أكاديميّ، وأستاذ في الحوزة الدينيّة.
شغلت العلاقةُ بين الواقع والمعرفة أوساطَ المفكّرين والفلاسفة. فرأى بعضُهم أنّ العلاقة بين ما يجري من أحداثٍ ترمي بظلالها على أذهان المُشتغلين بأمور الثقافة، وقد يؤدّي فكرٌ ما – بدوره - أيضًا إلى صناعة واقعٍ خارجيّ. وبالنظر إلى الأحداث التي جرت في نهايات القرن الأخير، نجد صعودًا ملحوظًا للحركات الإسلاميّة التي ترتاد أنديةَ السياسة وتسعى إلى إحداث تغييرٍ في واقعها انطلاقًا من تفسيراتٍ محدّدةٍ للقضايا الإسلاميّة. ومن هذه الحركات الثورةُ الإسلاميّةُ في إيران، التي أحدثتْ تغييرًا جوهريًّا في نفوس الشيعة في المنطقة ككلّ.
كان رائدُ الحركة الإسلاميّة في إيران هو الإمام الخمينيّ، الذي ظهر في ستينيّات القرن الماضي داعيًا إلى الثورة على حكم الشاه انطلاقًا من واجبه الدينيّ. فنفاه الشاهُ إلى العراق. وهناك، بنى نظريّتَه في الحكم، وتحوّلتْ هذه فيما بعد إلى كتاب: الحكومة الإسلاميّة.
هذه الأفكار بعد انتصار الثورة في إيران وجدتْ أرضَها الخصبةَ لكي تنمو فيها، وبدأتْ جدليّةُ المعرفة والواقع تحيك نفسَها على أرض إيران. إلّا أنّ القضيّة لم تبقَ محصورةً في هذه البقعة الجغرافيّة، إذ سرعان ما استجاب نفرٌ من شيعة لبنان لنداء الحركة السياسيّة الإسلاميّة، فأسّسوا "الثورة الإسلاميّة في لبنان،" التي تحوّلتْ فيما بعد إلى "المقاومة الإسلاميّة في لبنان."
في ما يلي نتعرّض لنموذجٍ من نماذج تأثُّر الواقع بالفكر، من خلال تناول فئةٍ من شيعة لبنان، تمثّلتْ في حزب الله، نموذجًا للتأثّر بأفكار الخميني. وسنتعرّض أوّلًا لأهمّ الأفكار التي نظّر لها الخمينيّ، وتبنّاها حزبُ الله، ومن ثمّ نرصد آثارَ هذه الأفكار في الشعائر الدينيّة في لبنان، وبخاصّةٍ إحياء ذكرى عاشوراء.
أوّلًا: الإسلام سياسيّ بطبيعته
يعتقد الخمينيّ أنّ الإسلام دينٌ سياسيّ بطبيعته، ويَستدلُّ على هذه الفكرة بعدّة أدلّة:
1 - الرؤية الفلسفيّة القائلة بأنّ الإسلام يمثّل الإرادةَ الإلهيّةَ في الأرض. ولمّا كان اللهُ عالمًا بكلّ مصالح البشر، فلا بدّ من أن يكون الدينُ الذي يرسله إلى الناس مشتمِلًا على كلّ الأمور التي لها دخلٌ في الحياة، ومنها القضايا السياسيّةُ والاجتماعيّة. يقول الخمينيّ في بيان هذه الفكرة:
"[الاسلام] مدرسةٌ على خلاف المدارس غير التوحيديّة، حيث يتدخّل في جميع الشؤون الفرديّة والاجتماعيّة والمادّيّة والمعنويّة والثقافيّة والسياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، ويُشْرف عليها، ولم يهملْ أيَّ نقطة - ولو كانت صغيرةً جدًّا - ممّا له دخلٌ في تربية الإنسان والمجتمع وتقدّمه المادّيّ والمعنويّ. كما قضى على الموانع والمشكلات التي تعترض طريقَ التكامل في المجتمع والفرد..."[1]
