احتشد أكثر من ثلاثة آلاف مواطن مساء الأوَّل من أيَّار/ مايو 1970 في "مخيَّم العودة" في جبل الحسين للاحتفال بعيد العمَّال العالميّ، في مهرجان حاشد أقامه تنظيم الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين هناك. وفي هذا المهرجان تحدَّث الرفيق الدكتور جورج حبش إلى جماهير العمَّال والمواطنين.
ودائرة الإعلام المركزيّ في الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين تضع بين أيدي المواطنين النصّ الكامل للخطاب.
دائرة الإعلام المركزي
10/5/1970
أيّها الرفاق العمَّال، أيّها الأخوة المواطنون:
نُقيم هذا المهرجان احتفالًا بعيد العمّال. وقد يقول البعض، وقد قيل لنا فعلًا، "ما شأنكم والعمَّال؟ وما شأن العمل الفدائيّ والعمَّال؟ وما شأن الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين وشأن العمَّال؟" إنَّ الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين تحتفل بهذا العيد، عيد العمَّال، انسجامًا مع خطِّها السياسيّ ورؤيتها السياسيَّة لمعركة التحرير. نحتفل بعيد العمَّال لأنَّنا نؤمن أنَّ الطبقة العاملة هي مادّة ثورة التحرير. نحتفل بعيد العمَّال لأنَّنا نؤمن أنَّ الطبقة العاملة هي قيادة ثورة التحرير، ومن خلال نظريَّتها ومواقفها ومفاهيمها فقط يمكن أن يتمّ النصر وأن يتمّ التحرير. لهذا نحتفل بعيد العمَّال.
أيّها الأخوة المواطنون: هذه العبارات التي نُطلقها أو نكتبها أو نتحدَّث بها حول الطبقة العاملة ــــ والتي تتلخَّص بأنَّ الطبقة العاملة هي مادَّة الثورة أوَّلًا، وقيادة الثورة ثانيًا، ولا يمكن أن يتمّ التحرير إلَّا من خلال نظريَّتها ومواقفها ومفاهيمها ــــ هل هذه العبارات بالنسبة لنا مجرَّد عبارات؟ مجرَّد كلمات؟ مجرَّد فذلكات أخذناها من الكتب نتلهّى بها وندغدغ بها عواطفَ الجماهير؟
إنّني أُعلن هنا باسم الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين، باسم مقاتليها وتنظيمها السياسيّ ولجنتها المركزيَّة، أنّ هذه الشعارات التي نُطلقها ليست بالنسبة لنا كلامًا للفذلكة. إنّها بالنسبة لنا كلام علمي، وثوريّ نؤمن به عن قناعة راسخة، تؤيِّده تجاربُ الثورات الكبرى في العالم أوَّلًا، وتؤيِّده تجاربُنا في فلسطين ثانيًا، ويؤيِّده الواقعُ الذي نعيشه اليوم ثالثًا.
لماذا الطبقة العاملة هي مادَّة الثورة؟
لماذا الطبقة العاملة هي قيادة الثورة؟
لماذا نقول إنّه من خلال نظريَّة الطبقة العاملة فقط يمكن أن تنتصر الثورة؟
ما هي الثورة؟
قد نُعطي للثورة مائة تعريف وتعريف، غير أنَّ كلّ هذه التعاريف لا تغيِّر من جوهرها الأساسيّ الواحد. كلّ ثورة في التاريخ هي ثورة المستغَلّين ضدّ المستغِلِّين، ثورة المظلومين ضدّ الظالمين، ثورة الفقراء والتعساء ضدّ الذين يسبِّبون لهم الفقرَ والتعاسةَ والشقاء. كلّ ثورة في التاريخ هي ثورة ضدّ اضطهاد قوميّ أو اضطهاد طبقيّ.
