أوّلًا: في أهمّيّة السياسة التعليميّة في العمليّة التعليميّة
تُمثّل السياسةُ التعليميّة أحدَ أهمّ أركان السياسة العامّة في جميع الدول، لكونها تتّجه مباشرةً إلى التعامل مع الإنسان بصفته العاملَ المؤثِّرَ والفعّالَ داخل المجتمع. كما أنّ النظام التعليميّ يستمدّ قوّتَه وجودةَ مُخرَجاته من انطلاقه من سياسةٍ تعليميّةٍ ثابتة، تعمل على تحديد الإطار الإجرائيّ، الذي يساعد بدوره في توجيه القرارات والخطط والبرامج التربويّة بالشكل الذي يُسهم في تطوير العمليّة التعليميّة. وهو ما يكسب أفرادَ المجتمع القيمَ والمعارفَ والمهاراتِ التي تساعدهم على تطوير أنفسهم وبناء مجتمعهم.
وتبرز أهميّةُ السياسة التعليميّة في العمليّة التعليميّة من خلال الآتي:
- أوّلًا: الرؤية المجتمعيّة التي تشكِّل إطارًا مرجعيًّا وإيديولوجيًّا من خلال المؤسّسات المجتمعيّة، التي عن طريقها يسعى النظامُ التعليميُّ إلى تحقيق أهداف التنمية العامّة. ذلك أنّ من المسلَّم به أنّ تخطيطَ التنمية في الموارد البشريّة هو نقطةُ البدء في كلّ تخطيطٍ للتنمية الشاملة، وأنّ المتعلِّم هو العنصرُ الأوّل في بناء الحضارة، ومن ثم ينبغي البدءُ به.
ثانيًا: إنّ السياسة التعليميّة تحدِّد العلاقةَ الحتميّة بين التنمية الشاملة للدولة من جهة، وبين التربية والتعليم من جهة ثانية. فالتخطيط للتعليم، والتخطيط للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أمران مترابطان، يؤثِّر كلٌّ منهما في الآخر ويتأثّر به. وقد أصبح التعليمُ متغيِّرًا رئيسًا من متغيّرات النظام العالميّ الجديد، ومعيارًا من معايير القوة والتفرّد والمنافسة، وأحدَ أبرز طرق مواجهة التحدّيات العالميّة في ثورة المعلومات والتكنولوجيا وغيرها من التحدّيات.
ثالثًا: إنّ السياسة التعليميّة هي الأساس الذي يحدِّد حركةَ التربية المستقبليّة للمجتمع في اتجاه الإعداد المتكامل لأجياله وفق المُثُل العليا التي تتبنّاها المجتمعات. كما توفِّر الكفاياتِ النوعيّةَ لكلّ فئةٍ من فئات المجتمع، وبشكلٍ مختلفِ الأبعاد والأعماق؛ ما يُسهم في تحديد المستويات العلميّة، والمهاراتِ والخبراتِ اللازمة، التي يجب أن تتوفّر في كلّ متعلِّم.
رابعًا: إنّ السياسة التعليميّة تُوائم بين إمكانات المجتمع الذي يمكن أن يوظّفَها لصالح العمليّة التربويّة والتعليميّة، وبين الأهداف والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها التربيةُ والتعليم. فلا جدوى من رسم سياساتٍ تعليميّةٍ مثاليّة لا يمكن أن ينهضَ بها الواقعُ التربويّ. لذا، إذا أريدَ للنظام التعليميّ أن يسيرَ قُدمًا، وأن يحقِّقَ الأهدافَ التي تخدم المجتمعَ في ضوء الإمكانات المتاحة، بأقلّ جهدٍ وأقصر فترةٍ زمنيّة، فلا بدّ من وضع سياسةٍ تعليميّةٍ واقعيّة تحدِّد وتوجِّه النظامَ التعليميَّ في ذلك المجتمع. ولا بدّ من أن يوفَّر لتنفيذ هذه السياسة كلُّ ما تحتاجه من إمكانيّاتٍ مادّيّةٍ وعينيّةٍ وقوًى بشريّةٍ عاملة، حتى تفي بما تتطلّبه خططُ تنمية المجتمع.
خامسًا: تُوائم السياسةُ التعليميّة بين متطلّبات المجتمع - وبخاصّةٍ سوق العمل - وبين ما يقدّمُه التعليمُ من تأهيلٍ وتدريبٍ لمُخرَجاته التعليميّة. فلا فائدة من تخريج أفواجٍ تعليميّةٍ ضخمة، لتصبح أعدادًا لا جدوى منها، تعمل على تفاقم البطالة المقنّعة أو المكشوفة.
سادسًا: إنّ السياسة التعليميّة تنظِّم العمليّةَ التعليميّة، وذلك عن طريق التخطيط للمراحل التعليميّة وقطاعاتها، وتعيينِ أهدافٍ واضحة وطموحة لكلّ مرحلة، وتحديد خططٍ زمنيّةٍ لتحقيق التقدّم، وتوضيحِ المبادئ والقيم العامّة التي تسير على ضوئها العمليّةُ التعليميّةُ، وتوزيعِ المسؤوليّات الإداريّة والفرديّة والجماعيّة بما يسهِّل تنفيذَ السياسة التعليميّة ويحقّق التنميةَ الشاملة.
