ازدادت في الآونة الأخيرة النداءاتُ المطالبة بمقاطعة المؤسّسات الاسرائيليّة، والشركات الأجنبيّة المتواطئة معها. وليس مفاجئًا أنّ موجةَ الغضب الشعبيّة، التي تدفع بعجلة المقاطعة العالميّة قدمًا، قد وجدتْ صداها في بلدان دول مجلس التعاون الخليجيّ؛ فقد كانت شعوبُ الخليج من أوائل الشعوب المبادرة إلى مساندة الشعب الفلسطينيّ ونضاله من أجل الحريّة وحقّ العودة وتقرير المصير منذ منتصف ثلاثينيّات القرن العشرين، حين انتفض الشعبُ الفلسطينيّ ضدّ الاحتلال البريطانيّ.
وهذه المناصرة الشعبيّة تستمرّ إلى اليوم، وتتلاقى مع تيّارٍ واسعٍ من الرأي العامّ العالميّ. لذلك سيكون انضمامُ دول مجلس التعاون إلى موجة حملة المقاطعة العالميّة (BDS) تحقيقًا للرغبات الشعبيّة الخليجيّة.[1]
ازدادت في الآونة الأخيرة النداءاتُ المطالبة بمقاطعة المؤسّسات الاسرائيليّة
من مميّزات حملات مقاطعة إسرائيل الحاليّة أنّها ليست مرتبطةً بأيّ دولةٍ أو تيّارٍ سياسيٍّ محدّد، بل هي موجةٌ عالميّة شعبيّة واسعة بقيادةٍ فلسطينيّة، تعبيرًا عن ضمير الأحرار، وتحاكي الموجةَ العالميّة التي ساهمتْ في إطاحة نظام الفصل العنصريّ (الآبارتهايد) في جنوب إفريقيا آنذاك.
إنّ التزام دول الخليج بمعايير "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل" (BDS) تُبنى على المحاولات العربيّة الرسميّة السابقة، التي كانت ذات جدوى ـــــ وإنْ محدودة ـــــ في زمنها. ولكنّها، خلافًا لتلك المقاطعة، حركةٌ عصريّة تراعي "الحساسيّة للسياق،" وتعترف باستحالة المقاطعة الشاملة المطلقة في كلّ الأوقات.
تتناول هذه الورقة ما يأتي: تعريفًا بأهداف الحملة؛ وبإنجازاتها في العالم والخليج؛ وتحديد آليّات المقاطعة وحدودها؛ وتعيينَ إجراءات عمليّة يمكن أن تتّخذها دولُ مجلس التعاون الآن تجسيدًا للرغبات الشعبيّة.
1ـــــ حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS).
أ ــــ أهدافها. تهدف حركةُ المقاطعة إلى الضغط على إسرائيل حتى تنصاعَ لمطالب الشعب الفلسطينيّ، المكفولة بالقانون الدوليّ، وهي: إنهاء الاحتلال للأراضي العربيّة، وتفكيك الجدار، وإنهاء نظام الفصل العنصريّ الواقع على المواطنين الفلسطينيين من حَمَلة الجنسيّة الإسرائيليّة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجّروا منها وفقًا لقرار الأمم المتّحدة 194. وقد جاءت هذه المطالب في "نداء المقاطعة" الصادر من فلسطين المحتلّة باسم الأغلبيّة الساحقة من المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ.(2)
ب ــــ إنجازاتها في العالم. من إنجازات المقاطعة المهمّة في العالم أنّ العديد من صناديق الاستثمار الأوروبيّة، مثل صندوق التأمينات الاجتماعيّة في النروج،[3] والكنيسة المشيخيّة الأمريكيّة،[4] قد سحبتْ أرصدتَها من شركات وبنوك إسرائيليّة، أو دوليّة متواطئة مع الاحتلال الإسرائيليّ. كما أنّ العديد من الشركات الأجنبيّة المنتفعة من منظومة الاحتلال الإسرائيليّ خسرتْ، نتيجةً لحملات المقاطعة، عقودًا واستثماراتٍ تقدَّر بمليارات الدولارات، ما أجبر بعضَها على الانسحاب من السوق الإسرائيليّة، مثل فيوليا[5] وأورانج.[6]
ج ــــ نجاحاتها في الخليج. خلال السنوات القليلة الماضية شهدنا قراراتٍ صادرةً عن جامعة الدول العربيّة، ومنظمةِ التعاون الإسلاميّ، تطالب باستبعاد الشركات المتورّطة مع جرائم الاحتلال، كالشركتين الفرنسيّتين فيوليا (Veolia) وألستوم (Alstom)، وشركة الأمن جي 4 أس (G4S).