يعتقد الخمينيّ أنّ الإسلام دينٌ سياسيّ بطبيعته
2 - النظر إلى النصوص الدينيّة كالقرآن والحديث. يرى الخمينيّ أنّ اهتمامَ هذه النصوص بحياة الإنسان العامّة أكبرُ بكثير من الاهتمام بالجانب الفرديّ (العبادات والطقوس):
"فالآيات ذاتُ العلاقة بشؤون المجتمع تزيد أضعافًا مضاعفةً عن الآيات ذاتِ العلاقة بالعبادات الخاصّة. وفي أيّ كتابٍ من كتب الحديث الموسّعة، لا تكاد تجد أكثرَ من ثلاثة أبوابٍ أو أربعة تُعنى بتنظيم عبادات الإنسان، وعلاقاته بربّه، وأبواب يسيرةٍ أخرى تدور حول الأخلاق. وما سوى ذلك فذو علاقةٍ قويّةٍ بالاجتماع، والاقتصاد، وحقوق الإنسان، والتدبير وسياسة المجتمعات."[2]
وقد أشار الخميني إلى أنْ لا جدوى للإسلام من دون الحكم والسلطة قائلًا: "ماهيّةُ قوانين الإسلام دليلٌ آخر على ضرورة تشكيل الحكومة؛ فهي تدلُّنا على أنّها جاءت لتكوين دولة، تكون فيها إدارةٌ، ويكون فيها اقتصادٌ سليم، وثقافةٌ عالية."[3] ومن ثمّ يستعرض جملةً من النماذج على هذه الفكرة، ومنها: تشريعُ الخُمس. فهذا التشريع يقضي على المسلم بدفع خُمس الأرباح الماليّة والعينيّة:[4]
"[فالخمس] موردٌ ضخمٌ يدرُّ على بيت المال[5] أموالًا طائلةً تشكّل النصيبَ الأكبرَ من بيت المال. ويؤخذ الخمسُ من جميع المكاسب والمنافع والأرباح، سواء في الزراعة أو التجارة أو المعادن والكنوز. ويساهم في دفع ضريبة الخمس بائعُ الخضروات إذا حصل عنده ما يزيد على مؤونته السنويّة المنسجمة مع تعاليم الشرع في الصرف والإنفاق. كما يساهم في ذلك ربّانُ السفينة ومستخرجُ الكنوز والمعادن... وبديهي أنّ هذا المورد الضخم إنّما هو من أجل تسيير شؤون الدولة الإسلاميّة وسدِّ جميع احتياجاتها الماليّة."[6]
ومن هذه الأحكام ما جاء في قوانين الإسلام في تشريع الجهاد وقانون العقوبات.[7]
3 - التدقيق في سيرة النبيّ وخلفائه. يجد الخميني أنّ النبيّ أنشأ دولتَه في المدينة، وأقام الجيشَ، وأبرم الاتفاقاتِ مع اليهود المجاورين، وخاض الحروبَ. وهذا كلُّه يدلّ على أنّ طبيعة الإسلام سياسيّة لا فرديّة: "لقد أقام رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - حكومةً كسائر حكومات العالم، لكنْ بدافع بسط العدالة الاجتماعيّة. والخلفاء المسلمون الأوائل كانت لهم حكوماتٌ متراميةُ الأطراف. وحكومةُ عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - كانت أيضًا لذلك الدافع، على نطاق أوسع وأشمل. وهذا من واضحات التاريخ."[8]