إذا كانت هذه هي الثورة، فما هي إذن رؤيتنا السياسيَّة لثورة التحرير الفلسطينيَّة؟ من الذي يثور وضدّ من يثور؟ من هم المستغِلُّون الذين يستغلُّون شعبنا، ومن هم المستغَلُّون؟ ما هي الصورة؟ إنَّ الصورة أيُّها الأخوة واضحة أمامنا: في نهاية القرن التاسع عشر، مجموعة من الرأسماليّين اليهود، مستندة إلى نموّ الحركة الرأسماليَّة في العالم، ومتحالفة مع الرأسماليَّة العالميَّة، ومستفيدة من اضطهاد جماهير اليهود، خطَّطتْ لمشروعٍ رأت أنّها عن طريقه تستطيع أن تثبّتَ استغلالَها وتنمِّي رساميلَها وتستمرّ في عمليّة استغلالها للطبقات الفقيرة والشعوب الفقيرة. كما خطَّطتْ لإنشاء دولة يهوديَّة صهيونيَّة في فلسطين، وتحالفتْ مع الرأسماليَّة العالميَّة، وبقيتْ تعمل حتّى استطاعت في عام 1948 أن تُقيم في وطننا دولةَ "إسرائيل" العدوانيَّة مستندةً إلى قوَّة الإمبرياليَّة العالميَّة.
ولكي تحافظ "إسرائيل" والصهيونيَّة والإمبرياليَّة على كلّ مصالحها ونفوذها، وحتّى تبقى جماهيرُ شعبنا مقيّدةً، غيرَ قادرة على الثورة وغيرَ قادرة على مقارعة الاستغلال، فهي تُوجِد من بيننا طبقةٌ، تُعطيها بعضَ فُتات المائدة، وتشاركها في المصالح. هذه الطبقة هي الطبقة الرأسماليَّة الرجعيَّة التي تصبح مسؤولة عن تكبيل الشعب وتكبيل حركته.
الصورة واضحة في معركة التحرير الفلسطينيَّة: "إسرائيل" والصهيونيَّة والإمبرياليَّة والرجعيَّة العربيَّة، هذا هو التحالف الرباعي الإسرائيليّ الصهيونيّ الإمبرياليّ الرجعيّ القذر المجرم المستغِلّ، الذي يستغلّ جماهيرَ شعبنا وأبناءَ شعبنا.
أيّها الأخوة المواطنون:
مقابل هذا الحلف المستغِلّ، ماذا نجد؟
نجد جماهيرَ شعبنا الفلسطينيّ التي شُرِّدتْ من وطنها وطُرِدَتْ. ونجد أيضًا جماهير الشعب العربيّ المستغَلَّة التي يهدِّدها الخطرُ نفسُه. ولكنّنا نُضيف إلى ذلك أنّه، وسط هذه الصورة الجماهيريَّة العامَّة، فإنّ الطبقة العاملة هي الطبقة التي تُعاني أشدّ ما يكون من هذا الاستغلال؛ وبالتالي تكون هي نارَ الثورة، شعلةَ الثورة.
من هنا نقول إنّ الطبقة العاملة هي مادَّة الثورة. لماذا الطبقة العاملة؟ الجواب لأنّ الطبقة العاملة هي التي تُعاني أشدّ ما يكون من طغمة الاستغلال؛ لأنّ الطبقة العاملة هي التي لا تملك شيئًا، لا تملك أيّة وسيلة من وسائل الإنتاج، لا تملك رأس المال، لا تملك الأرض، لا تملك الآلة ولا تملك أيّ شيء على الإطلاق. الشيء الوحيد الذي تملكه هو سواعدُها، عرقُها، وجودُها فقط. وطريقتها الوحيدة في الحياة في ظلِّ أوضاعٍ استعماريَّة مستغلّة غير إنسانيَّة، هي أن تبيع قوَّةَ عملها هذه بأبخس الأثمان. هذه الطبقة التي تعيش يوميًّا تحت وطأة الاستغلال هي مادّة الثورة، هي نار الثورة، هي الطبقة الوحيدة التي تستطيع أن تقود الثورة.
