مواليد دمشق . 1971. تخرّج من كليّة الهندسة الميكانيكيّة عام 1996 - اختصاص تصميم وإنتاج. مقيم في دمشق.
تشنّ المنظّماتُ الصهيونيّة في أوروبا والولايات المتّحدة وكندا وغيرها، بالتعاون الوثيق مع وزارة الشؤون الاستراتيجيّة في الكيان الصهيونيّ، حملةَ تجريمٍ وتشويهٍ واسعةً ومُنظّمةً وغيرَ مسبوقة، توظِّف فيها أدواتِها السياسيّةَ والإعلاميّةَ والقانونيّةَ والأمنيّة، ضدّ حركة المقاطعة الدوليّة (BDS)، وضدّ النشاط السياسيّ المؤيِّد للحقوق الفلسطينيّة.
وبرزتْ في الآونة الأخيرة قضيّةُ الرفيق خالد بركات، المقيم في برلين، وتتّهمه "إسرائيل" بمعاداة الساميّة، وتأييد العنف والإرهاب، على حدّ زعمها.(1) وتتّخذ المنظّماتُ الصهيونيّة من نشاط بركات، المؤيّدِ للمقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة، قاعدةَ انطلاقٍ لها في محاولة لوقف نشاطه الثقافيّ والسياسيّ.
وفي 22 حزيران/يونيو الماضي، قرّرت الحكومةُ الألمانيّة اتّخاذَ قرارٍ يحظرُ نشاطَ بركات، ويمنعه من المشاركة في أيّ نشاطاتٍ جماهيريّةٍ عامّة، حتّى نهاية شهر تمّوز/يوليو الجاري.(2) وتَلازَمَ ذلك مع إعلان عدم تجديد إقامته في ألمانيا. هذا القرار، السياسيُّ بامتياز، سبقه إبعادُ المناضلة الفلسطينيّة رسميّة عودة من برلين، ومنعُها من المشاركة في مهرجان بمناسبة يوم المرأة العالميّ في آذار الماضي.(3) وتبعَ هذه القضيّةَ نفسَها، بشهرٍ واحدٍ فقط، إصدارُ مواقف مُعادية للفلسطينيين، من الكتل الحزبيّة الرئيسة داخل البرلمان الألمانيّ، تهدف إلى تجريم حركة المقاطعة واعتبارِها "شكلًا من أشكال مُعاداة الساميّة."(4)
والحقيقة أنّه لا يوجد قانونٌ في ألمانيا يُجرّم حركةَ المقاطعة (BDS)، ولا حزبَ الله، ولا الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. إلّا أنّ الصهاينة وأنصارَهم أشاعوا الأمرَ على نحوٍ تعّمدوا فيه تضليلَ الرأي العامّ، وسوّقوا في الإعلاميْن الإسرائيليّ والألمانيّ أنّ جهودَهم هذه "إنجازاتٌ كبيرةٌ" لوزراة الشؤون الاستراتيجيّة الصهيونيّة.(5) لكنّ ما حدث في الواقع هو أنّ حركةَ المقاطعة وحركةَ أنصار المقاومة تتمدّدان، فكان لا بدّ للكيان الصهيونيّ وحلفائه من أن يشنّوا حملةً واسعةً ضدّهما، حاشرينَ كلَّ أعداء "اسرائيل" في خانةٍ واحدة: فيهجموا على الفلسطينيين والعرب في أوروبا، ويَستهدفوا أنصارَ المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة معًا، ويدينوا الشخصيّاتِ التي تؤيّد الحقَّ الفلسطينيّ، بمن في ذلك اليهودُ الذين يرفضون سياسةَ الاحتلال وممارساتِه في فلسطين المحتلّة. وهناك حملةٌ ضاغطةٌ اليوم - مثلًا - لإدراج "الجناح السياسيّ لحزب الله" والجبهة الشعبيّة على قوائم الإرهاب. غير أنّ كلَّ هذه الجهود الصهيونيّة لا تجد آذانًا صاغيةً حتّى الآن، باستثناء قوى اليمين النازيّ من شاكلة حزب "البديل لألمانيا."
