قصة قصيرة

  فتحتْ روزيتا الباب وخرجتْ إلى الشرفة لتشمّ هواءً نقيًّا. هذه المدينة صارت لا تطاق بعد مغادرة أليخاندرو. المسبح، نادي الفروسيّة، العُلب الليليّة: هي لا شيء الآن. حتّى العصفور الذي أهداها إيّاه في عيد الميلاد توقّف عن الغناء، وحلّ فراغٌ موحش جعل...
  كنت شبه  نائم. استفقتُ من لكزة كرةٍ صغيرة أصابت فخذي وأنا مستلقٍ على الشاطئ. عندما فتحتُ عينيّ رأيتُ طفلًا صغيرًا عاريًا يطلب أن أرسل له الكرة. كانت أشعّة الشمس قد نالت من جسدي وأشعرتني بكسل شديد؛ كما ساهم صوتُ الموج في استرخاء عضلاتي. حاولتُ أن...
  تَعمل آمال في تلك المدرسَة منذ عشرين سنة. تؤدّي عملها في سخطٍ يتبدّى في مسحة التعب اللانهائيّ والقهر المزمن، التي تَرسمها على وَجهها الطوليّ المغبرّ، ذي الشفتين المزرقّتين، وهي تطلب إليكَ أن تضعَ ما تحمله لكي تغسله، مع الأواني التي تتركها...
  "إنْ لم تحبّني اليومَ فستحبّني غدًا": هذا ما وجدهُ وسيم ذات يوم مكتوبًا على قصاصةٍ ورقيّةٍ في جيب سترته. كانت حياتُه خاليةً من الإثارة والمفاجآت؛ حتّى عيدُ ميلاده كان يمرّ مرور الكرام. لذا فتحت الرسالةُ شهيّتَه على تخيّل القصص الرومانسيّة والعيشِ...
  كان الفصلُ ربيعًا، وكانت ساعتي تشير إلى الثالثة بعد الظهر. مراكب الصيّادين تتهادى فوق الأمواج الخفيفة. أشعّة الشّمس تخترق الغيوم. والنوارس على حالها: معلّقة في الهواء. ترجّلتُ من سيّارتي ورحتُ أمشي على طول الشاطئ مستسلمًا للذكريات: هنا التقيتُ بكِ...
                                                             "إنّه هو. إنّه عمّار. لا لا، بل هو بالتأكيد عمّار": هكذا راحت سعاد، التي اقتربتْ من الخمسين، تردِّد عندما رأت زميلَها القديم في الجامعة، بينما كانت تُعدّ الطعامَ لأُسرتها، المؤلّفة من...
  "كان يَبول في ثيابه وتلحقه لميا. طويلٌ كأنّه نخلة. أبيض. ما حدا كان يعرف مين بيحلق لجبر لحيته كلّ يوم، وهو يهرب من لميا، بنت أبو صبحي... كانت أحلى بنت بالمخيّم بس تجوّزها": هكذا تحكي أمّ فراس لأمّي وهما تجلسان عصرًا، تستعيدان صورًا وحكايا تشبه...
  كنتُ أراها في أحلامي. لم تتوقَّف عن المجيء يومًا. أراها وألمسُها وأعرف تفاصيلَها، وأستيقظ إلى يومي وعالمي، المحكوميْن بالتكرار، من دون أن تغادرَني لحظة، وقد أطلقتْ في روحي نهرًا أزرقَ أواجه به عالمًا جافًّا بلا غيمةٍ أو عينِ ماء. في الطريق إلى...
  كلُّهم، إذا أوَوْا إلى فراشهم، استولى عليهم سلطانُ النوم، إلّا أمّ جعفر: إنْ نامت نام طيفُه الحبيبُ معها، وإنْ صحتْ صحا طيفُه الحبيبُ معها. تشتاق إليه، فتُحادث طيفَه، حتى إذا رآها غريبٌ ظنّ مسًّا أصابها؛ أو تُكرّر على أولادها صفاتِه؛ أو تتلهّى...
  المطر يهطل بغزارة. يقفز الطفلُ متجنّبًا بركَ الماء، متّبعًا السيلَ. يقترب بحذرٍ من المجرى. يُخرج قاربًا ورقيًّا من جيبه. يضعه في المضمار، ويركض خلفه. حتّى إذا وصلا إلى حافّة البحر، غرق القارب. يقف الولد خائبًا، وقد أضناه التعب. يمكث في زنزانةٍ...
  قصّة لسهيل إدريس (ضمن مجموعة نيران وثلوج، 1948) نقدّم في الذكرى العاشرة لرحيل سهيل إدريس قصّةً كتبها في أوّل شبابه، نشرها قبل تأسيس مجلة الآداب بعدّة أعوام، علمًا أنّ لإدريس 3 مجموعات قصصيّة صدرتْ بين العامين 1947 و1949، وحملتْ عناوين: أشواق،...
    لم أشأ الخروج؛ فهذا المكان يناسبني تمامًا، بل هو أفضل مكانٍ يليق بهواجسي. لا يهمّ إن كان مظلمًا أو مضيئًا؛ فأنا مرتاحٌ هنا، رأسي خفيفٌ، والأفق يمتدّ أمامي كخيالٍ مشرق. ألمسُ الفراغَ فيهرب، وينتشر في الأرجاء. فراغٌ لطيفٌ، كفكرةٍ سهلة، يناور ويعود...
  ــــ ماذا تريدني أن أطبخَ اليوم؟ تسأل أروى زوجَها يوسف. ــــ لا شيء، يُتمتم يوسف أثناء انهماكه في حلاقة ذقنِه قبل خروجه إلى العمل. لكنّه، حين يعود، يجد دائمًا ما يأكله. فأروى تحرص على أداء دور الزوجة المثاليّة، وباتت تشعر بالاستياء من هذه الـ"لا...
  لا وقتٌ، ولا طريقةٌ، مُتّفق عليهما لبدء القصص. لذا لا غرابةَ أنْ تستيقظ "صبا" عند الرابعة فجرًا على منبِّه جوّالها، الذي أخطأتْ في ضبطه قبل أن تنام. تنظر إلى الوقت باستغراب، لكنّها تشعر بالسعادة لأنّها ستنام ساعاتٍ أخرى. في الثامنة صباحًا كان لا...
  دائرةٌ من الضوء الوهّاج تُسلَّط على خشبة المسرح، ويظهر فجأةً. قوّةٌ ما جعلته يقفز من وراء الستار وينكمش. صمتٌ هائلٌ ينصبّ على القاعة، ولا أحد يعلم كم من الوقت سيمكث على هذه الوضعيّة. ينبعث صوتُ الكمنجات هادئًا، فيبدأ في التحرّك كتفتّح وردة. ينتصب...