قصة قصيرة

  اشتدّ عودُ وديع، ابنِ السادسة عشرة، قبل أوانه، وبات يعمل عمليْن: الأوّل في "بوفيه" في مدرسة، والثاني في لصق إعلاناتٍ على طرق دمشق. وكان والدُه وأخوه قد غرقا في البحر، فبقي مع أمّه التي تعمل خادمةً في منازل حيّ المالكي. يسكن الاثنان في ملحقٍ صغير،...
  أحضرتْ كرسيًّا، وجلستْ بصمتٍ في ذلك المغيب. بردٌ لذيذٌ، وبعضُ أفكارٍ تتشّكل غيومًا في ذهنها، لم تخرج منذ مدّة. يبدو أنّ بقاءها وقتًا طويلًا في العمل ينسيها أن تخرج من غرفتها حين تعود إلى البيت، على الرغم من أنّها تبقى في المكتب. بدا الشارع مختلفًا...
  استيقظتُ والنشاطُ يغمرُ أوصالي. نظرتُ إلى ساعة الحائط؛ ميعادُ العمل لم يأتِ بعد. تناولتُ الفطور. ألقيتُ نظرةً على بعض إيصالات الدفع المتراكمة؛ يبدو أنّني لن أتمكّن من الذهاب في عطلةٍ هذه السنة أيضًا. نظرتُ إلى الساعة مجدّدًا؛ ما زال الوقت مبكّرًا...
  "لا طائل من علاقتنا": بهذه العبارة المُحبِطة أنهيتُ دردشتي معه قبل أن أخرجَ من حسابي على الفيسبوك. بعد يومين فقط دار بيننا حوارٌ آخر انتهى على هذا النحو: "أنتَ سفينتي التي أنتظر." هكذا كانت أحاديثُنا، أشبهَ بأحاديث المراهقين: نتخاصم ونتصالح عدّةَ...
  إنّها الخامسة صباحًا. لا أستطيع التركيز. أحسُّ بألمٍ في كتفي اليمنى التي كادت أن تتحوّل إلى قطعة ثلج. البرودة المتسرّبة من النافذة لم ترحم بقيّة أطرافي. مشيتُ نحو النافذة، واتّكأتُ على حافّتها، أنظر إلى البعيد، وفي نيّتي أن أنسى شخير الرجل إلى...
  بكيتُ بشدّةٍ حين أدركتُ أنّ لها اسمًا آخر؛ كانوا يدعونها أمَّ عماد. كنتُ أختبئ بخوفٍ وراء فستانها أثناء استجابتها. لطالما اعتقدت أنّ "تيتة" شخصٌ واحدٌ لكنّها حقيقةً كانت شخصيْن: "تيتة" بالنسبة إليّ، و"أمّ عماد" بالنسبة إلى العالم كلّه. اعتدتُ...
  من خلف مرسمي، ومن خلال النافذة المطلّة على المبنى المقابل الجديد، رأيتُ عمّالَ البناء يرفعون دعاماتِ الطابق الثالث الموازي لغرفتي. خمسة شبّان ــــ غير الذين يعملون على الرصيف أسفلَ المبنى ــــ  و"معلِّمُهم": رجلٌ أشيب، قصيرُ القامة، دائمُ العبوس....
  لم يتفيّأ ظلَّ البلكون في أحد أحياء الأشرفيّة سوى سايغن، زوجِ القطّة، الذي يقطن بيتَ العمّة رانا. رانا امرأةٌ نناديها بـ"العمّة" لا لكِبر سنّها (فهي ما تزال في الأربعين)، بل لإغداقها الحُبَّ على الجميع. ولرانا عينان سوداوان تشبهان عينيْ سايغن بل...
  رجلٌ يقف وحيدًا على خشبة المسرح ممسكًا مكنسةً بيديْه. ــــ أريدها أن تلمعَ أثناء العرض، يا عطيّة. يهزّ عطيّة رأسَه في رضًى. ينهي كنس الخشبة، ويغادرها وهو يتطلّع من خلف الستار إلى مقاعد المسرح التي لا تزال فارغة. يجلس على كرسيّه الخشبيّ خلف...
  منذ أكثر من عشر سنوات، أيْ منذ حربٍ وبعضِ الوقت، وقبلَ أن أتجاوز السابعة عشرة، كنّا قد اعتدنا، أنا وصديقي الذي علّمني حلاقةَ الذقن، الذهابَ إلى منطقةٍ مقفرةٍ تبعد عن القرية حوالي خمسة كيلومترات، لسببيْن فقط: لكي نُدخِّن سرًّا، ولكي نصرخ. كنّا ننهي...
  خرج أمين من غرفته المتواضعة في أحد أحياء المخالفات باتّجاه حيّ راقٍ بقصد سرقةٍ جديدة. استقلّ السرفيس إلى مركز المدينة، ومنها تابع سيرَه مشيًا على الأقدام. وبينما كان يستطلع الحيَّ الراقي، مرَّ بدوريّةٍ للشرطة. اجتازها، وتمنّى لعناصرها التّوفيقَ في...
  "لا بدّ من أنّه كان يومًا شاقًّا،"همستْ لنفسها. أسرعتْ تحضّر له الطعام قبل أن يغفو بملابسه العسكريّة. "هذا الرجل الطفل، كم أعبده!" في ليلةٍ ماضية لم تستطع النومَ لبرودة فراشها، وحياتِها كلِّها. لم تشعر بالدّفء، على الرّغم من حرارة دموعها خوفًا من...
  أقرأُ اسمَه على الكتب. صفٌّ طويلٌ من الروايات والمجموعات القصصيّة والشعريّة تستريح على الرفوف منذ سنوات، في انتظار قراءتها. سكونٌ مريحٌ يخيِّم على الغرفة، وقلمُ الحبر يسلك طريقَه بصعوبةٍ على الورق الأبيض المرعب. بعضُ العناوين تتجمّع، مكوِّنةً...
  القطار رقم 9 يعدو في صخب، عابرًا أرضًا خضراءَ لا تزال مبلَّلةً بعد شتوة الليل المنصرم. الصباح سيُسفر عن وجهه بعد ساعة، فيما حسن لا يزال عاجزًا عن النوم، وسيجافيه بالتأكيد على هذا المقعد الرثّ. بعد شرودٍ طويل اكتشف أنّه جالسٌ بمفرده، وأنّ شركاءه في...
  توصّلتُ أخيرًا إلى أنّ سببَ ما أعانيه من أزمات يعودُ إلى عدم المواجهة؛ فأنا أحتاجُ إلى شجاعةٍ حقيقيّةٍ كي أواجهَ خوفي من فأرٍ تسلّلَ إلى مطبخي الصغير، بل بنى بيتًا وجلبَ عائلته إليه أيضًا. السكونُ يخيّمُ على المكان وأنا أطبخ. لكنْ حين يجنّ  الليلُ...