تجاوبت المملكة العربيّة السعوديّة مع هذه القرارات من خلال استبعادها شركة Alstom من عقد ضخم (9.4 مليار دولار) كانت قد بدأت العملَ به لبناء سكّة القطار بين مكّة المكرّمة والمدينة المنوَّرة.[7] وبعدها استبعدت الحكومةُ الكويتيّة، وبلديّة كبد، شركةَ فيوليا Veolia من عقدين بقيمة 750 مليون دولار لمشروع النفايات الصلبة،[8] ما أدّى ــــ بالإضافة إلى الضغط العالميّ والخسائر التي ألحقتها حركةُ المقاطعة (BDS) بالشركة ـــــ إلى انسحابها بالكامل من السوق الإسرائيليّة في أواخر العام 2015.
وقد تبعتْ هذا القرارَ نداءاتٌ شعبيّةٌ مشابهة، من داخل المجتمعات الخليجيّة، تندِّد بالتعامل مع شركات متواطئة مع الاحتلال. وجاء ذلك عن طريق مجموعاتٍ محليّة، كحملة "شباب قطر ضدّ التطبيع،" و"الكويت تقاطع" BDS Kuwait. ولقد خاطبت الحملةُ الأخيرة، مثلًا، المؤسّسة العامّة للتأمينات الاجتماعيّة في الكويت كي تسحب استثماراتِها من شركة الأمن G4S لتورّطها العميق في جرائم الاحتلال، وبالفعل أعلن رئيسُ إدارة المؤسّسة بيعَ الأسهم التي كانت تمتلكها في الشركة المذكورة.[9]
2 ــــ استراتيجيّة العمل
عادةً ما تكون حملاتُ المقاطعة في الخليج عاطفيّةً، وتقتصر على مقاطعةٍ استهلاكيّة، ذاتِ طابع فرديّ، لمنتجاتٍ ارتبط منتِجوها بالاحتلال، الأمرُ الذي يَحول دون أن يكون لتلك الحملات تأثيرٌ فاعل. وقد يكون لبعض تلك الحملات مفعولٌ على المدى القصير، إلّا أنّها سريعًا ما تختفي بسبب تركيزها على المقاطعة الفرديّة؛ وهي تكاد لا تحظى بالصدى المؤثّر، ولا تُلحق ضررًا ملموسًا باقتصاد دولة الاحتلال.
ولكنّ النتائج التي حقّقتها حركة BDS تدعونا إلى إعادة تشكيل الحملات في دول الخليج لتكون أكثر فعاليّةً وتأثيرًا.
النتائج التي حقّقتها حركة BDS تدعونا إلى إعادة تشكيل الحملات في دول الخليج لتكون أكثر فعاليّةً وتأثيرًا
فاستراتيجيّة حركة BDS لا تستهدف كلّ الشركات المتواطئة مع انتهاكات إسرائيل للقانون الدوليّ دفعةً واحدة؛ فهذا غير ممكن فعليًّا وغير مستدام. لذا تستهدف عددًا محدودًا من الشركات التي تنطبق عليها المعاييرُ التالية:
1 ــــ تواطؤ الشركة مع انتهاكات إسرائيل. وهو ما يمكّن أنصارَ الحركة من إقناع أوساط واسعة بمقاطعتها، أو سحبِ الاستثمارات منها.
2 ــــ إمكانيّة تشكيل تحالف واسع ضدّ الشركة، خصوصًا إذا كانت تنتهك حقوق مجموعاتٍ أخرى.
3 ــــ إمكانيّة تحقيق انتصار ضدّ الشركة؛ أيْ إنّ ناشطي الحركة لا يطلقون حملة مقاطعة ضدّ شركة أو مؤسّسة إلّا إذا كانت هناك إمكانيّة واقعيّة للوصول إلى هدف الحملة، أو لتحقيق اختراقٍ إعلاميّ أو توعويّ في أوساط الرأي العامّ.
وقد نجحت الحركة في تحقيق إنجازاتٍ مهمّة في الأعوام الأخيرة باتّباع هذه الاستراتيجيّة، ومن خلال تبنّيها منهجًا علميًّا في جمع المعلومات ونشرها، وعدم اقتصارها على مقاطعة المنتجات بشكلٍ فرديٍّ وعشوائيّ، بل أيضًا بالمناداة بسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الشركات الإسرائيليّة، والدولية المتواطئة مع جرائم إسرائيل.
