أجرت المقابلة: عُبادة كسر
في ذكرى وعد بلفور قبل أيّام، أُعلِن عن البدء بتحضير مؤتمر فلسطينيّ-عربيّ-أمميّ العامَ المقبل في مدريد، يَقْطع مع مسار مدريد-أوسلو، تحت عنوان "مؤتمر المسار الوطني البديل."[1] خالد بركات كاتب وناشط فلسطينيّ، وعضوُ اللجنة التحضيريّة لهذا المؤتمر. يكتب وينشر باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، وينشط في عدد من المؤسّسات الأهليّة الفلسطينيّة في الخارج. أُبعد من الولايات المتّحدة سنة 2003؛ كما أُبعد من ألمانيا قبل نحو عام، وصدر قرارٌ بمنعه من دخولها لمدّة 4 سنوات بسبب مواقفه المؤيّدة لحركة المُقاطعة والمقاومة. أمّا د. عُبادة كسر، فمديرةُ موقع مجلة الآداب، وهي أستاذةُ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعة اللبنانيّة.
الجدير ذكرُه أنّ هذه المقابلة ستتبعها مقابلاتٌ وحواراتٌ ومقالاتٌ، وربّما ردودٌ مختلفة، تصبّ جميعُها في مجرى الإعداد للمؤتمر المذكور، وفي مجرى تنشيط النقاش في مسألة البديل.
* اختيارُكم اسمَ "المَسار الفلسطينيّ البديل" عنوانًا لمؤتمركم القادم في مدريد في أكتوبر-نوفمبر العامَ المُقبل، ألا يُثير إشكاليّاتٍ في الساحة الفلسطينيّة لأنّه يقترح رؤيةً بديلةً لِما هو قائمٌ اليوم؟
- إنّه دعوة إلى رؤية فلسطينيّة عربيّة بديلة. ولقد انطلقنا من سؤالٍ يتردّد على ألسنة قطاعاتٍ شعبيّةٍ واسعة، ومن أنصار الشعب الفلسطينيّ في غير مكان من العالم أيضًا، وهو الآتي: إذا كان مسارُ مدريد-أوسلو قد وصل بعد نحو ثلاثة عقود إلى الجدار الأخير، وفشلتْ مسيرةُ التسوية والنهجُ السياسيّ الرسميّ الفلسطينيّ، وحَصَد العدوُّ الصهيونيّ مكاسبَ إستراتيجيّةً كُبرى، فما هو المسارُ الفلسطينيّ العربي البديل؟
الحقيقة أنّنا لم "نخترعْ" هذا الاسم. فالمسار الفلسطينيّ العربيّ البديل (وليس المقصود به المؤتمر في حدّ ذاته) مهمّةٌ كفاحيّةٌ شاقّة. السؤال المطروح كبير، وتَصْعب الإجابةُ عنه إلّا بمشاركةٍ واسعةٍ من طليعة شعبنا الفلسطينيّ والعربيّ من المناضلين -- بمن في ذلك الكوادرُ الثوريّةُ في الفصائل الفلسطينيّة، وقادةُ الحركة الأسيرة، والفاعلون في الحركات الشبابيّة والنسويّة والطلّابيّة والنقابيّة، والمثقفون. فمن دون مشاركة الناس، أصحابِ القضية، وبخاصّةٍ النساء والشباب، ومن دون انتزاع دورهنّ/ـم القياديّ المركزيّ في صناعة البديل الوطنيّ الديموقراطيّ، فلن نتقدّمَ خطوةً واحدةً على جبهة الرؤية الوطنيّة البديلة وفي اتجاه مُغادرة الأزمة الداخليّة الفلسطينيّة.
إنّ سؤال "البديل الثوريّ،" في مستواه الفلسطيني تحديدًا، يَفرض علينا الخروجَ من دائرة الحديث المُكرَّر عن "المصالحة" إلى دائرة الحوار الشعبيّ العامّ والمفتوح، الذي يُرافقه تشجيعُ المبادرات الشعبيّة والعمل النضاليّ المُشترك.
كلّ الشعوب التي انتصرتْ على الاستعمار عاشت حالاتٍ مشابهةً من التيه والانكفاء وعدمِ الثقة، ثم وقفتْ في لحظة تاريخيّة فارقة من تجربتها الكفاحيّة واعترفتْ بالحقيقة المُرّة، وبدأتْ تتصدّى لأسئلة الواقع وتبحث عن المسار البديل. وفي الحالة الفلسطينية، فإنّ البديل، كما أفهمُه على الأقل، هو تصويبُ مجرى البوصلة الفلسطينيّة، بالإرادة الشعبيّة، نحو ترتيب الأولويّات الوطنيّة كما يراها الشعبُ الفلسطينيّ، لا كما تراها مجموعةٌ هنا أو مجموعةٌ هناك.