واعتبر الخميني أنّ الفكرة المرسومة الشائعة التي تفصل بين الإسلام والسياسة هي فكرة "استعماريّة،" تسرّبتْ إلى أذهان الناس، ومنهم رجالُ الدين. يقول: "الأعداء رسموا له [للإسلام] صورةً مشوَّهةً في أذهان العامّة من الناس، وغرسوها حتى في المجاميع العلميّة.[9] وكان هدفُهم من وراء ذلك إخمادَ جذوته، وتضييعَ طابعه الثوريّ الحيويّ، حتّى لا يفكّر المسلمون في السعي لتحرير أنفسهم."[10]
هذه الرؤية العامّة ألقتْ بظلالها على بقيّة الأفكار، بل يمكن القول إنّها في بعض الأحيان نسختْ قراءةً حول قضيّةٍ إسلاميّةٍ وجاءت بقراءةٍ أخرى. ولعلّ أكثرَ القضايا تأثّرًا بفكرة "عدم فصل السياسة عن الإسلام" هي قضيّةُ عاشوراء، التي تُعدُّ من القضايا ذاتِ المنشأ التاريخيّ التراجيديّ التي يُحْييها المسلمون الشيعة في كلِّ عام، مستذكرين الأحزانَ والآلامَ التي تعرّض لها الحسينُ بن عليّ، حفيدُ النبيّ محمد، ويقيمون مراسمَ العزاء والبكاء ولبس السواد وغير ذلك. إلّا أنّنا نجد الخمينيّ يرى هذه القضيّة من جانبٍ آخر أو إضافيّ، فيدعو الناسَ إلى أنْ لا يظنُّوا أنّ الهدف من إحياء عاشوراء "مجرّدُ البكاء والتباكي على سيّد الشهداء [الحسين بن عليّ]؛ فإنّ سيّد الشهداء ليس بحاجةٍ إلى هذا البكاء، ولا هذا البكاء في حدِّ ذاته يمكنُه أنْ يفعلَ شيئًا. ولكنّ قدرةَ هذه المجالس على خلق هكذا أجواء جماعيّة حارّة، وتوجيهها لهذه الجموع نحو وجهةٍ واحدة، جعلَها ذاتَ أهميّة وقيمة سياسيّة كبرى."[11]
ثانيًا: أثرُ هذه الرؤية في ممارسة الشعائر العاشورائيّة عند شيعة لبنان
تبنّى شيعةُ حزب الله فكرَ الخمينيّ، واعتبروا أفكارَه النسخةَ الأصيلةَ للإسلام. وبتعبير السيّد حسن نصر الله، فإنّ "من أهمّ إنجازات الإمام [الخميني]... إعادةَ إحياء منظومة القيم الإلهيّة والنبويّة والإنسانيّة والأخلاقيّة في حياة الإنسان والشعوب والأمم، خصوصًا في عقول وقلوب هذه الأمّة."[12] ولم يقف الأمرُ عند الموافقة الفكريّة والنظريّة، بل إنّ أساس قيام كيان حزب الله كان بعد "بيْعة" الإمام الخميني واعتبارِه قائدًا فعليًّا للحزب. ويصرّح السيّد نصر الله بهذا الأمر قائلًا: "إنّ الهيئة التأسيسيّة لحزب الله زارت إيرانَ وبايعت الإمامَ الخميني (قُدّس سرُّه) إمامًا وقائدًا للأمّة."[13]
تبنّى شيعةُ حزب الله فكرَ الخمينيّ، واعتبروا أفكارَه النسخةَ الأصيلةَ للإسلام
وبناءً عليه، فإنّ حزبَ الله سعى منذ بدايته إلى نقل الفكر الخمينيّ ضمن ممارساته الدينيّة بشكل خاصّ. ولرصد آثار فكرة "سياسيّةِ الإسلام" في حزب الله، سنتعرّض لنموذج الإحياء العاشورائيّ؛ وذلك لأنّ هذا الإحياء يُعتبر محطّةً مركزيّةً من محطّات ممارسات الشيعة الشعائريّة في العالم، وقد شهدتْ تبدّلًا جوهريًّا عند مَن تبنّى فكرة "عدم فصل الدين عن السياسة." وسنرصد هذا التغيّر ضمن نقاط.
