أسئلة فنزويلّا الصعبة
19-02-2019

 

تطرح الأزمةُ الفنزويليّة، في ظلّ تدخّل الولايات المتّحدة المستمرّ وتهديدِها بالتصعيد العسكريّ، مجموعةً من الأسئلة الصعبة، يتشابك فيها السياسيُّ بالأخلاقيّ.

فإنْ كانت مواجهاتُ العام 2017 بين الحكومة الاشتراكيّة والمعارضة قد أسقطتْ ما يقارب 126 قتيلًا، فكم من هؤلاء قتلهم النظام؟ وكم قتلتْ منهم بعضُ قوى المعارضة، ذات السجلّ الإجراميّ، المدعومة من الولايات المتّحدة، ذاتِ السجلّ الإجراميّ الأكبر؟[1] وهل "الدفاعُ عن النفس" أو عن "الديمقراطيّة" أو عن "المكاسبِ الاشتراكيّة" يبرِّر أعمالَ القتل من هذا الطرف أو ذاك؟ وإذا كانت المنظّماتُ الدوليّة تقدِّر عددَ المعتقلين السياسيّين في فنزويلّا بـ600، فكم من هؤلاء اضطّر النظامُ إلى اعتقاله لتثبيط المؤامرة الأمريكيّة (المعلنة ـــ مهما أراد ملتمسو الأعذار لأمريكا أن يصمّوا آذانَهم أو أن يتضاحكوا، متّهمين الناسَ بعقدة الاضطهاد وهوسِ المؤامرة)؟ وهل تبرِّر مواجهةُ التدخّل الأمريكيّ والدفاع عن مكاسب الاشتراكيّة اعتقالَ الناس؟ وكم من الجرائم والممارسات القمعيّة المنسوبة إلى النظام الاشتراكيّ في فنزويلّا محضُ دعايةٍ إمبرياليّة؟ وكم منها كان ردًّا على التدخّل الأمريكيّ؟ وكم منها جرائمُ حقيقيّةٌ لا ينبغي السكوتُ عليها؟

يصعب علينا كعرب، بعد تجربتنا منذ النصف الثاني من القرن العشرين مع أنظمةٍ تمارس الاستبدادَ باسم الشعب ومصالحه، أن ندافعَ عن القمع الرسميّ بحجّة معارك التحرّر السياسيّ والاقتصاديّ. لكنْ يستحيل، بعد تجاربنا مع أمريكا في مناطقنا وفي أمريكا اللاتينيّة وفي سائر أنحاء العالم، أن ننحازَ إلى الطرف الأمريكيّ، وإنْ حَشَدَ كلَّ مفردات الليبراليّة وحقوق الإنسان، خصوصًا أنّنا نعلم أنّ النظام الذي ستأتي به أمريكا لن يكتفي بارتكابِ جرائمَ قد تفوق أيَّ جرائم منسوبةٍ إلى نظام تشافيز - مادورو، بل سيقوم أيضًا بتفكيك شبكة الضمان الاجتماعيّ الفريدة التي حقّقها تشافيز لفنزويلّا وضمنت التعليمَ والرعايةَ الصحّيّة للجميع. لا نقول هذا تخرّصًا أو تجنّيًا، ولكنْ عملًا بتجربتنا مع الأنظمة التي وضعتْها أمريكا في مناطقنا أو في أمريكا اللاتينيّة، وبناءً كذلك على التاريخ الإجراميّ لليمين الفنزويليّ سواء في الحكم أو المعارضة.[2]

لن أحاول، إذن، أن أجيبَ على أسئلة من نوع "تدخّل أجنبيّ أمِ استبداد داخليّ؟" "عدالة اجتماعيّة أمْ ديمقراطيّة؟" بل سأحاول إعادةَ صياغة هذه الأسئلة، خصوصًا أنّ كثيرًا منها لا يخلو من مغالطاتٍ تغذّيها انحيازاتُ الإعلام، التي لا تنفصل عن انحيازات رأس المال الغربيّ وطمعِه في نفط فنزويلّا، ولا تنفصل عن خوفه من نظامٍ لا يتّبع الأجندةَ الأمريكيّة.