* وما هي هذه الأولويّات اليوم؟
- سأسالكِ بدوري: هل الأولويّة اليوم للوحدة الميدانيّة الشعبيّة والتصدّي لمشروع التصفية، أمْ لـ"مصالحةٍ" هشّةٍ وفوقيّةٍ وغيرِ مقْنعة بين حركتيْ فتح وحماس؟ وهل الأولويّة لإسناد الحركة الوطنيّة الأسيرة في سجون العدوّ ، ولدعم الطبقات الفقيرة في المخيّمات، أمْ لـ"انتخابات" الحكم الذاتيّ المسخ في الضفّة وغزّة؟ وهل الأولويّة لكسر الحصار المتواصل على شعبنا في قطاع غزّة، أمْ لترتيب علاقات قوى السلطة مع النظام المصريّ وقوى الإقليم؟ وهل الأولويّة لحقّ العودة وحقوق اللاجئين ونقلِ ذلك من مجرّد شعار إلى برنامج نضاليّ يوميّ، أمْ لـ"دولة فلسطينيّة" (وهميّة) في الضفّة والقطاع والقدس الشرقيّة؟!
اليوم يعرف الجميع أنّ الكيان الصهيونيّ والولايات المتحدة والنظام العربيّ الرسميّ وبعضَ العملاء المحلّيّين يريدون جلبَ قضيّة فلسطين إلى المسلخ، وقد أصبحتْ أدواتُ الذبح جاهزة، ومسرحُ الذبح بات جاهزًا أيضًا في البيت الأبيض، واسمُه "صفقة القرن،" والهدف المُعلن هو تصفية الحقوق الفلسطينيّة. العدوّ الصهيونيّ، والولاياتُ المتحدة من خلفه، وحلفاؤهما، يعلنون هذا الموقفَ جهارًا نهارًا.
* لكنّ كلمة "البديل" ستثير حساسيّةَ البعض!
- الكلمة يجب ألّا تثير حساسيّةَ أحد، بل يجب أن تدخل قاموسَ الشعب الفلسطينيّ ولغةَ الأجيال الجديدة، باعتبارها مسألةً مُلازمةً لحركتهم التحرّريّة. ينبغي أن تصبح فكرةُ "البديل" طبيعيّةً، ودائمةَ الحضور أيضًا، وتدفع إلى النقد الصريح والتطوير والتثوير حتى إنجاز التحرير والعودة. أمّا "مَن على رأسه بطْحة ويحسِّس عليها" كما يقول المثلُ الشعبيّ، فهذا شأنه!
* سيقال لكم: أين القوى الفلسطينيّة القادرة اليوم على شقّ مسار بديل ثوريّ؟ ثم ألم تروْا أنّ كلَّ الفصائل اتّفقتْ على برنامجٍ أُعلن عنه في رام الله وبيروت لإنجاز "المصالحة" وإجراء الانتخابات وحكومة وحدة وطنيّة؟ سيقال إنكم "تغرّدون خارج السرب."
- نحن فعلًا نغرّد خارج السرب... لكنْ خارج سرب السلطة وفصائلِها التقليديّة الديكوريّة، لا خارج الواقع وحقائقِه، ولا خارج حركة المقاومة الفلسطينيّة في شموليّتها. نحن نحترم كلَّ القوى الوطنيّة المُقاتلة المنضوية في إطار المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة، ولن نغرّد مع قوًى تُجلب بحسب أهواء السلطة في رام الله المُحتلّة!
إنّنا على قناعة راسخة بأنّ طليعةَ شعبنا في الوطن والشتات هي الأقدرُ دائمًا على التغيير الثوريّ وإعلان مرحلة نضاليّة جديدة، خصوصًا حين تصل السكّينُ الصهيونيّةُ-الأمريكيّةُ-الرجعيّة الى الرَّقبة... وقد وصلتْ فعلًا. وطليعةُ شعبنا اليوم، ولا سيّما الشبابُ والجيل الجديد، تملك القدرةَ والإرادةَ على الفعل والقيادة وتحمُّل هذه المسؤولية، إذا كسرتْ صمتَها، ثمّ تقدّمتْ في خطًى موحّدةٍ وثابتةٍ، وتجاوزت المعوِّقاتِ الداخليّةَ، واذا شاركتْ في صنع الوحدة الميدانيّة والبديلِ بذراعيْها وأسنانِها، وإذا صار الوطنُ والشعب (لا القبيلةُ و"المؤسسة") مرجعيّةً لهذه الطليعة الوطنيّة!
