يثق العلماءُ بشكل كبير بأنّ استخدام الهاتف الذكيّ قد يكون سببًا للإدمان. فحين تومض شاشةُ هاتفكَ، سيَصعب ألّا تتحقّق فورًا من هويّة المتّصِل، أو هويّةِ الوسيلة الإعلاميّة التي بعثتْ إليكَ برسائل منبِّهة.
وإنّنا لغارقون على الدوام برسائلَ كهذه، ولذلك يصعب تخيّلُ الحياة من دونها. غير أنّ مجموعةً متزايدةً من الأدلّة العلميّة تشير إلى أنّ هذه الإشعارات تؤذينا.
فعلى سبيل المثال، فإنّ وعيَنا الدائمَ بتوالي الإشعارات الهاتفيّة قد يضعنا في حالة تأهّبٍ قصوى. وحين نتلقّى الرسائل فإنّنا، في الواقع، نؤجّج في نفوسنا شعورَ مقاومتها أو الهروبِ منها. وعندها، يُفرز جسمُنا هرموناتِ التوتّر، فنتأهّب للفرار من "وحشٍ ضارٍ،" أو للقتال دفاعًا عن حياتنا، في حين أنّ كلَّ ما نفعله في حقيقة الأمر هو مجرّدُ التقاطِ الهاتف.
ووفقًا لدراسةٍ قُدّمتْ في الاجتماع السنويّ لجمعيّة الطبّ الإشعاعيّ في أميركا الشماليّة في تشرين الثاني الماضي، فإنّ الانقطاعات [الذهنيّة]، الناتجةَ من الإشعارات المنبِّهة التي تصل هواتفنَا الذكيّة، قد تغيِّر كيمياءَ أدمغتنا. ذلك أنّ هاتفك الذي يضيء باستمرارٍ طوال اليوم [كلّما وصلتك رسالة] يولِّد في دماغك ما يسمّيه العلماءُ "كلفةَ التبديل" (switch cost).
وهذا يعني، أساسًا، أنّنا حين نتعرّض لانقطاعٍ [ذهنيّ] ما، كوصول إشعارٍ إلى هاتفنا مثلًا، نَصْرف انتباهَنا عن المهمّة التي كنّا نقوم بها، قبل أن نعودَ اليها لاحقًا ــ ــ وهو أمرٌ مكلفٌ على مستوى الوقت كما على مستوى [يقظة] الدماغ. وفي هذا الصدد يقول الطبيبُ النفسيّ في عيادة كليفلاند، سكوت بي، لوكالة سي بي اس[1] "إننا نعتقد أنّ ذلك يؤخِّر فعّاليّةَ استخدامنا لأدمغتنا بنسبة 40%. إنّنا لفي حالة تشتّتٍ ذهنيٍّ دائم، ويكون علينا دائمًا (بعد كلّ رسالة] أن نعيدَ توجيهَ أنفسنا [إلى ما كنّا نفعله]."
وكان فريقٌ بحثيّ قد جمع 19 فتًى، في الخامسة عشرة عامًا ونصف العام كمعدّلٍ عمريّ، شُخّصوا بإصابتهم بإدمان الهواتف الذكيّة (smartphone addiction)؛ كما جمع مجموعةً أخرى من الفئة العمريّة والجندرية نفسها لكنّهم لا يعانون الإدمان. خضعت المجموعةُ الأولى (المُدمنة) لتسعة أسابيع من العلاج السلوكيّ المعرفيّ (cognitive behavioural therapy)، جرى تعديلُه من برنامجٍ لعلاج "إدمان الألعاب." ثم استُجوِبَ أفرادُها عن مدى خطورة إدمانهم، وكيفيّة تأثير ذلك في روتينهم اليوميّ، وفي حياتهم الاجتماعية، وإنتاجيّتهم، ونومهم، ومشاعرهم.
وقال هيونج سوك سيو، أستاذُ التصوير الشعاعيّ العصبيّ في جامعة كوريا في سيول، والمؤلّفُ الرئيس لهذه الدراسة، إنّ خطورةَ الإدمان مرتبطةٌ بذلك التأثير. وأضاف أنّ المراهقين الذين يدمنون الألعابَ سجّلوا معدّلاتٍ من الإحباط والقلق والأرق والتهوّر تفوق بكثيرٍ [المعدّلاتِ التي سجّلها المراهقون غيرُ المدمنين].