* مادّة الثورة وقيادتها
إنَّ أبناءنا، أبناءَ الطبقة العاملة داخل "إسرائيل،" الذين يشكِّلون ما يزيد عن 85% من عمَّال المقاهي والفنادق وماسحي الأحذية في تل أبيب، والذين يتعرَّضون يوميًّا عشراتِ المرّات لعبارة "عربيم حمور" (عربي حمار): هؤلاء هم مادّة الثورة، وهؤلاء هم قيادتها.
أبناؤنا في غزَّة الذين لا يملكون البيّارات ولا يملكون الرساميلَ ولا يملكون شيئًا سوى سواعدهم، وينتظرون فرصة العمل لتوفير الخبز اليوميّ: هؤلاء هم مادَّة الثورة، وهؤلاء هم قيادة الثورة.
أبناؤنا في الضفَّة الشرقيَّة الذين يقتلعون قُوتهم اليوميّ بعرق جبينهم بدون وطن، بدون أموال، بدون رساميل، بدون آلات الإنتاج، هنا في المخيَّمات: هؤلاء هم مادَّة الثورة، وهؤلاء هم قيادة الثورة.
إذا كانت الثورة هي ثورة المظلومين ضدّ الظالمين، ثورة المستغَلّين ضدّ المستغِلّين؛ إذا كانت الثورة هي تغيير هذا الواقع، واقعِ البؤس والشقاء؛ فإنّ الطبقة العاملة هي مادّة الثورة، لأنّها الطبقة التي تعاني أعتى المعاناة من هذا الوضع وهذا الشقاء. ولكنّه لا يكفي أن نقول بأنّ الطبقة العاملة مادّة الثورة؛ فلقد كانت الطبقة العاملة في حقيقة الأمر، ومنذ خمسين سنة في وطننا العربيّ الفلسطيني، كانت دائمًا مادّة الثورة، وأبناءُ هذه الطبقة هم الذين ماتوا في ثورة 1936، وأبناءُ هذه الطبقة هم الذين رووْا بدمائهم أرض فلسطين دائمًا وباستمرار. إذن لا يكفي في هذا اليوم أن نقول بأنّ العمَّال هم مادّة الثورة. يجب أن نقول إنّهم مادّة الثورة وهم قيادتها.
في ثورة 36، كان أبناءُ العمّال مادّةَ الثورة. ولكنّ قيادة الثورة كانت من العائلات الإقطاعيَّة الرأسماليَّة التي كانت تنتظر أوَّلَ فرصة، وأوَّلَ بادرة من الاستعمار البريطانيّ، حتى تساوم على الثورة، وحتّى تساوم على دماء الثوّار. كان كلّ همّها من الثورة أن تصل إلى كراسي الحكم لتوجِدَ حكمًا عميلًا مرتبطًا بالاستعمار... وبالتالي لم تنجح الثورة.
كانت الطبقة العاملة مادَّة الثورة، ولكنّ القيادة كانت للطبقة الرجعيَّة، للطبقة الرأسماليَّة والإقطاعيَّة. نحن نعرف تلك العائلات التي قادت الثورة، وبالتالي انتهت الثورةُ إلى الفشل. وبعد عام 36 أتت أيضًا البرجوازيَّةُ الوطنيَّة، ثمّ البرجوازيَّة الصغيرة إلى قيادة الثورة، فلم تنتصر الثورة. ولهذا يجب أن نُصرّ من الآن فصاعدًا على أنّ الطبقة العاملة هي قيادةُ الثورة. نحن نعرف أنّ قيادة الطبقة العاملة للثورة لا يمكن أن تتمّ اعتباطًا. إنّ هذا الكلام سيبقى كلامًا، ولكنّنا سنحوِّله إلى حقيقة بعد سنواتٍ من الجهد، وبعد سنوات من التنظيم والتعبئة والتضحيات حتّى تصبح الطبقة العاملة فعلًا، لا قولًا، وبشكل ملموس، رأسَ الثورة وقيادتها.
