بعد أن انتهى من صنع الجحيم قَرَر أن يَصْنع الجنَّة.
نفخ الغيومَ، فأحبّ بياضَها وهضباتِها الطريّة. تمعّن فيها حين انتهى؛ فبدت مُضجرةً بلون نورِها الساطع. شيء ما كان ينقصُها، فكّر.
أمسك بحفنةٍ من رمل البحر. عَجنها بجبروتِه، ثم سخّنها في أتون الجحيم القريب، وصيّرها زجاجًا شفّافًا. وبأصابعه، مدّ فروعَها وامتداداتها، فتحوّلتْ إلى شجرةٍ رقيقةٍ ومذهلة، خضراء كلون أمِّها الموجة.
مع تحرّك يده وكُمّ عباءته الأثيريّة الطويلة، خُلقت الريح. حرّكت الريحُ الورقاتِ، فكان حفيفُها كتساقط قطرات ماء. وهنا حصلت المعجزة: وردةٌ وحيدة بلون النار اختبأتْ في أحد الفروع. ذُهل حين رآها؛ فهو لم يكن يقصد خلقها. لقد خُلقتْ وحدها من عَدَمِ النار.
قال: "ستكون هذه شجرةَ الجنة، لا شجرة سواها."
***
آدم، المصنوع من طين الأرض، أحّب العبثَ والقفزَ على هَضبات الغيم الطريّة. كان غرًّا.
لم يستغرق صنعُه سوى بضعة أيّام سماويّة، خلافًا لحوّاء، التي صُمِمَتْ لتكون وعاءً لماء الخلق.
مرّت الأيام السماويّة رتيبةً إلّا من ضحكات حوّاء وهي تتابع، بفرحٍ، زهرةَ النار وهي تتحوّل إلى ثمرة مستديرة، شفّافةٍ كبط في رحَمها.
شعر آدم بالغيرة؛ فحوّاء ما عادت تلعب معه كالسابق. ما عادت تسايره في الركض بين الغيوم والاختباء عن عين الله. فقد انشغلتْ ببذرتها، وبتلك الثمرةِ الغريبة.
غضب آدم.
فكَر: "الله يحبُّهما أكثرَ منّي، هي وتلك الثمرةَ الشفّافةَ ذاتَ الياقوت داخلها. سأحرّك عباءتي، وسأخلق الريحَ كما يفعل، وسأُسقط ثمرةَ النار الملعونة تلك. وإنْ سألني عن سبب سقوطها فسأقول له إنّها ريحُ العباءة."
لكنه نسي أنّه عارٍ، لا عباءةَ لديه.
***
نضجت الثمرة وراحت قشرتُها تتشقّق. فرحتْ حوّاءُ باقتراب اليوم الموعود، يوم تزرع الياقوتَ المتناثرَ على هضبات الغيم، ليُنبت شجرًا يُخرج ثمرًا حلوًا يلوِّن هذا البياضَ المضجر، ويملأ الجنّة أصواتًا جديدة لا تُشبه صوتَ الريح.
وفعلًا استيقظ الله على صوتٍ لم يسمع مثيلًا له.
نظر إلى الأعلى فرأى الغيمَ مثقوبًا. وفي الأسفل كانت كسراتُ زجاج الثمرة تغطّي أديمَ الأرض بالأحمر القاني، كذاك السائلِ الجاري في عروق مخلوقات الطين التي صنعتها يداه.
رأى حوّاء تبكي قرب الشجرة السماويّة وبطنها خاوٍ.
بحثَ عن آدم فلم يجده.
ومنذ ذاك اليوم، لا رمّان في الجنَّة.
دمشق