قصة قصيرة
"أحيانًا أفكِّر أنّ حديد الغرفة من عظامي. لكنَّ عظامي رقيقة وهشَّة ولا ريب أن هذا الجسد محمول بدعائم أخرى. كيف مشت معي هذه العظام سنوات دون أن أسمع أزيزها أو أرى انهيارها المفاجئ على الطرقات؟" (وديع سعادة)
***
يصفع الألمُ الجسديّ المرء صفعاتٍ...
تستيقظ دلال على جرس الباب. فتغادر السريرَ بتكاسُل، وهي تنظر إلى ساعة الحائط المعلّقة على الجدار: إنّها الواحدة ظهرًا.
"مرحبًا،" تقول المرأة الواقفة خارجًا، ثم تشير إلى الباب المقابل وتتابعُ كلامَها: "انتقلنا البارحة مساءً إلى هذه الشقّة. أنا فيروز...
هواءُ الحجرة الصغيرة كان يُشعِرها بالدُّوار، بسبب المعقِّمات المستعمَلة وحجمِ المرض والحزن. لم تكن تتوقّع أن ينتهي بها الأمرُ يومًا في مستشفًى ريفيّ. نظرتْ إلى جارها العجوز خلسةً. كان قد استيقظ من غفوتِه. جفناه كانا الشيءَ الوحيد الذي تغيّر منذ...
كان وقتُ الصلاة قد حان. وقف المصلّون في صفوفٍ منتظمة. أطال الإمامُ السُّجود، وتهدّج صوتُه وهو يتلو آيَ الذّكْر. بكى بعضُ المصلّين. وحين انخفضت الوجوهُ وتهاوت الأيادي عنها، بقيت الحاجّة سلمى في مكانها، ولم ترفعْ نظرَها عن أرض الحرم الملساء النّظيفة...
صوتُ الطائرات ليلَ أمس عبثَ بنومي. أظنّ أنّ إقلاعَ هذا العدد خلال فتراتٍ قصيرة سبّبَ لي توتّرًا عصبيًّا يفوق قدرةَ احتمالي. استغرقني الأمرُ بعضَ الوقت كي أعرفَ من أكون، وأينَ أنا لحظةَ استيقاظي. شيءٌ يشْبه الرُّهابَ يعتريك حين يوقظونكَ عنوةً وأنتَ...
أتذكّر ظهيرةَ ذلك اليوم البعيد حين خرجتُ من بيتنا الريفيّ ورأيتُ السماءَ ملبَّدةً بالغيوم. كنتُ حينها في الصفّ الخامس الابتدائيّ، وأعرفُ كيف تنشأ ومِمّ تتكوّن الغيوم. لكنّ ما رأيتُه لم يشبه الغيومَ التي أعرفها أو قرأتُ عنها في كتاب العلوم: كانت...
على رصيفها المتآكل تجلس وحدها، بأغراضها الكثيرة والعتيقة، تلهو غيرَ عابئةٍ بالعابرين أو الزمن. لها شاربان كثّان، وصدرٌ عارم. مخيفةٌ حدّ الوجع، ووادعةٌ كلوْحة في متحف. لاحظتُ وجودها منذ سنوات. كان أطفال يلاحقونها كلعنة، وهي تهرب. وحين تدخّل أحدُهم...
"الكاتب سفيرُ بلده. والسفراء هم أوّلُ المدافعين عن مصالح بلادهم، وأكثرُ المعنيّين بنقل صورة جميلة عنها."
إذا كنتَ قد مررتَ على صفّ الأستاذ أدهم، طالبًا في قسم اللغة العربيّة وآدابِها، فلا شكّ في أنّك سمعتَ هذه العبارة مرارًا...
يبدو المكانُ للمارِّين بقربه عاديًّا جدًّا، ولكنه بالنسبة إليّ أشبهُ بالمعجزة. فأنا أنتظر في باحته منذ ثلاث سنوات: أطرق بابَه كلَّ يوم طرقةً خفيفة، وأعود لأجلس. ألفُّ معطفي جيّدًا حول كتفيّ وأفكّر: على الباب أن يُفتح في النهاية.
يقع المبنى على...
ماتت المرأة الوحيدة وحيدةً في الشارع. وقعتْ أرضًا كأنّها صاعقة. لم يركضْ نحوها أحد، ولم يلتقطْها أحد. بقيتْ على الرَّصيف وحدها، باردةً وبيضاءَ ورقيقة.
كانت تعمل في مصنعٍ في قلب بيروت. تقصد عملها نشيطةً كلّ صباح. تتعمّد الوصولَ قبل الجميع كي...
كنتُ على وشك الإغفاء حين رنّ الهاتف. نظرتُ إلى الساعة فوجدتُها الواحدة بعد منتصف الليل. كان التيّارُ الكهربائيّ مقطوعًا، وقطراتُ المطر تنقر زجاجَ النوافذ كمناقير الدجاج. رفعتُ السمّاعة، فوصلني صوتُ الدكتور طارق ــــ صديقي الشابّ ــــ الذي ألتقيه...
يستيقظ وسيم متأفّفًا. ومن دون أن يفتح عينيه تمامًا، ينتعل حذاءَه البيتيّ، ثم يمشي متعثّرًا إلى الحمّام. هناك، سيقرأ الجملة التي أبقى عليها فوق المرآة، "حبيبي يسعد أوقاته،"(1) فيبتسم بأسًى رغمًا عنه.
اعتادتْ شهْد أن تترك له مثلَ هذه الرسائل، التي...
كان غريبًا ألّا أفكّر في اقتناص قسطٍ وفيرٍ من الراحة، بعد أن قضيتُ نهارًا شاقًّا بين الجامعة والسفارة. لم أنم جيّدًا تلك الليلة؛ لم أصدّق أنني سأتنفّس قريبًا في مدينة النور. قضيتُ ليلتي مشغولًا بحقيبتي الضيّقة. عانيتُ لأتمكّن من إغلاقها: كنتُ...
النساء في قريتنا نسخةٌ واحدة في أشكالهنّ، حياتِهنّ، قصصِهنّ، غراميّاتِهنّ. كلُّهنّ ينصحن بعضهنّ بعضًا، وكلّهنّ في حاجة إلى النصيحة. كلٌّ منهنّ تظنّ أنّها تحيا حياةً أفضلَ من نساء قريتها، في حين أنّهنّ جميعًا "في الهواء سواء."
كانت نساءُ قريتنا...
كان سعيد نائمًا حين رنّ الهاتف. مدّ يدَه نحوه، وبعينين مغمضتين أقفل الخطَّ. عاد الهاتفُ يرنّ. تناوله متبرّمًا. قال عزّو من الجهة الأخرى: "يجب أن تحضر سريعًا. لقد وضعوه في غيابك."
لم يُنهِ الصبيُّ جملتَه حتّى قفز سعيد من مكانه. أبعد الشرشفَ الذي...