قصة قصيرة

    تك تك. تك تك. ـــ اذهبي وانظري من وراء الباب، تقول أمّي لأختي الصغيرة. ـــ إنّه الغريب، تردّ عليها أختي. ـــ انزلي وأساليه إنْ كان يريد قمحًا. لا نقودَ لدينا اليوم لنعطيه. تنطّ أختي الصغيرة على الدرج كعادتها. وقبل أن تفتح الباب تصيح: ـــ من؟ ـــ...
    ...وقد تبيّن لي، بعد تأمّل وتفكير، أنّ للسُّحُب هيئةَ الحلوى الهلاميّة. بيْد أنّني رسمتُ لها في عقلي صورًا أخرى أكثرَ غرابة: كإوزّةٍ حلوةِ المذاق، أو كوساداتٍ بيضاءَ تطير وتنثر السكَّرَ على البسيطة. كنتُ أقتفي أثرَ السُّحب كلّما وجدتُني بين...
    دخل أبو محمّد غرفتَه الصغيرة، الملاصقة لباب مقبرة المدينة الفاخرة، المكتظّةِ بأموات الدرجة الأولى من سكّان العاصمة. أوقد مدفأةَ المازوت، وانتظر انبعاثَ الدفء من حوافّها المتآكلة. لم يعرف أبو محمّد، خلال أعوامه السبعين، من الدفء والحنان سوى دفء...
    مُقيّدًا إلى هذا العالم بمجموعةٍ من الأسلاك الملوّنة، تلتصقُ نهاياتُها في مختلف أنحاء جسدي، وتمتدُّ إلى الطرف الآخر حيث الكثير من الأجهزة، أقضي الساعات مراقِبًا ما يدور حولي. أرى الناسَ قادرين على السير، قادرين على الالتفات. يضحكون. يرفعون...
    "اسمعي... اسمعي..." قلتُ لها بين أنفاسٍ متقطّعة وأنا أكتم ضحكتي، "أوّل شِي، نبعث راما ورهام لجنب مكتبة عادل، ماشي؟" هزّت برأسها، وأخذتْ نفسًا طويلًا. أعادت ترتيبَ القوس على شعرها. انتظرتُها حتّى انتهت، وأكملتُ: "رشا ومريم ستقفان عند البيت...
    ينفتح البابُ الكبيرُ بصريره المكتوم. تبرز من ثلثه العلويّ قبضةٌ صدئةٌ ترتكز على كرةٍ نحاسيّةٍ بهتَ لونُها، تعانقُ خشبَ الباب العتيق. أنحدرُ عبرَه إلى المدخل المعتم. تغزوني رائحةُ عطنٍ قديمٍ. في الركن، ينتصب زيرٌ [جرّةٌ] منتفخٌ بالماء، يرتاح على...
    مُذ علمتْ مَيّ بلائحة تبادل الأسرى والمعتقلين التي اتُّفق عليها بين المعارضة والنظام، عملتْ جاهدةً مع أصدقائها، ممّن تبعثروا في دولٍ أوروبيّةٍ مختلفة، كي يُدرَجَ اسمُ زياد ضمن قائمة المفرَجِ عنهم سنة 2014. في الأثناء، كانت تتنقّل بين غرفةٍ وأخرى...
      المنبِّهُ اللعين يوقظني. أتحسّس الفراش. لا دمية. تطاردني الأحلامُ من جديد. ما هذا الضجيج؟ طفلتان تتشاجران. تتّجهُ إحداهما نحوي قائلة: "ماما، لولو لم تَجْهز بعد. تنتظرك لتمشّطي شعرها." أردّد باستغراب: "لولو؟! أنتِ مَن أفسدها. أصبحتْ في العاشرة...
    نظرتْ إلى شاهد القبر الحجريّ والدمعُ ينفلتُ من عينيها: ما أوحشَ هذه الحياةَ حين يُغادرها الأحبابُ! مرّرتْ كفّها في خشوع فوق الإسمنت الذي يرقد تحته: أستودعُكَ الله. سأعود إليك مرّةً أخرى ببعض الورود. وانقلبتْ راجعةً إلى دارها في كمدٍ. *** عند...
    قال جدّي: ــ عند الله، لا يضيع حقٌّ يا سِيدي! ولكي يؤكّد قناعتَه الراسخةَ تلك، فقد أعلن ــــ وهو يضرب الأرضَ بعكّازه القويّ ــــ أنّ "كلّ خُطوة تمشيها للجامع الكبير محسوبة في ميزان حسناتك." ثمّ أضاف: "والملاك اللي عَ كتفك اليمين يَحْسب كلّ خطوة...
    يرمي العم أحمد حجرَي النرد بعصبيّة أملًا في الحصول على"بيش، دورت"(1)ــ  فرصتِه الوحيدة للنجاة من الخسارة المُحقّقة ــ إلّا أنّهما يستقرّان على "سي، دو."(2) يبتسم الأستاذ منير، ويرمي النرد هو الآخر ليحصل على ما يُنهي اللعبة، فينفجرُ العمّ أحمد...
      تشعر سيّدةُ القصر الرماديّ بالنهاية قبل الأوان؛ فلقد حصلتْ على تلك الحاسّة الثامنة جرّاء معاناتها آلافَ السنين مع الرجل. لذلك انزوتْ في جناحها، وأخذتْ تستهلك جوّالاتِها الخمسةَ بكامل طاقتها. في مقدّمة المبنى الخاصّ لرئيس الجمهوريّة، كان يقف...
    كانت تسير ملهوفةً حتّى وصلتْ أطراف المخيّم. بانَ لها مجلسُ الرجال على قمّة الكثيب، وقد شكّلوا حلقةً حول الشيخ عبد الله. ومن بعيدٍ، طالعتها العيونُ مستنكرةً. انتبه الشيخ الذي كان مستغرقًا في شرح الآي الحكيم، فرفع وجهَه الوقور إلى ما يتطلّعون إليه...
    هربتْ مقدّمةُ القصّة التي كان يكتبها. رآها وهو مستلقٍ على الأريكة تتمطّى على شاشة حاسوبه، فلم يأبهْ. عرف أنّها تريده أن يتابعَ الكتابةَ كي يضع شخوصًا وخاتمةً لها، ثمّ يضمَّها إلى أخواتها في المجموعة. كان ينظر إلى السقف تارةً، وإلى السماء...
    عاش منصور سبعةً وستّين عامًا، ولم يمت كما خلقُ الله، بل أصيب بطعنةٍ في ظَهره، ذات ظُهرٍ قائظ ورطب من شوّال سنة 1070 للهجرة. ومَن طعنه هو والدُ الصبيّة التي أكلها في ظلال الوعور، وحملتْ منه في بطنها ذئبًا، كما تناقل أهلُ المنطقة أسطورته في ما بعد...