 

أنّ النظام الذي ستأتي به أمريكا سيقوم بتفكيك شبكة الضمان الاجتماعيّ الفريدة التي حقّقها تشافيز لفنزويلّا

 

أسئلةُ الاستبداد

ماذا لو لم تلجأ الثورةُ الفرنسيّةُ إلى الإرهاب الدمويّ؟ ماذا لو لم تَفْتك الثورةُ البلشفيّةُ بمعارضيها؟ لماذا لم يكتفِ كاسترو بالإطاحة بنظام باتيستا، بل أصرّ على احتكار السلطة بعدها أيضًا؟

كلّ هذه الأسئلة تفترض أنّ الثورات أو حركات التحرّر والتغيير أو الأنظمة الاشتراكيّة كان لديها خيارُ فعل ذلك. وحقيقة الأمر أنّ هذه الأنظمة، وغيرَها، حين أرادت التحرّرَ من ربقة النظام القديم، كانت بقاياه لها بالمرصاد. ولهذا كان عليها، لكي تدافع عن مكتسباتها، أن تلجأ إلى ردع فلول النظام القديم وأزلامِهم، وإلى إرهابهم إذا لزم الأمر. الثورة الفرنسيّة وَجدتْ نفسَها في مواجهة مؤامرات البوربون والنبلاء وتابعيهم وحلفائهم في الخارج، فالتجأتْ إلى المقصلة. الثورة البلشفيّة وَجدت النظامَ القديمَ وقوى الثورة المضادّة تنظِّم صفوفَها في "الجيش الأبيض،" فأنشأتْ في المقابل التشكيلاتِ العسكريّةَ والمخابراتيّة، التي صارت في ما بعد نواةَ جهاز القمع الستالينيّ. وفي كوبا، كان محتكرو القصب وأصحابُ كازينوهات القمار على استعدادٍ لتلقّي الأموال والأسلحة الأمريكيّة واستخدامِها لتخريب الثورة (التي لم تكن تقضي على امتيازات المترَفين فحسب بل كانت تقضي بنجاحٍ على الأمّيّة في عامٍ واحد أيضًا). وبالمنطق نفسه، وجد هيوغو تشافيز نفسَه، منذ إعلانه "الثورةَ البوليفاريّة" من رأس السلطة (التي وصل إليها بشكلٍ ديمقراطيّ وبدعمٍ شعبيٍّ واسع)، في مواجهة محاولات انقلابيّة يمينيّة، تقف وراءها الولاياتُ المتّحدة.

خلاصةُ القول إنّ حركات التغيير لا تجلس أمام قائمةٍ من الاختيارات المختلفة، فتختار من باب الترف القمعَ، وإنّما تجد نفسَها في معاركَ قاسيةٍ فورَ أن تَشْرع في تنفيذ أجندة التغيير. ولذا، فإنّ السؤال الذي تفرضه الظروفُ على هذه الحركات ليس سؤالَ الاستبداد أو عدمِه، بل سؤال: كيف نواجه بقايا النظام القديم وشبكاتِ مصالح المترفين؟

من الممكن هنا أن نستفيدَ من نظريّات أنطونيو غرامشي التي تقول إنّ الطبقات الحاكمة لم تعد تتحكّم في مؤسّسات الدول فحسب، بل أصبحتْ كذلك تحصّن نفسَها في المجتمع المدنيّ ــ والمقصود هنا ليس الجمعيّات المموَّلة أجنبيًّا، بحسب تعريف "المـجتمع المدنيّ" القاصر الذي تفرضه العلومُ السياسيّةُ الأمريكيّة، وإنّما المجتمع المدنيّ بمعناه الفلسفيّ كما جاء في كتابات هيغل وماركس؛ أيْ كلّ التشكيلات الاجتماعيّة التي لا تُعتبر جزءًا من مؤسسات الدولة الرسميّة. وبالتالي، فإنّ على أيّ حركة تغييرٍ تريد أن تسلبَ المترَفين امتيازاتِهم أن تواجهَهم، لا في مؤسّسات السلطة وحدها، وإنّما في المجتمع المدنيّ ذاته كذلك. وحتى إن استولتْ حركاتُ التغيير على السلطة (بشكلٍ ديمقراطيّ أو بشكلٍ ثوريّ)، فستظلّ أمامها مهمّةُ مجابهة فلول النظام البائد وبقايا المترَفين وعملائهم المتحصّنين في المجتمع المدنيّ. والأسئلة المطروحة هنا هي من قبيل:

هل يمكن أن تتمّ هذه المجابهة من دون أشكالٍ معيّنةٍ من القمع؟ وإلى أيّ مدًى؟

كانت المعركة الدائرة في فنزويلّا، منذ صعود النظام اللشتراكيّ، بشكل كبير معركةً لكسب الرأي العام، صَبّ فيها الحصارُ الاقتصاديُّ الأمريكيّ في مصلحة المعارضة اليمينيّة. الصراع هنا يدور على صياغة رأي الشعب، وعلى تعريف "الشعب."  ذلك أنّ السَّخط والتأييد يُصنعان، ولا يوجدان من تلقاء نفسيْهما. ولأمريكا تاريخٌ في صناعة السخط ضدَّ الأنظمة الاشتراكيّة والتحرريّة، مستغلّةً ثغراتِ تلك الأنظمة وخطاياها، ومن ثمّ تعمل على استثمار هذا السخط في مشاريع انقلابيّةٍ استبداديّة، متحالفةً مع رأس المال العالميّ. وهذا ما فعلته في إيران سنة 1953، وفي التشيلي سنة 1973، ومع الاتّحاد السوفييتيّ ذاته.

إنّ السؤال الأهمّ المتعلّق بالنظام الفنزويليّ وممارساته هو: هل "القمع" و"الاستبداد" المنسوبان إليه يمارَسان على مستوى المجتمع الفنزويليّ بأسْره، أمْ يمارَسان لتثبيط قدرة المترَفين- والمُستكبرين والمرتبطين بمصالح شركات النفط العالميّة والمخابرات الأمريكيّة - على تعطيل مشروع العدالة الاجتماعيّة الذي بدأه تشافيز ويسعى مادورو إلى الاستمرار فيه؟

ويستتبع ذلك السؤال أسئلة أخرى:

هل مصلحةُ النظام الفنزويليّ تعني مصلحةَ النظام الاشتراكيّ - وبالتالي مصلحةَ الفقراء والمهمَّشين -أمْ تعني مصلحةَ شخوص النظام؟ وهل أنشأ نظامُ تشافيز - مادورو شبكةً من المنتفعين على حساب الشعب؟ وإذا كان قمعُ المترَفين أو تثبيطُهم ضروريًّا من أجل توزيع المال والحقوق والحريّات، فمتى ينبغي التوقّف؟ وكيف نعرِّف الفارقَ بين التثبيط السياسيّ والانتهاكِ الشخصيّ؟ وما هو الحدُّ الفاصل بين قمع المترَفين، والقمعِ على طريقتهم؟ وما الذي يَضمن ألّا تتحوّلَ آليّاتُ القمع، التي تُنتجها الثورةُ لقمع المترفين، إلى آليّات قمع تمارَس على مستوى المجتمع كلّه (كما حدث، للأسف، في الاتّحاد السوفييتيّ)؟

قد تحتاج الإجابةُ إلى أن نخوض في آليّات السلطة ذاتها. فهل على الثورات وحركات التغيير أن تبادرَ إلى تفكيك هذه الآليّات، على ما رأى باكونين وتلاميذُه الفوضويّون، وكما نظر اليسارُ التروتسكيُّ إلى الثورة البلشفيّة، وكما رأى فيلهم رايخ الذي قرأ هذه الآليّات على المستوى النفسيّ؟ أمْ أنّ على الثورات وحركات التغيير أن تحتمي أوّلًا بآليّات السلطة في وجه النظام البائد والثورة المضادّة إلى أن تنتصر عليهما، فتذوي هذه الآليّاتُ من تلقاء نفسها، على نحوِ ما نجد في تأويل لينين لماركس، وفي تفسير ألتوسير للاثنيْن؟

ويعود كذلك السؤالُ القديمُ قِدمَ الاتحاد السوفييتي: هل الاشتراكيّة في بلدٍ واحدٍ ممكنة، أمْ أنّ عليها أن تأتي كمجهودٍ أمميّ؟ هنا علينا أن نلاحظ أنّ اشتراكيّة تشافيز وقعتْ ضحيّةً للنظام الرأسماليّ العالميّ، الذي أدّى إلى تراجع عوائد النفط بسبب تأميم شركات البترول، ما أدّى إلى إفقار الدولة وإلى تنامي السخط، وبالتالي إلى تهيئة المناخ للمؤامرات الأمريكيّة.