ذلك أنّ الانتظار الدائم لوصول الإشعار الهاتفيّ التالي قد يضع المرءَ في حالٍ متطرّفةٍ من التوتّر. فما إنْ يصل هذا الإشعارُ حتى يطْلق الجسمُ [هرمونَ] الكورتيزول، الذي يؤدّي إلى ارتفاع معدّل نبضات القلب. ثمّ إنّ ابتعادَنا عن الهاتف قد يدفع بعضَ الناس إلى مشاعر الذعر ــ ــ وهو ما يُعرف "بقلق الانفصال عن الهاتف" (phone separation anxiety).
يصعب أن نبتعدَ عن هواتفنا، ولكنّ الأمر ممكنٌ بقليلٍ من الصبر. فبعد مدة من هذا الابتعاد ستتوقّف أدمغتُنا عن محاولة إقناعنا بأنّنا نفتقد شيئًا ما، وسنكون قادرين على عبور يومنا من دون التحقّق باستمرار من هواتفنا إنْ كان أحدُهم يريد أن يعرف "ما الجديدُ" (what’s up).
ثمّ إنّ التحديق في الشاشة في كلّ الأوقات يعْبث في تركيبة أجسامنا البيولوجيّة، ويصعِّب علينا النومَ، لأنه يَحُول دون إفراز الميلاتونين، وهو الهرمونُ المسؤولُ عن النوم. ولذلك فإنّ التقليل من وقت التحديق، خصوصًا في الأماسي، سيساعدنا على الأرجح في النوم تدريجًا بسهولةٍ أكبر بكثير.
على أنّ استخدامَ الهاتف، بعد كلّ ما سبق ذكرُه، ليس بالضرورة أصلَ كلّ الشرور. بل الواقع أنّ إحدى الدراسات وَجدتْ أنّ الإفراط في استخدام الشاشة هو المشكلة، في حين أنّ استخدامها لأقلّ من ساعةٍ واحدةٍ في النهار فقط قد يكون مفيدًا.
ومع ذلك فإنّ في مقدور معظمنا، على الأرجح، إبعادَ الهواتف أكثرَ قليلًا ممّا نفعل. فإذا رأيتم أنّكم تتوتّرون بسهولة لكي تتعرّفوا إلى هويّةِ مَن يجيب على رسائلكم ومَن لا يجيب، أو إنْ لم
تستطيعوا أن تمنعوا أنفسكم من التحقق من هواتفكم فور وصول رسالة، فربّما عليكم أن تحاولوا منح أنفسكم فتراتٍ دوريّةً محدّدةً خلال اليوم تتفقّدونها فيها. وإن لم تنجح هذه الخطّة هي الأخرى، فهناك دائمًا هاتفُ أريانا هَفينغتون.[2]
* المقالة مترجمة عن موقع بيزينس انسايدر بعنوان:
When Phone Notifications Interrupt Our Train of Thought it's Called the 'Switch Cost' — Here's What it Means https://read.bi/2t9FIth
[1] في مقابلة لشبكة سي بي أس https://bit.ly/2MFbmHd
[2] أسّستْ آريانا هفينغتون مؤسّسة ثرايف جلوبال، التي تُعنى بخفض التوترات. وقد طرحتْ إلى الأسواق "سريرًا" خشبيًّا صغيرًا للهاتف، بكلفة 100 دولار. وهذا السرير يشحن الهاتف كل ليلة، ويحتوي على عشر فتحات (لشحن أجهزة هاتف أو iPad وغير ذلك). وبذلك يستطيع كلُّ أفراد المنزل وضعَ هواتفهم في ذلك السرير حين يخلدون إلى النوم كل ليلة، فلا يتأثّرون بالرسائل القادمة. طبعًا، في مقدور المرء أن يشحن هاتفه في غرفةٍ أخرى، ولكن هذه "الصرعة الفلسفيّة" قد تشجّع المرء على ممارسة طقس يوميّ يريحه من التوترات التي يسببها الهاتف أثناء نومه. (المترجم)
http://www.businessinsider.com/phone-bed-review-photos-2017-1