وحدة الصفّ وثمن القيادة
رفاقي العمَّال:
يجب أن تعرفوا جيِّدًا أنّ هذه القيادة لها ثمنُها الذي لا يمكن أن تتمّ بدونه. من يريد القيادة عليه أن يكون بمستوى القيادة. الطبقة العاملة هي بحكم وضعها المادِّي الحياتيّ، وضعِ البؤس والشقاء والاستغلال، هي مادَّةُ الثورة، وهي المرشَّحة لقيادة الثورة. ولكن هذا لا يمكن أن يتمّ إلَّا إذا توفّرت ثلاثة شروط:
* أوَّلًا ـ وعي الطبقة العاملة لحقيقتها ودورها في التاريخ. يجب أن تعرف الطبقةُ العاملة مَن هي، وأيّ دور تستطيع أن تلعبه. يجب أن تعمل قياداتُ الطبقة العاملة على تنمية الحسّ الطبقيّ لهذه الطبقة حتّى تشعر دائمًا بعمليَّة الظلم التي تعيشها يوميًّا، وحتى تكافح كافَّةَ التيَّارات التي تريد أن تضلِّل، والتي تريد أن تغطِّي عمليَّةَ الاستغلال بالنسبة لهذه الطبقة. ومن خلال هذه التوعية يجب أن يتمّ التنظيم.
ما الذي يستطيع أن يفعله عامل واحد منكم؟ ما الذي يستطيع أن يفعله عشرةُ عمّال منكم؟ ما الذي تستطيع أن تفعله نقابةٌ واحدة منكم؟ إنّما الطبقة العاملة كلّها، بتماسكها، بتعبئتها لنفسها، بانتظامها، واستنادًا إلى تحالفها مع الطبقة العاملة العربيَّة والعالميَّة، عندها تصبح هذه قادرةً على قيادة الثورة. هذا هو الطريق الشاقّ. ولا يمكن أن تتمّ للطبقة العاملة القيادة إلَّا إذا دفعت الثمن، والثمنُ هو جهد وتعب وتعبئة ونضال وتضحيات.
يجب أن تدرك الطبقةُ العاملة أنّها، بحكم ضعفها في وطن متخلِّف، وبالتالي قلّة عددها وعدم وجودها في تجمّعات عمَّاليَّة ضخمة كبيرة، مطلوبٌ منها أن تعوّض عن ذلك بالوعي والتنظيم والقتال الحقيقيّ، حتّى تشقّ طريقها إلى القيادة شقًّا بالدماء والتضحيات.
بعد هذا، بعد أن نقول إنّ الطبقة العاملة هي مادّة الثورة وقيادتها، يجب أن نقول أيضًا إنّ الثورة لا تنتصر إلَّا بنظريَّة الطبقة العاملة، وبأسلوب تعبئة الطبقة العاملة وبمواقفها وبمفاهيمها. وهنا قد يقول البعض: وهل للطبقة العاملة نظريَّة خاصَّة بها؟ ومفاهيم خاصَّة بها؟ وقضيَّة خاصَّة بها؟ الجواب: نعم. إنّ للطبقة العاملة وجهة نظرها الخاصَّة في الأمور والمعركة، والمواقف، وأسلوب التعبئة، لأنّها تعيش يوميًّا الظلم والبؤس والشقاء. ولأنَّها تعيش هذا الوضع، فإنّ لها وجهة نظرها في التنظيم، ولا يمكن أن تنتصر الثورة إلَّا من خلال نظريَّة الطبقة العاملة ومواقفها. إنّ الطبقة العاملة تطرح رؤية أوضح وأكثر علميَّة لمعركة التحرير. إنّ الطبقة العاملة تطرح استراتيجيَّة أقدر على التعبئة لمعركة التحرير. إنّ الطبقة العاملة تطرح أسلوب كفاح خاصًّا لمعركة التحرير. إنّ الطبقة العاملة تطرح تنظيمًا معيَّنًا لمعركة التحرير. هذه هي مفاهيم الطبقة العاملة.