 

وضع تشافيز حدًّا للممارسات الإجراميّة، وفرض سياسةً اشتراكيّةً أعادت الأمنَ إلى الشوارع والبطون

 

أسئلة التدخّل الأمريكيّ

من البداية، ومنذ ما قبل الأزمة الحاليّة، لم تنفصل المسألةُ الفنزويليّة عن سؤال التدخّل الأمريكيّ. ولكي لا يأخذَنا هذا السؤال إلى المفاضلة بين "الاستبداد الوطنيّ" و"التدخّل الأجنبيّ،" فإنّ علينا أن نعيدَ صياغةَ السؤال ليكون السؤال عن التدخّل الإمبرياليّ تحديدًا، لا الأجنبيّ عمومًا. فمصطلح "التدخّل الأجنبيّ" يوحي بأنّ معارضة التدخّل الأمريكيّ تنبع من شوفينيّةٍ عِرقيّة أو انحيازٍ أعمى ضدّ"الأجنبيّ،" لا من حقيقة أنّ أمريكا تدير نظامًا إمبراطوريًّا/إمبرياليًّا يقوم على إفقار الأطراف ونهبِ ثرواتها وتدميرِ فرص التنمية والتحرّر فيها، لكي يزدهر على حسابها المركزُ الأورو-أمريكيّ.

ثم إنّ سؤال الاستبداد نفسَه لا ينفصل عن سؤال التدخّل الإمبرياليّ، حتى قبل حالات كوبا وتشيلي وفنزويلّا. ذلك أنّ ما ألجأ الثورتيْن الفرنسيّةَ والبلشفيّةَ إلى الإرهاب الثوريّ لردع الثورة المضادّة قد كان تحالفَ قوى الاستكبار العالميّ لإعادة تنصيب البوربون في فرنسا والرومانوف في روسيا. ثمّ تطوّر النظامُ الرأسماليّ - الإمبرياليّ، وتطوّر معه تحالفُ المستكبرين، ليصبح شبكةً من المصالح المباشرة وغير المباشرة. وأصبحتْ أمريكا اللاتينيّة موطنًا لاثنيْن من أكبر هواجس الإمبراطوريّة الأمريكيّة: النفط والأمن - كما هو الحال مع منطقتنا العربيّة. وكان هذا يعني ببساطة أنّ الولايات المتّحدة لن تسمحَ بأيّ نظامٍ تحرريّ (ديمقراطيًّا كان أو سلطويًّا) في تلك المناطق؛ فهذه الشعوب، إذا امتلكتْ قرارَها، فستنفق عوائدَ البترول على إطعام فقرائها وعلاجِ مرضاها وتعليمِ أطفالها (كما فعل تشافيز)، بدلًا من أن تتركه نهبًا للشركات الدوليّة، وستّتتخذ قراراتٍ سياسيّةً مستقلّةً لا تخضع للإملاءات الأمريكيّة. ولهذا فإنّ أمريكا لن تسمح بأيّ ديمقراطيّة حقيقيّة في الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينيّة.

هنا من الضروريّ أن نذكّر بحقيقةٍ تاريخيّةٍ تحاول الدعايةُ الأمريكيّة أن تسقطَها من الحسبان، وهي أنّ الذي بدأ المجهودَ الدبلوماسيّ والاقتصاديّ والعسكريّ لوأد الديمقراطيّة في فنزويلّا لم يكن سوى الولايات المتّحدة نفسِها. فقد جاء هيوغو تشافيز إلى الحكم بقرارٍ ودعمٍ شعبييْن، وبانتخاباتٍ ديمقراطيّة، ليضع حدًّا لنظام كارلوس بيريز. وكان بيريز قد أفقر الشعبَ وسرق أموالَه، وكان جهازُه الأمنيّ مسؤولًا عن مجزرة كاراكاسو في السنة الثانية من حكمه (1989). وحين أتى تشافيز وضع حدًّا لتلك الممارسات الإجراميّة، وفرض سياسةً اشتراكيّةً أعادت الأمنَ إلى الشوارع والبطون، وفتحت البابَ لمشاركة قطاعاتٍ مهمّشةٍ في العمليّة السياسيّة. فكان ردُّ رجال الأعمال والجناح الرجعيّ من الجنرالات، مدعومين من الولايات المتّحدة، هو انقلابَ العام 2002، الذي أخرج تشافيز من الحكم لأقلّ من يومين، قبل أن يعودَ بدعم الشعب. وبعد أن فشلتْ أمريكا في الانقلاب على الديمقراطيّة، قرّرتْ أن تخنقَها بالحصار الاقتصاديّ، الذي أسخط الناسَ على النظام وتسبّب في أزمة فنزويلّا الحاليّة. وبعد أن خنقتْ أميركا تجربةَ تشافيز - مادورو الديمقراطيّة - الاشتراكيّة، تحاول الآن تقويضَها بالطرق "الديمقراطيّة،" ابتداءً من الحملات الانتخابيّة والدعائيّة إلى الانقلاب البرلمانيّ.