* ومَن تقصد بـ"الطليعة الوطنيّة"؟
- نقصد كلَّ النساء والرجال والشباب الذين يحملون القضيّةَ الوطنيّةَ همًّا يوميًّا ومسؤوليّةً نضاليّةً على أكتافهم. نقصد القواعدَ اليقظة وكوادرَنا الصلبة. ونقصد مَن يقاتلون اليومَ في غزّة على الرغم من الحصار، ومَن صنعوا مسيراتِ العودة وكسرِ الحصار بالدم، ومَن يصمدون في السجون وأقبيةِ التحقيق. ونقصد حركتَنا الطلّابيّة التي تتقدّم الصفوفَ في الأرض المحتلّة. ونقصد القوى الحيّةَ في فلسطين المحتلّة عام 48. ونقصد قوًى وحركاتٍ شعبيّةً عربيّةً تناضل على جبهة المقاطعة ومناهضة التطبيع والعمل الشعبيّ. ونقصد أنصار المقاومة الفلسطينيّة في كلّ مكان. هؤلاء وغيرهم يصنعون التغيير. ونحن جزء بسيط جدًّا في إطار هذه اللوحة الواسعة.
* لكنْ دُلّني على جهةٍ رسميّةٍ فلسطينيّة، أو على حزب، بل على مجموعة فصائل، في وسعها اليومَ شقُّ الدرب الصعب نحو البديل الثوريّ من أجل التحرير والعودة؟
- أنت مُحقّة. هذه مسؤوليّةٌ كبيرة! ولا يستطيع القيامَ بها فريقٌ واحد، أو مجموعةٌ واحدة، أو تيّارٌ سياسيّ-فكريّ واحد. لا بدّ من مشاركة الكتلة الشعبيّة الفلسطينيّة الكبيرة بمختلف تيّاراتها الوطنيّة، مدعومةً من حلفائها.
* لكنْ هناك اليوم أيضًا قوًى طبقيّة، وهناك أزلامُ الأنظمة في الساحة الفلسطينيّة، وجماعةُ "السلام الاقتصاديّ،" ومخاتيرُ المرحلة. هؤلاء جميعهم ضدّ التغيير الثوريّ. إن مجرّد ذكر كلمة "بديل" قد يصيبهم بالرعب، فكيف حين يكون المقترَحُ هو مواجهةَ سياسة الاحتلال والخلاص من سلطة الحكم الذاتيّ ومسار مدريد-أوسلو وتحرير المؤسّسة الوطنيّة المختطَفَة؟
- سيّدتي، من حقّهم أن يُصابوا بالرعب! ذلك لأنّ الغضبَ المكتوم في صدور الفلسطينيّين، وخصوصًا في المخيَّمات وجموع الطبقات الشعبيّة المفقَرة التي تكتوي في أفران المرض والجوع والبؤس والتهميش، سينفجر، وسيحرِّرون صوتَهم ويستعيدون قضيتَهم، رغمًا عن أنف الاحتلال والأنظمة والـ 1% من أصحاب البنوك والمليارات وجماعةِ التطبيع وسلطة الحكم الذاتيّ. إنّ ثورة الفلسطينيّين مسألةُ وقت. وساعةُ الصفر يقرّرها الشعبُ نفسُه.
* لكنْ ألا يحتاج التغييرُ إلى قوًى مُنظّمة وإمكانيّاتٍ كبيرة؟
- لطالما كان التغييرُ الحقيقيّ مهمّةَ الثوريّين على مَرّ العصور والأزمنة، ومهمّةَ الأقليّة الثوريّة في بعض الأحيان. غير أنّ الأقليّة التي حاولتْ دائمًا امتحانَ فكرتها و"قرْعََ جدران الخزّان" (بتعبير الرفيق الشهيد القائد غسّان كنفاني) وشقَّ مساراتٍ جديدةٍ نجحتْ في الكثير من الأوقات. ولو أصابها الإحباطُ والقنوطُ والتردّد، لما حصل التطوّر. ولو كانت قويّةً و"جاهزةً" تمامًا وتملك طاقاتٍ ضخمةً، لما بدأتْ، ولما جرت عمليّةُ التغيير أصلًا، ولربّما لم نسمعْ عنها! "الأقلّيّة" تبدأ أقلّيّةً وبلا إمكانيّاتٍ كبيرة، ثم لا تلبث أن تُراكِم قوتَها بالتدريج.