1 - اللطميّات العاشورائيّة. تُشكّل "اللطميّة" أدبًا عاشورائيًّا خاصًّا بالشيعة. وهي عبارة عن نصّ شعريٍّ مختصّ برثاء الحسين بن عليّ وغيره من أئمّة الشيعة، يجري إلقاؤه ضمن لحنٍ خاصّ، من قِبل مُنشدٍ اسمُه "الرادودُ الحسينيّ،" وتحت منبره يصطفّ الناسُ لاطمين على صدورهم. وتميّزت اللطميّاتُ تاريخيًّا بأنّها أشعارٌ تُبرز البعدَ المأساويَّ للقضيّة العاشورائيّة؛ وهو ما يتجلّى في عناوين بعض القصائد ومطالعها مثل:
- "رفعتُ يا ربّي إليك يدي. يا مَن إليكَ مقصدي، أدعوكَ أرجِعْ ولدي... عليّ، هل قلت أمّي وحدها؟ عليّ، هل تلطم صمتًا خدَّها؟"[14]
- "ما لآياتِ الكتاب تتفرّق؟ قل هو الأكبرُ بالطفّ تمزّق... إنما جئنا لكي نبكي ونجزع: هذا مزّق الجيب، وهذا خضّب الشيب..."[15]
- "أكتب عذابي، انتحابي، اغترابي، ريح الصبا لمّا يهبّ يأخذ كتابي."
- "ماتت الطفلة الأسيرة، وردة عيشتها قصيرة."
- "لا ترد، ما ظلّ أثر، كلّ شيء انتهى بسفركم."[16]
أمّا حزب الله فقد دمج بين المأساة العاشورائيّة والوقائع السياسيّة، خصوصًا في فترة مواجهته للاحتلال الإسرائيليّ. ثمّ تجدّد هذا الأمرُ في المواجهات الأخيرة التي خاضها ضدَّ التكفيريين. بل بدأتْ بعض اللطميّات تصدر حول قضيّة اليمن مؤخّرًا. من هذه النماذج:
- "الجِهَادَ الجِهادْ/ ولّى يومُ الرّقادْ/ فيا مستضعفين/ حيَّ على الجِهادْ (…) شبابَ المسلمين/ يا فدائيّي الدين/ يا عزّ الإسلام/ وأنصارَ الحسين!"
- "يا عاشق الجهاد/ في كربلاء ميدون/ أرهبتَ الأعادي في كربلاء ميدون."[17]
- "يا أبا عبد الله/ نحن أمّةُ حزبِ الله/ في نهج الخميني/ في سبيل الله/ أتينا في عاشوراء لنعزّي زينب/ نبقى في خطّ الحسين ولو قُطّعْنا إربًا…"
- "اليمن أهلُ المراجل رغم جوْر العواذل... رغم كلّ المجاعة، رجالُه بكلّ شجاعة، بقدم حافي تدوس الجاهليّة."
طبعًا هذا لا يعني أنّ صفة اللطميّات المقتصرة على البعد المأساويّ للقضيّة غيرُ موجودة في أدبيّات حزب الله، وإنّما يمكننا الادّعاءُ أنّ هناك نوعًا آخرَ صار موجودًا بقوّة في أوساط الحزب بعد تبنّي الطرح الخمينيّ للإسلام ومنظوره الخاصّ في السياسة.
2 - المسيرة العاشورائيّة. تميّز حزبُ الله بتنظيم مسيرةٍ سنويّةٍ مركزيّةٍ في الضاحية الجنوبيّة يومَ عاشوراء، وذلك بعد قراءة السيرة الحسينيّة الكاملة. ويلاحظ المراقِب أنّ المسيرة تشتمل على النداءات والشعارات والرايات التي تدمُج السيرةَ المذكورة بالمواقف السياسيّة والتوجّهات الحزبيّة: فترتفع أعلامُ اليمن – كما في الآونة الأخيرة - إلى جانب رايات العزاء. وهذا ما دعا السيّد نصر الله إلى القول: "على المسؤولين ترتيبُ المادّة الإعلاميّة المناسبة. وسوف نحمل الأعلامَ اليمنيّةَ إلى جانب أعلام العزاء. كما سنهتف للحسين والمقاومة. سنهتف لهذا الشعب المقاوم والمظلوم."[18] كذلك ترتفع النداءاتُ الجماعيّة ضدَّ "إسرائيل" وأميركا، وغيرها من الشعارات.