نرفض هنا التسليمَ لأمريكا والاتّحاد الأوروبيّ بأنّ غايدو هو صوتُ الديمقراطيّة، ليس فقط لأنّنا نرفض تعريفَهما القاصر للديمقراطيّة، ولكنْ أيضًا لأنّنا نظنّ أنّ غايدو ليس سوى ميليشياويّ يمينيّ درّبتْه الولاياتُ المتّحدة وجرّبتْه في أعمال العنف والشغب (خلال أحداث 2017) قبل أن تجرّبه في الانقلاب البرلمانيّ.[3] وحتى بمعايير الديمقراطيّة، فإنّ رئاسة البرلمان لا تخوِّل غايدو الانقلابَ على الرئيس. ذلك لأنّ الناس انتخبوه ليمثّلهم في العمليّة التشريعيّة، لا ليستولي على أجنحة السلطة الأخرى، خصوصًا أنّه تولّى رئاسةَ البرلمان لا لتزعُّمه أغلبيّةً ما، بل لتفاهمٍ جرى بين أحزاب المعارضة الفنزويليّة في البرلمان (التي تشكّل معًا أغلبيّة برلمانيّة) يقضي بتداول رئاسته بينهم؛ فلمّا أتى الدّور على غايدو انقلب على البرلمان والرئاسة.[4]

إلّا إنّ إدانتنا لغايدو لا تعني بالضرورة تبرئةَ مادورو، أو غضَّ الطرفِ عن اعتقال المعارضين وعنفِ قوى الأمن إزاء المتظاهرين. وإذ نصطفّ إلى جانب مادورو لمواجهة التدخّل الأمريكيّ والانقلاب اليمينيّ، من دون أن يكون اصطفافُنا تبريرًا على بياض لكلّ الممارسات القمعيّة المنسوبةِ إليه، فإنّ السؤال الأكثر إلحاحًا يغدو الآتي: ما هي طرقُ التحوّل الديمقراطيّ، في فنزويلّا وسائر أنحاء العالم، في ظلّ إصرار الولايات المتّحدة على وأد الديمقراطيّة من جهة، وعلى جعل "الديمقراطيّة" سلاحًا تستخدمه في حربها ضدّ تحرّر الشعوب من جهة أخرى؟

واشنطن

 


[1] من أجل تقدير عدد القتلى من مؤيّدي الحكومة ومعارضيها ومسؤوليّة كلّ طرف، يمكن الاطّلاعُ على الرابط الآتي: https://venezuelanalysis.com/analysis/13081. وإذا كان هذا الموقع لا يخفي انحيازَه إلى النظام، فإنّه  يقدِّم جردةَ حسابٍ أمينة. وعن دور الولايات المتحدة في حثّ المعارضة على العنف، يُنظر:https://grayzoneproject.com/2019/01/29/the-making-of-juan-guaido-how-the-us-regime-change-laboratory-created-venezuelas-coup-leader/

[2] بالإضافة إلى المصادر الواردة في الهامش السابق، يمكن الاطّلاعُ على فصول من جرائم اليمين الفنزويليّ في السلطة ودور نظام تشافيز في القضاء عليها، وذلك في:https://grayzoneproject.com/2019/01/29/the-making-of-juan-guaido-how-the-us-regime-change-laboratory-created-venezuelas-coup-leader/

[4] المصدر السابق.

احمد دردير

باحثٌ وكاتب مصريّ. حاصل على الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا، وعلى الماجستير في النظريّة السياسيّة من الجامعة الأمريكيّة في بيروت. له مقالات ثقافيّة ونقديّة في جريدة الأخبار وعلى موقع حبر، وله تجارب في الإخراج المسرحيّ.