3 ــــ توصيات
استنادًا إلى مواقف دول مجلس التعاون الداعمة لحقوق الشعب الفلسطينيّ، والمندِّدة بخروق "إسرائيل" لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ؛
واستكمالًا لما جاء في البيان الصحفيّ للدورة الثامنة والثلاثين بعد المائة للمجلس الوزاريّ؛[10]
فإنّ تجاهل "إسرائيل" للمطالبات الدوليّة بشأن سياسة الاستيطان، والقمع ضدّ الشعب الفلسطينيّ، والاعتداءات المستمرّة على المقدّسات، يتطلّب موقفًا وخطواتٍ دوليّة وإقليميّة حازمة. وبناءً على ذلك فإنّ حملة BDS تُعدّ إحدى الوسائل التي يمكن لدول مجلس التعاون الإصرار على تبنّيها دعمًا لنضال الشعب الفلسطينيّ عن طريق:
1 ــــ سحب الاستثمارات من الشركات العالميّة، التي تملك دولُ المجلس استثماراتٍ فيها، للضغط عليها كي تنسحب من المشاريع التي تنتهك حقوقَ الإنسان.
2 ــــ تعميم لائحة بالشركات التي تنتهك حقوقَ الشعب الفلسطينيّ على مؤسّسات الدولة، والمؤسّسات الاستثماريّة، كي يجري استبعادُها من المناقصات والعطاءات حتى تُنهي تواطؤها مع الاحتلال.
3 ــــ أنْ تقوم كلّ دولة حسب قوانينها الداخليّة بما تمّ الاتفاق عليه بشأن مقاطعة "إسرائيل" والشركات المنتفعة من الاحتلال والاستيطان.
أدناه تجدون شركتيْن يمكن البدء في مقاطعتهما بالتوازي مع المطالب الدوليّة: Hewlett-Packard وG4S. ولقد تمّ اختيارهما بناءً على المعايير الآتية:
ــــ صراحة انتهاكاتهما لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ في الحالة الفلسطينيّة.
ــــ وجودهما في الأسواق الخليجيّة بشكلٍ واسعٍ، ما يتيح لنا تخييرَهما بين السوق الخليجيّة والسوق الإسرائيليّة بطريقةٍ منطقيّة.
ـــــ وجود حملاتٍ عالميّة ضدّهما؛ ما يعني أنّ التحرّكَ الخليجيّ للمقاطعة سيكون جزءًا من حراكٍ دوليٍّ أوسع، وهو ما يسهّل تحقيق هدف حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات.
Group 4 Securicor G4S
G4S شركة أمن متعدّدة الجنسيّات، مقرُّها في بريطانيا. وهي متواطئة مع الاحتلال في خرق قوانين حقوق الشعب الفلسطينيّ بشكلٍ يوميّ، وتطويرها أنظمة السجون التي يعاقَب بين جدرانها قاصرون ومعتقلون سياسيّون كثر من دون محاكمة. ومع أنّ الشركة، نظرًا إلى الضغوط الكبيرة التي قامت بها حملاتُ المقاطعة والاتحاداتُ الطلّابيّة والنقابيّة في العالم، باعت فرعَها في الكيان إلى شركة محليّة، فإنّها لا تزال متعاونةً مع قوّات الاحتلال من خلال امتلاكها 50% من شركة Policity التي تولّت بناءَ "الأكاديميّة الوطنيّة للشرطة" الإسرائيليّة التي تشمل 20 منشئةً لتدريب الشرطة المذكورة.
تُعدّ شركة HP من بين أكبر الشركات المنتجة للأسلحة والخدمات العسكريّة في العالم،[11] وثاني أكبر مستثمرٍ في مجال تقنيّة المعلومات في الكيان الصهيونيّ.[12] كما أنّها تعاقدتْ مع وزارة الدفاع الإسرائيليّة لتطوير "نظام بازل" وتركيبِه وصيانتِه، وهو نظامُ تحكّمٍ ومراقبة بيومتريّة، ويشمل نظامَ تصاريح آليّة للعمّال الفلسطينيّين يُستخدم في نقاط التفتيش في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة. وتقدّم الشركة الدعمَ إلى مستعمرتيْن في الضفّة الغربيّة المحتلّة لكي تتجاوب مع "النموّ السكانيّ والاقتصاديّ السريع" هناك. ومنذ عام 2006 تشغّل الشركة البنية التحتيّة لتقنيّة المعلومات في الجيش الإسرائيليّ. كما دعمت الحصارَ على قطاع غزّة.[13]