ثانيًا، في المنهج التربويّ والمدرسيّ
أصل كلمة المنهج في الإنجليزيّة كلمة Curriculum، من اللاتينيّة Currere، وتعني مضمارَ السباق؛ أي إنّها المسار الذي يسلكه الإنسانُ لتحقيق هدفٍ ما.
ومن ثمّ، فإنّ المنهج المدرسيّ يتألّف من مجموعةٍ من نواتج التعلّم التي نسعى إلى تحقيقها (Intended Learning Outcomes).
يُفهم من هذا أنّ الأهدافَ السلوكية تُعتبر حجرَ الزاوية في قياس النتاجات أو المخرَجات النهائيّة التي تأتي وفق مسارٍ محدّدٍ سلفًا، تبعًا للسياسة التربويّة المعتمدة والمنشودة.
ثالثًا، في معنى التطبيع لغويًّا
لغويًّا، "طبَع فلانًا على الشيء: عوّده إيّاه." وفي الإنكليزيّة: To normalize is 1) to make normal; 2) to establish or resume (relations) in a normalmanner, as between countries.
رابعًا: في الكتب المعتمدة للغة الإنكليزيًة في المدارس اللبنانيًة
- الكتاب المعتمد في التعليم الرسميّ، وهو صادر عن المركز التربويّ للبحوث والإنماء.
- الكتب المعتمدة في بعض المدارس الخاصّة، وهي من تأليف لبنانيين، وتُطْبع في دُور نشرٍ لبنانيّة.
- الكتب الأجنبيّة المستوردة من دُور نشرٍ أجنبيّة (أميركيّة وبريطانيّة)، وهي تُستخدم في الكثير من المدارس الخاصّة.
خامسًا: في خطورة بعض الكتب الأجنبيّة في مسألة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ
1 – ثمّة خطورةٌ مباشرةٌ في استخدام كلمة "إسرائيل" في بعض النصوص، أو في الخرائط والجداول والبيانات المرافقة لبعض النصوص.
ثمّة خطورةٌ مباشرةٌ في استخدام كلمة "إسرائيل" في بعض النصوص
2 – هناك خطورة غيرُ مباشرة، أو مقنّعة، وهي لا تقلّ خطورةً عن الخطورة المباشرة من حيث التأثير، بل قد تتجاوزها في كثيرٍ من الأحيان. وهي تتجلّى من خلال بعديْن:
أ - المصطلحات والمفاهيم التي تلبس لباسَ "التربية على السلام" أو "حلّ النزاعات بالطرق السلميّة." هذه المصطلحات والمفاهيم ليست إلّا تحايلًا على قبول الذلّ والهوان، وإسقاطًا لمبدأ مقاومة المحتلّ الغاصب للأرض والممتهِن للكرامة.
ب - بعض النصوص، السرديّة خصوصًا، التي تتضمّن معاناةَ اليهود جرّاء المحرقة النازيّة (الهولوكوست)، من دون ذكر تعرّض الشيوعيين والغجر للمعاناة ذاتها في زمن النازيّة، ومن دون التطرّق إلى معاناة الفلسطينيين والعرب عامّةً جرّاء سياسات النازيّين الجدد، أي الصهاينة. نصوصٌ كهذه تستدعي تعاطفًا انتقائيًّا (مع بعض ضحايا النازيّة لا كلِّهم)، وتعاطفًا مع الجلّادين الجدد (الصهاينة) بحجّة معاناتهم أو معاناةِ أجدادهم السابقة.
وهنا تبرز الأسئلة الآتية: مَن يرسم السياسةَ التربويّة في لبنان؟ ما مدى التزامه الوطنيّ؟ ما مدى التزامه القوميّ؟ ما مدى حرصه على القضيّة الفلسطينيّة، ووعيِه للصراع مع الكيان الصهيونيّ؟
سادسًا: اقتراحات وتوصيات
- تعزيزُ الكتاب المحلّيّ بديلًا من الكتب الأجنبيّة ذات النزوع التطبيعيّ.
- التأنّي عند اختيار الكتاب الأجنبيّ، وإخضاعُه لمعاييرَ عدّة، أحدُها بعدُه الكاملُ عن التطبيع المباشر أو غير المباشر.
- تعزيزُ دور الوزارة والمركز التربويّ والتفتيش التربويّ في الرقابة على التطبيع في المناهج والكتب؛ فضلًا عن الأمن العامّ اللبنانيّ؛ على أن تلتزم كلُّ هذه الهيئات بالقانون اللبنانيّ المتعلّق بهذا الخصوص.
- إصدارُ تعاميم وقرارات بشكل دوريّ من قِبل وزارة التربية، والمدارسِ الخاصّة، تُلْزم المعلِّمين التنبّهَ إلى مخاطر التطبيع، وتورد إرشاداتٍ إلى كيفيًة التعامل مع هذا الموضوع في حال وروده.
- إقامةُ ندواتٍ وورش عمل دوريّةٍ للتوعية على خطورة موضوع التطبيع في التربية والتعليم.
بيروت