التغيير الجذريّ دائمًا يأتي من خارج السياق المعهود التقليديّ. يولد من القاع ثم يصعد شيئًا فشيئًا، بالتراكم والبناء، لا بقراراتٍ وفرماناتٍ بائسة. كما أنّه لا يأتي بالرغبة والأمل والحلم فقط (على أهمّيّة ذلك بالطبع). التغيير الحقيقيّ تحمله عناصرُ وقوًى سياسيّةٌ واجتماعيّةٌ تعبّر عن مصالح فئات وطبقات ورؤًى جديدة.
لذلك سنعتمد على أنفسنا، وعلى طلّابنا وشبابنا ونساء فلسطين في الداخل والخارج، بل على الأطفال أيضاً. فشعبُنا المناضل يملك تجربةً كفاحيّةً طويلةً وطاقاتٍ هائلة، وهو وحده القادر على صنع التحول المطلوب إذا قرّر. لقد فعلها أكثر من مرّة في تاريخه، فما الذي يمنعه اليوم؟
* وماذا عمّن فقدوا ثقتهم بالشعب الفلسطينيّ وبـ"الطاقات الهائلة" التي تتحدّث عنها؟
- "فَليتنحّوا جانبًا!" هذا ما قاله ذات يومٍ الحكيمُ الدكتور جورج حبش. فليكفّوا عن بيعنا "وطنيّاتٍ" باسم "الحرص على المصالح الفلسطينيّة" وشعارات "مدرسة الواقعيّة السياسيّة" التي صارت تعني صَكًّا صريحًا للاستسلام.
* لماذا لا تعقدون مؤتمرَكم في عاصمةٍ عربيّةٍ بدلًا من مدريد؟
- لن تعثري على منطقة أو عاصمةٍ عربيّةٍ واحدة في وسعها أن تسهِّل لكِ عقدَ مثل هذا المؤتمر، أو تضمنَ مشاركةً حقيقيّةً واسعةً من الوطن والشتات. فما يُسمى "برنامج الحدّ الادنى" نفسه لم يعُد مقبولًا من معظم الأنظمة العربيّة!
الوضع المثاليّ، كما أتصوّر، هو أن يُعقد هذا المؤتمر في حيفا أو القدس أو غزّة مثلًا. ولكن هذا غير ممكن طبعًا. وينسى البعض أنّ شعبنا يعيش في جُزر معزولة وسط حالة حصار شاملة في قطاع غزّة وفي الضفّة المُحتلّة، بل أكاد أقول حالة حصار في كلّ مكان.
* في حديثكم، وفي الدعوة نفسها، يبدو أنّ هناك رهانًا كبيرًا على "الشتات." هل هذا الانطباع صحيح؟
- بالضبط. اليوم أصبحت التجمّعاتُ الشعبيّة الفلسطينيّة في أوروبا وأمريكا الشماليّة والجنوبيّة كُتلًا بشريّةً وازنةً ومهمّة، بل هي أكبر من أن نضفها بأنّها مجرّد "جاليات فلسطينيّة." ولديها أحيانًا هامشُ حركةٍ أوسعُ من شعبنا في فلسطين المحتلّة والمحيط العربيّ الملاصق. على هذه التجمّعات اليوم أن تتحمّل المزيدَ من مسؤوليّتها الوطنيّة. هؤلاء الفلسطينيّون في أوروبا وأمريكا الشماليّة والجنوبيّة وغيرها لم يأتوا من المرّيخ، بل جاؤوا من المخيّمات، ومن عموم قرى فلسطين المحتلّة ومدنِها. ومن حقّهم استضافة هذا المؤتمر؛ بل هذا واجبُهم الوطنيّ أيضًا!
* وهناك تركيز أيضًا على شعبنا في فلسطين المحتلّة عام 48.
- بالطبع! وبصراحة أكثر نقول إنّ أولويّةً خاصّةً سنوليها في هذا المؤتمر لمشاركة شعبنا من فلسطين المحتلّة عام 48. شعبُنا هناك محرومٌ من اللقاء بأهله في غزّة، ومن التواصل مع المخيّمات. وحين نقول "فلسطين المحتلّة عام 48" فإنّنا نقصد الأكثريّة الشعبيّة الفلسطينيّة في الداخل والخارج؛ فهذه تشكّل 80% من الأرض والشعب.