ويعتقد وزيرُ الأمن الداخليّ الإسرائيليّ جلعاد أردان (من حزب الليكود) أنّه يترجم على أرض الواقع شعارَ "الانتقال من الدفاع إلى الهجوم ضدّ حركة BDS،" وهو شعارٌ تعتمده وزارةُ التخطيط والشؤون الاستراتيجيّة التي يترأّسها.(6) لكنْ، بغضّ النظر عن أنّ هذا الشعار هو في حدّ ذاته اعترافٌ صريحٌ بأنّ كيانه يقف الآن في موقع الدفاع، فهل صحيح أنّ هذا الكيان "انتقل الآن" إلى موقع الهجوم في مواجهة حركة المقاطعة وأنصار المقاومة؟
لا يوجد قانونٌ في ألمانيا يُجرّم حركةَ المقاطعة (BDS)
لقد فشل الكيانُ الصهيونيّ في التصدّي لتنامي حركة المقاطعة بشكل خاصّ، الأمرُ الذي جعله يؤسِّس وزارةً خاصّةً تكلّفتْ مئاتِ الملايين من الشواكل.(7) وهو يجنّد العديدَ من سفاراته، فضلًا عن قوًى ومنظّماتٍ وأحزابٍ حليفةٍ له، لمواجهة خطر التحّول في الرأي العامّ الدوليّ لصالح الشعب الفلسطينيّ. ويدرك قادةُ الكيان أنّ اسمَ دولتهم "صار في الوحل" بسببِ ما تمارسة من مجازرَ وحصارٍ في حقّ الشعب الفلسطينيّ؛ بل أصبح اسمُ "اسرائيل" نفسُه رديفًا لنظام الفصل العنصريّ في جنوب افريقيا (نظام الأباتهايد)، وتحتلّ دولةُ جلعاد أردان قاعَ السلّم العالميّ للدول التي تنتهك حقوقَ الإنسان.(8)
كما أنّ الاستقواءَ بالدول الكبرى في محاربة الفلسطينيين والعرب وأنصارِهم في أوروبا، مثلما يحدث في الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وألمانيا وغيرِها، يشير إلى محدوديّة القدرة الذاتيّة لدى الكيان الصهيونيّ في هذا الإطار. ويَعْقد الصهاينةُ المؤتمرَ تلو الآخر في أوروبا والولايات المتّحدة لبحث "الأخطار والتحدّيات" التي تمثّلها حركةُ BDS بشكل خاصّ، وحركةُ التضامن مع الشعب الفلسطينيّ عمومًا. وما يُخيفهم ليس ازدياد التعاطف الدوليّ الشعبيّ مع الفلسطينيين وحسب، بل يخيفهم كذلك الحضورُ الشعبيُّ العربيّ الكثيف نفسه في ألمانيا وأوروبا، ومشاركةُ قطاع واسع من الأجيال الفلسطينيّة الجديدة، ومن الشبيبة اليهوديّة على حدّ سواء، في لجان المقاطعة والمنظّماتِ الطلّابيّة والهيئاتِ الأكاديميّة التي تدعو إلى عزل "اسرائيل" وسحبِ الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها.
تنشر مواقعُ مثل أمريكيّون مُتّحدون من أجل إسرائيل، وإسرائيل اليوم، التقاريرَ التي أرسلتها وزارةُ التخطيط والشؤون الاستراتيجيّة إلى وزير الداخليّة الألمانيّ، وتطالبه باتخاذ مواقف ضدّ حركة المقاطعة والرفيق خالد بركات. وتقول إنّها قد جاءت بثمارٍ مباشرةٍ بعد قرار حظر الكاتب والطلب إليه مغادرةَ البلاد. وحقيقةُ الأمر أنّ هناك قضيّةً منظورةً في المحاكم أمام القضاء الألمانيّ لا غير، أيْ لم يُبتَّ الأمرُ فيها بعد. ومن المفيد الإشارةُ هنا إلى أنّ القضايا التي وصلتْ إلى المحاكم في ألمانيا، وغيرِها من البلدان، لم تُحسَمْ لصالح "إسرائيل" إلّا في حالاتٍ معدودةٍ فقط.
قد تحصل دولةُ الصهاينة على دعم الحكومات والبرلمانات والأحزاب والصحافة، لكنّ مسألة القضاء قصّةٌ أخرى. فهناك صعوباتٌ تواجهها على هذا الطريق لأسبابٍ كثيرةٍ، أهمُّها أنّ الاتهامات التي تسوقها ضدّ نشطاءِ المقاطعة والمقاومة يَسْهُل إبطالُها وتبيانُ عُقمها وهشاشتِها أمام القضاء في بلادٍ لا يزال القضاءُ يتمتّع بحصانةٍ كبرى فيها.
