قصة قصيرة

  ــــ إحكِ لي حكاية. ــــ لم أعدْ ماهرًا في نسجِ الحكايات، قال بصوتٍ مُتعَب. ــــ عندما كنتُ صغيرةً كنتَ تحكي لي الكثيرَ من الحكايات.   ــــ كنتُ أفعلُ ما هو أعجب، قال ساخرًا. ــــ هل تتذكّر قصّة "نقطة الحزينة؟" كان جسدُه مزروعًا بالأنابيب. وكانت...
  كان طليقَ القلم، موهوبًا في الشعر، لكنّه كان حمارًا في النحو. اعتاد أن يمرّ بي كي أشكّل له الكلمات قبل أن يقرأ قصيدتَه على إذاعةٍ لم يكن يعرفُ أنّ أحدًا ما عاد يسمعها سواي. وكان متطرّفًا في إطلاق الأحكام، راديكاليًّا في مواقفه، يعتقد أنّه يملك...
  هرعتُ كعادتي لأشاهدَ مرورَ الموكب على الطريق المؤدِّية إلى القصر، عقب الانتهاء من حفل تنصيب القائد لولايةٍ جديدة. بدأ الاحتشادُ مع طلوع الشمس، وكان النهارُ حارقًا. قاتلتُ لأحصل على حقّي المسلوب، وانتظرتُ في الصفوف الأماميّة. كنتُ أحمل ابنتي على...
  يتصبَّب العرقُ من جبهته، فيلسعُه لسعاتٍ خفيفةً لم يعهدْها من قبل. السبب؟ قرنُ الفلفل الأخضر الحارّ، الذي تناوله مع سندويش الكبدة، التي اشتراها من عربة العمّ عبده. والسبب أيضًا الموجةُ الحارّة التي تضرب البلادَ منذ أيّام...
  ورقة زهريّة اللون، على شكل قلب، معلّقة على باب البرّاد: كان ذلك أوّلَ ما وقعتْ عليه عينا سماح حين دخل صباحًا إلى المطبخ.  توقّف أمام البرّاد. فتح عينيه على اتساعهما وابتسم. وبينما كان يبحث حوله عن نظّارته، راح يستعرض الاحتمالات التي قد يأتي بها...
  حين عاد، كان كلُّ شيء على حاله. الناس ما زالوا كما تركهم منذ ربع قرن. أمُّه ما زالت تبحث عن نظّارتها الطبّيّة كلَّ ليلة، تروح وتجيء، تتمتم متأفّفةً من تصرّفات أخته زهيّة، التي جعلتْ خادمتَها أمّ حسيب تتركها وترحل إلى غير رجعة. لا يدري كمْ تغير هو...
  كان الليل قد انتصف حين شعرتُ برغبةٍ قويّةٍ قي ضمّ أنطوان إلى صدري. لُقْيا ثمينةٌ هو أنطوان. صادفتُه في المعهد البريطانيّ للُّغات. تجاورْنا في دورةٍ للإنجليزيّة المحكيّة، وأصبحنا نحضِّر فروضَنا معًا في مقهًى قريب. كان بلجيكيًّا يعيش في بيروت منذ...
    هل نضعُ الملحَ مع الثوم أثناء حمسه بالزيت، أمْ من الممكن أن نحمس الثومَ ونضعَ الملحَ فيما بعد؟ وهل نضعُ الثومَ عندما يكون الزيتُ باردًا، أمْ نضعه بعد أن نحمّي الزيت؟ بعد صفنة قصيرة تذكّرتُ أنّ أمي كانت تضع الثومَ على الزيت باردًا، مع رشّة ملح،...
  حين رجّ هاتفُه وبدأتْ فيروز بالغناء "شايف البحر شو كبير،" كان غافيًا على الكنبة في غرفة الاستقبال، ولم يُفق إلّا عند الرنّة الثالثة حين كانت تقول "بحبّك." أخرج الهاتف ببطء من جيبه. خطأً، ضَغط على الزرّ الأحمر، وصرخ: "ايه آلوو، مين؟" وحين لم يسمع...
  كنتُ أنتظره كلَّ مساء، ولا يتأخّر عن الموعد. حين توشك أجزاءُ دواخلي على الانفصال عنِّي، يُسرع إلى توضيبها. كأنّه يسمع نشيجي، كأنَّه يشاطرني سريري! خيرَ مسكِّنٍ لنوبات الأرق، كان. في اللحظة التي ينهار فيها جسمي، متوسِّلًا النومَ، كان يأتي. في...
  في حرب تشرين 1973 قُصِفَ حيُّنا، وتضرّر بيتُنا، وتهدّمتْ حولنا بعضُ بيوت الجيران؛ ما جعل المكان مَوْقعًا رائعًا لألعابنا ومغامراتنا. كنّا صغارًا، وكان لكلمة "حرب" سحرُها الخاص. أمّا مفرداتُنا السياسيّة فكانت محدودةً: "فلسطين المحتلّة،" و"العدوّ...
  تنفتح الستارةُ البنفسجيّة حين يَعْبر الهواءُ الشبّاك. يتكرّر مشهدُ تنفّسها البطيء. يسرح قليلًا، ثمّ يُعدّل وضعَ نظّارتيْه فوق عينيْه العسليّتين، ويغرق من جديد بين الأسطر والكلمات. يرنّ هاتفُه. ينظر إلى الشاشة. يرى رقمًا. يضع الهاتفَ جانبًا، ويعود...
  ثمّة مقهى صغير في قريتي يُدعى مقهى شَيْما. قلّةٌ تعرف قصّةَ هذا المقهى، الذي تحوّل مع الأيّام إلى مطعم ومقهى. الغريب أنّ القرية أخذت اسمَها منه، خِلافًا لما يحصل عادةً. والأغرب وجودُ مقهى أو مطعم في قرية جبليّة صغيرة لا يتجاوز عددُ سكّانها بضعَ...
بعد أن انتهى من صنع الجحيم قَرَر أن يَصْنع الجنَّة. نفخ الغيومَ، فأحبّ بياضَها وهضباتِها الطريّة. تمعّن فيها حين انتهى؛ فبدت مُضجرةً بلون نورِها الساطع. شيء ما كان ينقصُها، فكّر. أمسك بحفنةٍ من رمل البحر. عَجنها بجبروتِه، ثم سخّنها في أتون الجحيم...
     يَنْعتونَه في عمارات ذيْل السُّلحفاة بـ"حبّة التّين." وقد التصقتْ به هذه الكنْيةُ منذ طفولته. فشكلُه يُشبِه فاكهةَ التين لأنّه قصير القامة وممتلئ الجسم. حين يمشي يبدو وكأنّه يقفز، ويتوسّط وجهَه أنفٌ مكوَّر، تعلوه عينان باسمتان. فمُه باسمٌ أيضًا...