تميّز حزب الله بتنظيم مسيرة سنويّة مركزيّة يومَ عاشوراء
وتتميّز هذه المسيرة بأنّها ليست عفويّة، خلافًا للمسيرات القديمة التي كانت عبارةً عن مشيٍ وبكاءٍ ولطم (وهي مازالت موجودةً في العراق وبعض المناطق الأخرى). مسيرةُ الحزب اليوم منظّمة، يشارك فيها الكشّافُ والمواكبُ الأخرى، كمواكب الجامعيين ورجال الدين وغيرهم، وتُختتَم بكلمة للسيّد نصر الله تكون في الغالب تثبيتًا للمواقف السياسيّة بالاستعانة بالشعارات العاشورائيّة.
3- شعارات عاشوراء وإطلاق المواقف السياسيّة. تميّز إحياءُ حزب الله لقضيّة عاشوراء بإطلاق شعاراتٍ لا تنحصر في الجانب العاطفيّ الحزين لِما حصل مع الحسين من قتل وتشريد. ففي كلّ شعارٍ ثنائيّةُ الحزن والمواجهة السياسيّة.[19] وهناك شعاراتٌ تمثِّل أقوالًا تاريخيّةً قالها الحسين (وأصحابُ يوم عاشوراء) يستفيد منها حزبُ الله لإعطاء صبغةٍ دينيّةٍ على التحدّيات والقرارات السياسيّة المفصليّة التي يخوضها الحزب. من الأمثلة على ذلك شعارُ "هيهات منّا الذِّلّة،" الذي قاله الحسين ردًّا على حكومة عصره التي دعته إلى الاستسلام، واستعاده السيّد نصر الله في عاشوراء 2015 ردًّا على التهديداتِ بنشر الانتحاريين والسيّارات المفخَّخة إذا لم ترضخ الشعوبُ الإسلاميّةُ والعربيّة للسياسة الأميركيّة، فقال: "الحسين علّمنا أنْ نقول إنّي لا أرى الموتَ إلّا سعادةً، والحياةَ مع الظالمين إلّا برمًا. وفي هذه الليلة نَستحضر المعركةَ والتاريخَ، ونتّخذ الموقف."[20] وقال: "نحن في مواجهة ’إسرائيل‘، عندما وضعتْنا بين الحرب وبين الذلّ، كُلّنا وقفنا في لبنان وإلى اليوم، ولا زلنا نواجهها، ونقول كما قال الحسين في كربلاء، بين الحرب والذلّة، هيهات منّا الذِّلّة!"[21]
وتُعتبر الخطبةُ العاشورائيّة التي يلقيها السيّد نصر الله في العاشر من محرّم من الخطابات التي تشكّل محطّةً مركزيّةً لإطلاق المواقف السياسيّة بالاستفادة من الحدث التاريخيّ العاشورائيّ. ومؤخّرًا، أطلق نصر الله شعار "ما تركتُكَ يا حسين" على مسيرة العاشر من محرّم، واعتبره شعارًا يمثّل التوجّهاتِ الدينيّةَ والتعبويّةَ التي ينطلق منها الحزبُ لمواجهة داعش وإسرائيل:
"أحبّ أن نُدْخلَ أيضًا... إلى شعاراتنا الحسينيّة، في أيّام محرّم، [شعارًا] غير "لبّيك يا حسين،" وهو [شعار] "ما تركتُكَ يا حسين!" شهداؤنا يقولون اليوم للحسين: "ما تركتُكَ يا حسين." جرحانا يقولون له: "ما تركتُكَ يا حسين." عوائلُ شهادئنا يقولون له: "ما تركناكَ يا حسين." مجاهدونا الذين يملأون الجبهات يقولون له: "ما تركناكَ يا حسين." وأنتم الذين تملأون الساحاتِ قولوا له: "ما تركناكَ يا حسين." فليعرف كلّ العالم، لنعدْ ما قلناه ليلة