وصدقِ مواثيقِها،
وقُدرتِـها "ما فوق السماويّةِ" على ترويضِ الألمِ وكبحِ الجنونِ
وجَعلِ التعاسةِ هيِّنًا حملُها، واللّيلِ أقلَّ ليلًا، والجريمةِ ــــ الجريمةِ التي لا مغفرةَ لها ــــ قابلةً للغفرانِ، والأملِ أَخفَّ وطأةً على قلبِ اليائسِ، والزمنِ ــــ الزمنِ الخبيثِ ــــ مُمكنًا كسـرُهُ، وتأديبُهُ، وإعادتُهُ إلى صوابِ بَراريهِ وكهوفِه وحنانِ وُحوشهِ الأولى.
إليَّ بالدمعةِ! إلينا بها!
دمعةِ المواساةِ، ودمعةِ الرجاءِ، ودمعةِ التأسّفِ، ودمعةِ الحنانِ، ودمعةِ الحُبِّ، ودمعةِ العرفانِ، ودمعةِ الخوفِ، ودمعةِ الوداعِ، ودمعةِ الألمِ، ودمعةِ الـتوسُّلِ، ودمعةِ المظلومِ تستَرحمُ قلبَ ظالمِهِ، ودمعةِ اليائسِ الذي لم يَعدْ يقوى إلّا على اقترافِ "الأملِ،" ودمعةِ البريء... دمعةِ البريءِ "البريءِ" الذي تلعثمَ في نُطقِ "براءتِهِ" فتعذّرَتْ براءتُه...
(ولِمَ لا؟... لِمَ لا؟...: دمعةِ الجاني أيضًا...)
ودمعةِ الخائفِ... الخائفِ الذي أمضى عمرَهُ خائفًا ولم يجرؤْ أن يقولَ لمن خوَّفوهُ "أنا خائفٌ منكم" (دمعةِ ما يجعلُ الدموعَ تيبَسُ في منابِعها وتُبغِضُ ذارفيها)
ودمعةِ زوالِ المِحنةِ، ودمعةِ نزولِ الصباحِ الـحيِيِّ على صخرةِ الأرضِ...،
ودمعةِ الدموعِ كلِّها: "دمعةِ الدمعِ..." / إلينا بها!
إلينا بهـــا: الدمعةِ التي تُرى وتُسمَعُ/ الدمعةِ التي إذا فاضتْ غسلَتْ وداوَتْ وطَمأنَتْ وأضاءَتْ رنَّتُها ــــ رنَّتُها الرسولةُ ــــ ظلامَ الهواءِ وظلامَ الحجَرِ وظلامَ الظلمةِ وظلامَ الحديدِ وظلامَ القوّةِ وظلامَ العقلِ الذي أَمرَضتْهُ القوّةُ وأَفسدَ بهاءَهُ صوابُ العاجزين عن الرحمةْ...
وإلينا... بالرحمةْ!
.. .. .. .. ..
.. .. .. .. ..
إلينا بها، الدمعةِ، إلينا بها!
لنعرفَ، بعد كلِّ هذهِ الظلماتِ، وهذا الجنونِ، وهذه الويلاتِ والمآتِم،
أنّ صدورَنا لا تزالُ تدَّخِرُ في أقفاصها قلوبًا
قلوبًا عاديّةً، ضعيفةً، شجاعةً، قادرةً على إبداءِ الرحمةِ وحياكةِ الدمع...؛
إلينا بها إذًا! إلينا بها:
دمعةِ الرحمةْ!
سوريا