مع ذلك سنعمل على عقد لقاءات جماهيريّة مُوسَّعة في مختلف مناطق فلسطين والخارج، وحيثما نستطيع ذلك، ووفق قدراتنا. كما سنوظّف التقنيات الجديدة في خدمة هذا الهدف.
* هل ناقشتم المبادرة مع الفصائل قبل الإعلان عنها؟
- كلّا. لقد آثرنا أن نتقدّمَ بهذه المبادرة كمجموعةٍ فلسطينيّةٍ في الداخل والخارج. نحن مجموعة قليلة العدد، وبسيطة، وفقيرة في إمكانيّاتها المادّيّة، ولا نتلقّى دعمًا من أيّ جهةٍ، ولا نريدُه أصلًا، إلّا اذا كان مُقدَّمًا من شعبنا ومن أنصاره في إطار توسيع المشاركة الشعبيّة والتحضير للمؤتمر من دون وساطةٍ من أحد.
ولقد استقرّ الرأي على نقاش هذه المبادرة مع أوساط فلسطينيّة شعبيّة وشبابيّة بالدرجة الأولى، ومع بعض المجموعات والمراكز التي تعمل في المخيّمات. هناك لجانٌ فلسطينيّة كثيرة تناضل في صمت، ولا يُظهرها الإعلامُ للأسف في لبنان وسوريا والأردن مثلًا. كما يوجد عشراتُ المناضلين والمناضلات والرموز التاريخيّة الذين تركوا العملَ الحزبيّ، لكنّهم لم يتركوا العملَ الوطنيّ ولا النضالَ الشعبيّ والسياسي. وهناك عدد من المثقّفين الثوريين. وكلّهم جزء من هذه المبادرة.
* ما المطلوب اليوم لتحقيق هدفكم؟
- المطلوب الآن فتحُ باب الحوار الشعبيّ العامّ على مصراعيْه، ولكنْ وفق رؤية منظّمة، لا كحوار الطرشان الجاري في جولات "المصالحة." لذلك منحْنا أنفسَنا سنةً كاملةً للتحضير. وهذا الوقت يكفي، في رأينا، للتواصل والعمل، خصوصًا في ظلّ جائحة كورونا.
نحن ذاهبون إلى الكتلة الشعبيّة الفلسطينيّة. نريد أن نسمع آراءهم وتصوّراتِهم عن الطريق البديل والممكن، وعن المسار الفلسطينيّ الذي يجمع عناصرَ القوة الفلسطينيّة ولا يبدّدها. لن تجدي جهةً أكثرَ حرصًا على فلسطين من الشعب الفلسطينيّ نفسه، فهل تُمْكن حمايةُ حقوق شعبنا من دون مشاركته؟! وكيف يستعيد شعبُنا مؤسّساتِه الوطنيّة المختطَفة من دون أن يقولَ رأيه؟ كيف يحرر صوتَه و"ميثاقَه الوطنيّ" إذا لم يعِ أنّ هذه حقوقه؟ وكيف ينتزع قرارَه المُصادَر؟
جماهير شعبنا التي استمعتْ إلى مواقف الفصائل عن "المصالحة" تسأل اليوم: هل وصلنا إلى وحدة وطنيّة حقيقيّة وانتهى الانقسام؟ هل جرى تطبيقُ أيّ اتفاقيّات وطنيّة توصّلتْ إليها الفصائل من قبل؟ هل استعادت منظّمةُ التحرير عافيتَها وجرى إصلاحُها؟ هل توقّفتْ قوى السلطة عن سياسة التفرّد والإقصاء؟ هل كفّت الأجهزةُ الأمنيّةُ عن ملاحقة المقاومة؟ هل وضعنا حدًّا لـ"التنسيق الأمنيّ" مع العدوّ؟ كيف نواجه القوانينَ التي تجلد شعبَنا وتنتهك كرامتَه كلَّ يوم؟ هل سُحب الاعترافُ الرسميّ الفلسطينيّ بالكيان الصهيونيّ؟ لقد آن الآوانُ لكي يَسمع العالمُ صوتَ الشعب الفلسطينيّ. فهذا الشعب هو صاحبُ القضيّة والأرض والحقوق، وهو وليّ الدم، ومرجعيّة كلّ المرجعيّات.
بيروت-مونريال