-1-
مِنَ الغَيْمِ جاءت ومِنْ ظَمَأٍ في عُرُوقِ الشَّجَرْ
مِنْ خُطًى عابراتٍ ومِنْ وَلَهٍ؛
هي سَيِّدةُ الذِّكرياتِ،
وقَلْبي الذي يَتَرنَّحُ في الكَلِماتِ
ويَرقُصُ كالطِّفْلِ تَحتَ المَطَرْ.
-2-
مِنَ الغَيْمِ جاءتْ
وأَلْقَتْ على كاهِلِ الوَقْتِ شالَ الأماني.
كأنّ العواصِفَ ذاكِرتي،
والبُروقَ التي اشْتَعَلَتْ خُطْوتي وزَمانِي.
غَريبَيْنِ كُنّا،
وكانَ المَساءُ ثلاثينَ عُصْفورَةً في سماءِ القَصِيدِ،
ورُوحَيْنِ مِنْ وَرَقٍ في مَهبِّ الضَّجَرْ.
-3-
كَيْفَ مَرَّ بنا العُمْرُ منْ ضفَّة المُستحيلِ إلى ضفّةِ المُستحيلِ؟
وكيفَ إذنْ تَتلعْثمُ رُوحيَ بيْن يَدَيْها؟
أَكُلُّ القصَائدِ وَهْمٌ؟
وكُلُّ المسافاتِ نَحْوَ الحقيقةِ لَمْ تَكُ إلّا مَرايا؟
كأنّ الزمانَ الذي دار دوْرتَهُ ثُمّ عادَ إلى النَّبْعِ تُفّاحَةٌ
والخُطى ظَمَأٌ وخَطايا.
-4-
أُلَمْلِمُ ذاتِي وأَذْهَبُ نَحْوَ التُّخومِ
كَمَنْ يتسَلّقُ أوْجاعَهُ
الخُطى ذاتُها تَعْرِفُ الآنَ كَيْفَ تَسِيرُ إلى مَوْعِدٍ عِنْدَ ناصِيَةِ الزَّمَنِ؛
مَوْعِدٍ يُشْبِهُ الخَوْفَ والوَهْمَ والمَطرَ.
-5-
هل تَغَيَّرَ شيْءٌ؟
تَقولُ الشوارعُ مِنْ حَوْلِنا والمقاهي القديمةُ والحُزْنُ والكِبْرِياءْ
تَقولُ المسافاتُ والذكْرياتُ
تَقولُ المَحطّاتُ وَهْيَ تُسافِرُ بَيْنَ التجاعيدِ والأُمْنياتْ
تَقولُ يَدِي وَهْيَ تَمْحُو الرَّذاذَ على شاشةِ الوقتِ:
كَيْفَ أُوَسِّعُ هذا المَدى؟
ذلك الطِّفْلُ خَلْفَ غَمامَةِ حُزْنٍ بحَجْمِ السماءِ
أنا.
-6-
أسْتعِيدُ مَلامِحَ وَجْهي القديمْ
تفاصيلَهُ في مَرايا الوداعِ البَعيدِ
أُعِيدُ إلى شَمْسِ ديسمْبرٍ ضَوْءَها
وإلى ظِلِّها ياسَمينَ المواعيدِ
أَكْتُبُ مِنْ زَمَنٍ سوْف يأْتي
ثلاثِينَ عُصفُورةً هاجَرتْ مِنْ دَمِي
ثُمّ عادتْ لِتَسْكُنَ بَيْتَ القَصيدِ.
تونس