كنتُ قد قرّرتُ أن أقتل العقربَ بطريقةٍ مُثيرة. خطّطتُ لكلّ شيء، وأعدتُ الأحداثَ في مخيّلتي آلافَ المرّات. وفي كلّ مرّةٍ كنتُ أزيد تفصيلًا، وأهمل آخر. حتّى بدت العمليّةُ شبيهةً بجريمة كاملة.
القصّة ابتدأتْ حين كنت أقف في ظلّ خزان المياه الأسطوانيّ العملاق الذي زُرع بفظاظة في الجهة الشماليّة للمعسكر. وكنّا في فترات الاستراحة القصيرة نتسابق لنقف في ظلّه، حيث المياهُ الراشحةُ تضفي بعضَ البرود على ذاك الجوّ الصحراويّ.
كنتُ أدخّنُ حين مرّ أمامي، والإذاعةُ الرئيسة تصدحُ بأغانٍ وطنيّة: "سوريا يا حبيبتي أعدتِ لي كرامتي أعدتِ لي حريّتي..."
لم أتحرّكْ، معتقدًا أنّ العقرب سيحيدُ عنّي. لكنّه لم يأبهْ بي، وبدا مستقيمًا في مشيتهِ كشعاع نورٍ: ينكسرُ ولا ينحني.
أنا مَن غَيّر مكانَه، ليمرّ العقرب. وهناك، وفي تلك اللحظة، قرّرتُ أن أقتلهُ.
لم أُطْلع أحدًا على خطّتي، بل كنتُ أنتظره ليخرجَ مرّةً أخرى.
وعندما رأيتهُ، وأنا عائدٌ من الساحة العامّة، تسارعت الأحداث. انتظرتُه طويلًا. كان ضابطُ الأمن يسألني إنْ كنتُ أصلّي، والعقربُ يمرُّ، والوقتُ يمرُ.
أجبتُ الضابط بأنّني لا أصلّي، فابتسم. تركتُه في أطراف الساحة وركضتُ إلى الخيمة، وجلبتُ اللوح الخشبيّ.
حملتُ العقربَ فوق اللوح، وبدأتُ أجري كالمجنون، حتّى بلغتُ تلك الحفرةَ التي جهّزتُها له؛ وكنتُ قد اخترتُها بعيدةً عن خيامنا لأحتفلَ بقتله وحدي.
رميتُ بعض المازوت في الحفرة المملوءة أخشابًا صغيرةً، ثمّ رميتُ العقرب.
كان العقرب وادعًا كأنّه في نزهة.
عود ثقاب، رميتُه فوق الخشب المبلّل بالمازوت.
لم يستوعب العقربُ بدايةً ماهيّةَ الحدث. وحين بدأت الحرارةُ تتصاعد، أشفقتُ عليه وكدتُ أمدّ يدي لأنتشلَه، لكنّني تراجعتُ.
العقربُ استسلم لمصيره، وعندما أدرك أنّه سيموت فضّل أن ينتحر.
لدغ نفسَه، ومات قبل أن يحترق.
***
كيف يموتُ مخلوقٌ بسُمّه الخاصّ، أيتها الطبيعة؟
كيف يمتلك هاتيك الشجاعة، ويقرّر في لحظات أنّ الموت بيديه أسمى وأكثرَ أنفةً وعزّةً؟
أيّها العقرب، كم كنتَ تستحقّ الحياةَ؛ حياةً ما استحقّها كثيرون.
مات العقرب. وفي موته هزمني مرّةً أخرى.
كندا