قصة قصيرة

  عرفه الجميعُ باسم "المهرِّج." لم يكن يَظهر إلّا في حفلات الأطفال التنشيطيّة، في روضاتهم، أو مدارسهم، أو منازلهم. ينزلُ من السيّارة بزيٍّ مزركش، وحذاءٍ طويل، وشعرٍ أشعث. يَعْبر الشارع. يدخل خلسةً، ليكونَ مفاجأةَ الحفل. أذكرُه جيّدًا. كان صانعَ...
  ينهض الطفلُ من نومه متثاقلًا ليستقبلَ يومًا تمنّى لو لم تشرقْ شمسُه. عليه الآن أن يستعدّ للذهاب إلى مدرسةٍ لم يحبّها يومًا. تحضِّر له والدتُه طعامًا خفيفًا، وتنشغل مع أبيه بتناول أطعمةٍ أدسم. لا يشغله تناقضُ ذلك الدسَم مع الوقت المبكّر، بقدْرِ ما...
  يدقّ قلبي دقّةً عالية. دقّةٌ واحدة كلَّ ثانية. أعضائي الثلاثة الخارجيّة تتحرّك في شكل دائرة: العقرب الأطول يُسرع في حركاته كثيرًا، العقرب المتوسّط يتحرّك بنسقٍ متوسّط، العقرب الأخير هو الأقصر والأثقل حركةً. أنام وأصحو على طاولة الصالون. يشاركني...
  دعوني أسرد عليكم بعضَ الأحداث التي مرّت بي. قد لا تكترثون لسماعها وسط انشغالاتكم اليوميّة، غير أنّني أجد في هذه الورقة البيضاء بعضَ الفسحة في بوحِ ما اختزنَه جوفي ثلاثين سنةً. منذ أن أدركتُ ملامحَ الأشياء من حولي بدأتُ أسمع مفرداتٍ مثل: "لاجئ،" "...
    على مقربةٍ من الموت، بفاصل خطوةٍ واحدة، تُغيِّر المسارَ. كأنّك تدرك أنّه كان على موعدٍ معك، وأخطأ العنوان. أفقكَ معتَم. ورأسُك هائم. خطوطُ طولك لم تعد متوازنةً بما يكفي لحمايتك من سقوطٍ وشيك. ومراجِلُ العرض قد نضتْ عنها كلَّ الأغطية، لتخبو...
    لم يبدُ اليوم كأيّ يومٍ آخر منذ أن استيقظ. شيءٌ ما، غامضٌ، يسوقه إلى الركض نحو وجهةٍ مجهولة. أخذ يدور في صالة بيته ملتفًّا بروبه، متّكئًا على عصاه. ضوء بسيط من النهار يتسلّل من وراء الستارة المهلهلة. مازال الوقت مبكّرًا، فهل يعود إلى النوم؟ في...
    هذا المكانُ الحارُّ، بذبابِه، وبالضغط الذي يمارسُه على طبلة أذنيّ، يثيرُ فيَّ الشعورَ الذي طالما تملّكني: شعورَ أنّني أسكنُ في واحةٍ إسمنتيّة، ضائعةٍ شرقَ النهر، في قلب العاصمة المكتظّة؛ واحةٍ تعجُّ بالملل، ورتابتُها تجعل من أيِّ ضيفٍ حدثًا...
    لا أذكرُ نفسي إلّا وأنا أرافق والدتي في زياراتها له، وأحظى بغنجِه ودلالِه وهداياه من المنحوتات الصغيرة المذهلة. لطالما ذكّرني بجَدّ "هايدي" (الشخصيّة الكرتونيّة الشهيرة). وكم كنتُ أتباهى أمام صديقاتي بأرانبي وأحصنتي وكلابي الخشبيّة، المنحوتةِ...
    ــــ المزيد من الثلج رجاءً. قلتُ للنادلة وأنا أراقب مؤخّرتها تتمايل صعودًا ونزولًا. خطر في بالي أنّ عملها في هذا المكان ــــ وفي هذه المدينة البائسة ــــ قد يكون، بشكلٍ ما، نتيجةً للحرب اللعينة. وقد تكون مهجَّرةً مع أهلها من منطقةٍ أكثر سخونةً...
    إذا جاء طُردوا من الأرض بموجبِ وعد. جاسوا خلال الديار بفضلِ عهد. يتناحرون ليصبحوا ألفَ بلدٍ وبلد. يتناصرون ليَسعد ولدُ الولد. ويستقبل الفريقان قبلةَ الصمد.   الأكداس طأطأ رأسَه في ذلٍّ وقال: "من فضلك سيّدي، قليل من الفول المدمّس... ولو مع قليل...
    رنّ الهاتف بقوّةٍ قرب أذني. استيقظتُ فزعًا وصرختُ بأعلى صوتي: "أغلقوا هواتفَكم كي ننام قليلًا." تيقّنتُ من أنّ جهازي هو الذي يرنُّ بجانبي. ضغطتُ على أوّل زرٍّ لامس إصبعي، فتوقّف عن الرنين، وعدتُ إلى النوم. لا أدري كم تحرّك عقربا الساعة الكبيران...
  دَخَل الغرفةَ كريحٍ أفقدتِ النافذةُ عُذريّتَها. رفع المسدّسَ بهدوءٍ وثقة. أفرغه في جسدِ أيهم، الذي غَرِق في الكنبة التي تشرّبتْ دمَه كإسفنجةٍ أصليّة. تجمّدنا كلُّنا، وكأنّنا في فيلمٍ أوقِفَ من أجل صنع وعاء بوشارٍ جديد. لكنّنا تجمّدنا بلا وعينا......
    مضى وقت طويل مذ كتبتُ آخرَ رسالةٍ بخطّ يدي. كانت رسالةً غراميّة "غبيّة،" فيها اعترافٌ بالحبّ. أذكر أنّني رسمتُ، أسفلَ الورقة، قلبًا صغيرًا مُحاطًا بالأزهار، ووضعتُ تحته اسمي بأحرفٍ إنكليزيّة. كنتُ مُراهقةً لم أتجاوز الرابعةَ عشرة، وأقصى أمانيَّ...
    كان الشيخ سبهان يفتخر، بين أصحابه العرب والأجانب، بأنّه يمتلك أكبرَ تمساحٍ في العالم في مزرعته الأشهر، في الشرق الأوسط، بين مزارع التماسيح التي انتشرتْ بكثرة في دول المنطقة. ذلك أنّ جلود التماسيح أصبحتْ من أكثر الجلود استخدامًا في الآونة الأخيرة...
    ــــ سأشتري من عمركَ! ليس كلّ عمركَ، لا سمح الله؛ فأنا لستُ بقاتل. فقط بضعة أعوام تعينني على إنجاز الأعمال الضروريّة التي لن تسمح لي شيخوختي بإتمامها. صدّقني، لا بدّ لي من الحصول على مساعدتكَ الكريمة لمحاربة هذه الشيخوخة، وستأخذُ ما يرضيك مقابل...