العاشر ونحن أمام كلّ أشكال التحدّي... والله يا أبا عبد الله، لو أنّا نعْلمُ أنّنا نُقتل ثم نُحرق - وقد أُحرقتْ بعضُ أجساد شهدائنا في سوريا من قِبل هؤلاء الدواعش سابقًا - لو أنّا نعْلم أنّنا نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء ثم نحيا ثم نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء، ويُفعل بنا ذلك ألفَ مرّة، ما تركتُكَ يا حسين!"[22]
وفي عاشوراء 2016 دعا السيّد نصر الله إلى إحياء يوم عاشوراء في سياق الأحداث السياسيّة التي تحدث في اليمن، فقال:
"العنوان الأول: اليمن. ونحن قلنا إنّ مسيرتَنا اليوم في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ومسيراتِنا العاشورائيّةَ في المناطق...، عنوانُها الأساسيّ هو إعلانُ التضامن مع الشعب اليمنيّ المجاهد والمظلوم والصامد والصابر والشجاع ومع قيادته وجيشه ولجانه الشعبيّة."[23]
خاتمة
استطاعت فكرةُ الإمام الخمينيّ بـ"عدم فصل الدين الإسلاميّ عن السياسة" أن توجِدَ تغييرًا في الإحياء الطقوسيّ العاشورائيّ في لبنان عند المسلمين الشيعة. وهذا الأمر لا يقف هنا، بل له نماذجُ كثيرة، منها ما له علاقةٌ بالشعائر، كمسيرة البراءة من المستكبرين في الحجّ، ومنها ما له علاقةٌ بالفهم العمليّ للسياسة والدين، ممّا أرساه الخميني، ويشكّل بمجموعه مبرّراتِ المواجهة السياسيّة والعسكريّة التي يخوضها الحزبُ بشكل خاصّ.
جنوب لبنان
[1] الوصيّة الإلهيّة السياسيّة للإمام الخميني (طهران: مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، 1991)، ص 4.
[2] الحكومة الإسلاميّة، ص 9. تجدونه على الرابط التالي: http://alfeker.net/library.php?id=1162
[3] المصدر السابق، ص 27.
[4] راجع "تحرير الوسيلة،" باب الخمس.
[5] مصطلح إسلاميّ يُطلق على الخزينة الماليّة للدولة.
[6] الحكومة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص 29.
[7] نفسه، ص 31 – 32.
[8] الوصيّة الإلهيّة السياسيّة، مصدر سابق.
[9] يقصد بها الحوزات الدينيّة.
[10] الحكومة الإسلاميّة، ص 8.
[11] صحيفة الإمام (طهران: مركز حفظ ونشر تراث الإمام الخميني، ج 13، 1979)، ص 235.
[12] خطابه بتاريخ 21/06/2010.
[13] 12/02/2017.
[14] لطميّة للرادود باسم الكربلائي https://www.youtube.com/playlist?list=PLj1bp-fCRw3e3G48Nr9z34dVZg3pvQgQm
[17] ميدون: قرية تقع في منطقة البقاع الغربيّ، حدثتْ فيها مواجهةٌ مع الاحتلال في الثمانينيّات.
[18] خطاب 12/10/2016. https://bit.ly/2lKyf2T
[19] راجع ملحق رقم 1.
[20] خطاب ليلة العاشر من محرّم سنة 2015.
[22] كلمة السيد نصرالله في العاشر من محرّم للعام 2017.
أكاديميّ، وأستاذ في الحوزة الدينيّة.