ـــــــــ 1 ــــــــ
سِتارٌ يرفرف وأنا معه، وليلٌ يَشْرب الخمرَ حزنًا. كعادتي، تهترئ قدمايَ من السير في دربِ ذكرياتنا. بعدُكَ يشبه اللاجئَ الهاربَ في بحرٍ عميق: زفيرٌ، وشهيقٌ، وجسدٌ مُثقل، ورأسٌ خالَطَه ــــ من العراك مع الأمواج ــــ يأسٌ، ورأسٌ آخرُ في المياه، هو طوقُ نجاةٍ حول طفلٍ غارقٍ، مات الطفلُ ولكنّ الرأس قرّر ألّا يتركه.
فراقُكَ يا عدنان يشبه ضجيجَ الحرب، ونزفَ الدماء، والهربَ من الوطن... وقرار طوق النجاة!
ـــــــــ 2 ــــــــ
كأنّنا على عشبٍ أخضر بات ذابلًا. أو نحفر نهرًا بأظافرنا، لكنّ مذاقه كان ملحًا.
كأنّنا نبني بيتًا من رمل في ساعاتٍ، ثمّ جارَ عليه البحرُ في ثوانٍ... أو كأنّنا نأكل خبزًا فرنسيًّا شهيًّا، ولكن اعتراه عفنٌ، ونحن جوْعى: أنكمل، أمْ نرميه في سلة القمامة؟
سواد القاع يجمعنا، كأنّنا كنّا معًا.
ربّما كنّا شيئًا من كلّ ذلك يا عدنان: كابوسًا لا تتّضح ملامحُه، ولم تحتمله ذاكرتي بسبب مذاقه المُرّ، ولكنّه يحكينا بصمتٍ غاب معك.
ـــــــــ 3 ــــــــ
بيتنا الصغير، وجسدي النحيل الهزيل، وعودي الذي بات عودَ ثقابٍ في نهر، وعشبٌ مبلّل، وأمّي المتكوّرة أمام الحطب المفعم بالنيران. البرد قارس، ولكنّه لا يضاهي الوجعَ والانتظار. أسيرُ خاملةً بشالِ صوفٍ صنعتْه لي أمّي، فأتكوّر في صدرها، وتربّت على كتفي، وتدندن، وتهمس لي بصوت حنون: "ما بكِ؟ ألا تريدين أن ترتدي فستانًا أبيض وتُزفّي؟ لقد مضى من عمرك الكثير، لا تلبسي الانتظار!"
يهرب نفسٌ من سحيق عظامي، وبصوت كالـ"آه" أجيب: "لم يحن الوقت يا أمّي."
بدمعة عالقة تقول: "إذًا تنتظرين أحدهم."
فأهزّ رأسي: "ويـأكلني الحنين... ولكنّه سيعود... حتمًا... إنّهم يعودون أليس كذلك يا أمّاه؟"
ولأنّها تمسح الغبار عن صورة أبي المعلّقة كلّ يوم، فقد كان ردّها أنّ المسافر تأكله الغربة، وأنّ المُنتظر يأكله الغبار.
قالت: "علّقي له صورة، هنالك جزء فارغ في الجدار!"
مصر