لم يتوقّع الكيانُ الصهيونيّ أنّ يقابَلَ تحريضُه المستمرّ ضدّ كاتب عربيّ في ألمانيا بإطلاق حملةٍ دوليّة واسعة مؤازرة لهذا الكاتب؛ حملةٍ جعلتْ كُبرى المنظّمات الحقوقيّة في أوروبا، ونقابات القضاة والمحامين وأعضاء برلمانيين في ألمانيا نفسها، ولجانًا من الصحافيين والكتّاب والنقابات العمّاليّة، وحركاتٍ وأحزابًا سياسيّة، تعبّر عن تأييدها للفلسطينين ولحقّهم في الرأي والتعبير.(9) كما أصدر النائب ديتر ديم (من حزب اليسار) بيانًا قال فيه، خلافًا لموقف حزبه، إنّ "نقدَ إسرائيل ليس مُعاداةً للساميّة،" وأعلن تأييدَه لبركات.(10)
أصدر النائب ديتر ديم بيانًا قال فيه، إنّ نقدَ إسرائيل ليس مُعاداةً للساميّة، وأعلن تأييدَه لبركات
واختار أعضاء آخرون في البرلمان الأوروبيّ توجيهَ دعوةٍ إلى الكاتب، وإلى منظّمة صامدون التي تقود حملةَ التضامن معه، للحضور إلى مقرّ البرلمان الأوروبيّ.(11) وهو ما دفع وزارةَ أردان إلى أن تستنفر، وأن تطلبَ إلى رئيس البرلمان ديفيد ساسولي "عدمَ تحويل البرلمان الأوروبيّ إلى منصّة للإرهابيين"!(12)
***
وأخيرًا، فإنّ قوننة تجريم المقاطعة والمقاومة يعني تجريمَ حقّ التعبير والرأي. وهذا القانون، إذا صدر، لن يطول شخصًا، أو حزبًا، أو كاتبًا بعينه، بل سيطول كلَّ مواطني الدولة أيضًا. وبعضُ الألمان، من جيل الشباب تحديدًا، لا يقبلون أنْ يكون مسموحًا نقدُ "إسرائيل" داخل "إسرائيل" بينما يمُنعون هم من نقدها في برلين بدعوى "عُقدة الذنْب التاريخيّة" المسلّطة على رقاب الألمان ومجتمعِهم، جرّاء المجازر الرهيبة التي ارتكبها نظامُ هتلر بحقّ اليهود وغيرِ اليهود في المانيا النازيّة إبّان الحرب العالميّة الثانية. كما لن يقبل العربُ والمسلمون في ألمانيا وخارج ألمانيا أنْ يجري تحميلُهم مسؤوليّةَ تلك المذابح التي لا دخلَ لهم فيها، بل كانوا ضحاياها غيرَ مرّة. ولا يقبل الكثيرُ من اليهود تسليعَ المحرقة النازيّة وتوظيفَها في خدمة مشروعٍ استعماريّ صهيونيّ عنصريّ في فلسطين المحتلّة.
اختار أعضاء في البرلمان الأوروبيّ توجيهَ دعوةٍ إلى الكاتب للحضور إلى مقرّ البرلمان الأوروبيّ
إنّ مَن يشارك في المظاهرات الشعبيّة المؤيّدة لفلسطين، في أوروبا وأمريكا وجنوب إفريقيا وماليزيا وغيرها، يسمع شعاراتٍ سياسيّةً من قبيل: "عاشت المقاومة وعاشت المقاطعة،" و"فلسطين ستتحرّر من النهر إلى البحر،" و"هيّا نفكّك النظامَ العنصريّ الإسرائيليّ،" و"سوف يعود اللاجئون إلى ديارهم،" وغيرها. وهو يدرك أنّ هذه الرسائل تخيف الكيانَ الصهيونيّ، وتزيد من أزمته وقلقه وهواجسِه ليس على حاضره وحسب، بل على مُستقبله أيضًا. ومن هنا محاولةُ هذا الكيان، المتنامية، لتشويه نضال المقاومة والمقاطعة وإسكاتِ الأصوات الثوريّة في كلّ مكانٍ تَصدح فيه!
دمشق
1 https://www.frontpagemag.com/fpm/274004/where-bds-and-terrorists-converge-caroline-glick;https://4il.org.il/wp-content/uploads/2019/02/MSA-Terrorists-In-Suits-English-1.pdf
3 - https://mondoweiss.net/2019/04/dareen-alongside-intervened
; https://mondoweiss.net/2019/05/resolution-relationship-palestine/
7 - https://forward.com/fast-forward/391129/israeli-government-oks-72-million-anti-bds-project
8 - تعدّد الأمم المتحدة 38 دولة تقمع "بشكل معيب" المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن هذه الدول "إسرائيل":
و"إسرائيل إحدى أكثر الدول التي يُنظر إليها بشكل سلبيّ في العالم":
"وتقع إسرائيل في المرتبة 144 من أصل 163 على مؤشّر السلْم العالميّ":
http://visionofhumanity.org/app/uploads/2017/06/GPI-2017-Report-1.pdf
مواليد دمشق . 1971. تخرّج من كليّة الهندسة الميكانيكيّة عام 1996 - اختصاص تصميم وإنتاج. مقيم في دمشق.