قصة قصيرة

    يوم أخبرتِني أنّكِ رأيتني في حلمكِ، أعاتبكِ على ابتعادِكِ القسريّ، عزمتُ على رؤيتكِ. وجدتُها فكرةً رائقةً أن أحلمَ بكِ كلّ يوم. ولُمتُ نفسي لغفلتي عن أحد أعظم فنون الاستحضار وأيسرِها. لكنّ "أيسر" السبل لم يكن يسيرًا جدًّا، لأنّ الأحلام تَحْضُرنا...
    يتّصل أبي ليسألَني إنْ كنتُ أرغب في مرافقته إلى البحر لصيد السمك بالسنّارة. كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكنتُ أتهيّأ للنوم. قلت بعفويّة: "صيد السمك؟" أجابني بأسلوب الأفلام الغربيّة: "ما الذي لم تفهمْه؟" بعد دردشة قصيرة اتّفقنا على أن...
    "لن تتزوّجها!" هكذا قال لي كلُّ مَن أخبرتُه عن حبّي: أبي، أمّي، أخواتي، أصدقائي، شيوخُ المساجد التي مللتُ من تغييرها بعد أن زار أبي مساجدَ الإسكندريّة وحكى عن معصيتي، فابتسموا لي بسماجة، وأخبروني بدورهم أنّني لن أتزوجها. تركتُ لهم المساجدَ،...
    ربّما كان محلّ الحاج بكري السيّد، لبيع سمك الزينة والأكواريوم، هو السبب في ولع طارق بالكائنات المائيّة وعوالمها. كان يمرّ بجانب المحلّ يوميًّا، وهو في طريقه إلى المدرسة. يقف طويلًا أمام واجهته، متأمّلًا ما تتيحُه له من أسرار هذا العالم المائيّ...
    في الغابة القصيّة، على أطراف العاصمة المترفة في أوروبا، التقيا: مهاجرٌ غيرُ شرعيٍّ، أتى من بلادِه الغارقة في الفقر والبطالة؛ وابنةٌ لأبوين عيونُهم زرقٌ من سلالةٍ أوروبيّةٍ نبيلة. بينما كان يسير متأمّلًا الأشجارَ الضخمة والسماءَ الضاجَّة بالغيوم...
    عندما أستيقظُ كلَّ يوم أجد الشرَّ قد زاد قليلًا. من المؤسف أن أفيق لأجد أنّ كلّ شيء في العالم قد تغيّر، وأنّني مازلت معلّقًا بذاتي. لو كان في وسعي أن أتغيّر بالسرعة التي يتغيّر فيها العالمُ، لصرتُ سعيدًا، ولحقّقتُ الغايةَ القصوى: أن أكون أنا...
  المنطقة الحمراء كنتُ كلّما أحسستُ بالجوع، أفكّرُ في شوربة العدس. شيء سحريّ يجذبني إليها. لأكُن صريحًا؛ فأنا أحبّ أشياءَ كثيرة: النبيذَ والنساءَ والبروباغاندا. وأحبّ اللهَ والتاريخَ والديمقراطيّة والكركديه وتامر حسني وورقَ التواليت ماركة سوان. كما...
  لم أكن واثقة بأنّ موعدي الثالث مع الأصلع سيختلف عن سابقيْه. باستخفافٍ لصيقٍ بشخصيّته، ردَّ على مكالمتي المُعاتبة أمس، قائلًا: "انتظريني قرب المطعم الصينيّ في شارع مونو، عند التاسعة مساءً." وأقفل الخطّ. مضت أربعة أشهر على كتابتي "بورتريه" عن...
    "أستطيعُ الاختفاءَ متى أشاء": هذا ما كانت تتباهى به مينا. وكنّا نتعجّب منها قائلين: "لم نركِ تختفين مرّةً يا مينا!" فتجيب: "وكيف ستروْنني وأنا مختفية يا أغبياء؟" تلك كانت حجّتَها التي ترمينا بها، ثمّ تغيب ليومٍ أو بعض يوم، لتظهرَ فجأةً وتخبرَنا...
    تَلْطش الفكرةُ رأسَ جواد المأمون الذي يتقلّب فوق الوسادة. تتشظّى أفكارُه خلف احتمالات عدّة، يبدو كلٌّ منها منطقيًّا ومعقولًا. ماذا سيفعل بهذه اللقية؟ هل يهملها ويعيدها "صمديّةً" على الرفّ؟ أمْ يُعمِلُ عقلَه ليُحْسن استغلالها؟ كان يُفرغ محتوياتِ...
    خدعني المدعوّ عبد الهادي ــــ لا أريد أن أذكر كنيتَه حتّى لا أسيء إلى عائلته ــــ وخان الأمانةَ. فقد اتّفقتُ معه على بناء شقّة إضافيّة على سطح بيتي، وكان قد دلّني عليه تاجرُ إسمنت وحديد وموادّ بناء، وهو يقيم على مقربة من ذلك المحلّ. اشتريتُ...
وددتُ لو أستيقظُ في صباح يومٍ باردٍ لأجدَ نفسي على فراشٍ أرضيّ من دون غطاء. أفتحُ خزانتي التي كانت ممتلئةً بالملابس، لأجد قطعةً ممزّقة. أرتديها وأرتادُ جامعة الحكومة. أجلسُ بين أصدقائي على مقاعد الدراسة، حتّى انقضاء وقت دوامي اليوميّ. ثم أقف في...
  صبيحةَ يوم عيد. رائحة زكيّة تملأ الأمكنة. تصاحب الكثيرَ من الضحكات والأحاديث الممتدّة عبر الشارع الطويل، شارع لعطيلة. خلفهم، ظلَّ وجهُ طفلٍ مكفهرًّا. تهتزّ مقلتاه بعنف، وتنساب آلامُه كعبراتٍ تسقط على ظهر خروفٍ كان بجانبه. ظل يعانقه، وقد بدا عليه...
    عليَّ أن أعترف أنّه كان خيارًا لا علاقة له بالصواب. وعليَّ أن أصارح أمّي بما يجري معي، علّها تدعمني في أخذ قرار الانفصال عن رياض. *** كالعادة استيقظتُ. ملابسُه محضّرة منذ ليلةِ أمس. الفطور الصحّيّ الذي يحبّ، مع فنجان زهورات بارد. انطلقَ إلى عمله...
    ثمّةَ ديكٌ يصيح. فعلى الرغم من أنّ البيت الذي أقطنُه يقع في منتصف العاصمة، فإنّ أهالي الأحياء المجاورة، منذ بداية الحرب، تبدَّلوا بشكلٍ مريع. فلقد هاجر معظمُ سكّان الأحياء والأبنيةِ المحيطة، واحتلَّها ريفيّون، بعضُهم مقاتلون. المتمركزون في الحيّ...