صبيحةَ يوم عيد.
رائحة زكيّة تملأ الأمكنة. تصاحب الكثيرَ من الضحكات والأحاديث الممتدّة عبر الشارع الطويل، شارع لعطيلة.
خلفهم، ظلَّ وجهُ طفلٍ مكفهرًّا. تهتزّ مقلتاه بعنف، وتنساب آلامُه كعبراتٍ تسقط على ظهر خروفٍ كان بجانبه.
ظل يعانقه، وقد بدا عليه خوفٌ رهيب.
ــــ أبي، أين تأخذه؟
أحرج الوالدَ السؤالُ، فأرسل نظراتٍ ضاحكةً إلى مَن حوله، وطلب من الابن البكر أن يعيد أخاه الصغير إلى الدار، ويصدّ عليه الباب.
ــــ أحكمْ إغلاقَ الباب!
قاوم الصبيّ بشدّة. وفتح الباب. وأسرع ملتصقًا بجلباب والده متوسّلًا.
اشتدّ بكاؤه حتّى أصبح شهيقًا حادًّا.
ــــ قد صدقت الرؤيا يا أبي. فدع صغيري... وخذ هذا...
تأمّل الوالدُ ما قدّمه الصبيّ: خروفًا أبيضَ صغيرًا من البلاستيك. لعبتَه المفضّلة.
بانت في عينيه رقرقةٌ خفيفة. ملامحُ حزنٍ وأسًى وحنان تنتابه. لكنّ اليوم يومُ عيد، ولا بدّ من أضحيّة.
أصرّ على الابن البكر مرّةً أخرى أن يأخذ الصبيّ، وأن يُحكم إغلاقَ الباب.
ــــ سينسى حين يكبر!
***
لم أنسَ أبدًا.
صبيحةَ هذا العيد، هو ذا صغيري يأتيني من خلف الباب بعد أن قاوم أخاه البكر، لاهثَ الأنفاس، دامعَ العينين، يقدّم لي لعبته المفضّلة: خروفًا أبيض صغيرًا.
ــــ أنا صدّقتُ الرؤيا يا أبي!
بسكرة ــــ الجزائر