ما الذي نعنيه وما الذي نقصده بهذا الكلام؟ ما هي نظريَّة الطبقة العاملة بالنسبة لمعركة التحرير؟ إنَّ الطبقة العاملة تقول هنا من خلال تحديدها لأعدائها بأنَّ معركة التحرير هي في الوقت نفسه معركة قوميَّة ومعركة طبقيَّة. وبالتالي عندما تحدّد الطبقة العاملة أعداءها لا نكتفي بالقول بأنّ عدوّنا الذي نواجهه في هذه المعركة هو "إسرائيل" فقط، أو "إسرائيل" والصهيونيَّة، أو "إسرائيل" والإمبرياليّة. هي تذهب بوضوحها وعلميّتها إلى أبعد من ذلك، وتقول بالإضافة إلى إسرائيل والصهيونيّة والإمبرياليّة هناك قوى معادية هنا في وطننا مرتبطة مع الاستعمار ومع الصهيونيّة، هي عدوّنا. يجب أن نعرف هذه الحقيقة لأنّنا إنْ لم نعرفها لا يمكن أن تنجح المعركة. عندما تعرف الطبقة العاملة والجماهير هذه الحقيقة، عندها لا يمكن أن تُطعَن الثورةُ من الخلف، ولا يمكن أن تُجهَض كما حدث في عام 36 وعام 48.
لا يمكن أن تكون وحدةُ صفّ بين المستغِلّين والمستَغَلّين. لا يمكن أن تكون وحدةُ صفّ بين دماء الشهداء ــــ دماءِ أبناء الطبقة العاملة في أرضنا المحتلّة ــــ وبين فساتين الأعراس التي تكلِّف مائة وألف دينار؟
كيف تكون الجبهة الداخليَّة قويَّة في ظلِّ الاستغلال، وفي ظلِّ وجود مستغلِّين ومستَغَلَّين؟!
القول بأنَّه ليس هناك استغلال كبير في وطننا، وبأنَّه ليست هناك فوارق طبقيّة كبيرة، كلّه كلام فارغ وغير صحيح وغير علميّ. وفي كلّ يوم عشرات الأمثلة التي تصرخ بأنَّ هناك استغلالًا واستغلالًا بشعًا، وأنّه لا يمكن أن تكون هناك وحدة صفّ بين المستغلِّين والمستغلَّين. إنّ وحدة الصفّ لا بدّ أن تكون بقيادة الطبقة العاملة التي تقضي على الاستغلال، ثمّ تقول وتنادي بوحدة الصفّ ضدّ العدوّ القوميّ.
ولمّا حصل العمّال على 12 ألف دينار من أصل 72 ألف دينار قامت الدنيا وقعدت: لا استغلال. كيف لا استغلال؟ في الجامعة الأردنيّة جرى بحث في إحدى المرّات في اجتماعات مجلس الإدارة. وكان البند الأوّل في جدول الأعمال مخصَّصات مجلس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة من نوع التلهوني والتلّ وقسْ على ذلك. ولمّا بُحث موضوع مخصَّصات مجلس الإدارة، كان هناك موظَّف بسيط في الجامعة، أمضى عشرين سنة وهو موظّف يحصل على 12 أو 14 دينار لا أذكر بالضبط. كان هذا الموظّف قد قدّم عريضةً يقول فيها إنّه يعيل سبعة أو ثمانية أبناء، وإنّه يطالب برفع أجره إلى ثمانية عشر دينارًا. قالوا لا يجوز، لأنّ كافّة الموظّفين سيقدِّمون الطلبَ نفسه في حالة الاستجابة لطلب الموظّف المذكور. وبعد هذا يقولون إنّه ليس هناك استغلال! أنا أريد أن أُنهي هذا الحوار بسرعة معهم. يقولون ليس هناك استغلال، أليس كذلك؟ يقولون "كلّنا واحد" وليس هناك فوارق طبقيَّة. إذن، فالموضوع بسيط جدًّا: فليتركوا قصورَهم في جبال الحسين واللويبدة وعمان، وليتوجّه الشعب الفقير ليُقيم قليلًا في هذه القصور. عندما يذهب أهالي المخيّمات إلى القصور ويأتي أهلُ القصور للمخيّمات نحن مستعدُّون أن نقبل عندئذ بوحدة الصفّ ــــ لكن، هذا كلّه كلام فارغ. جميعُهم يحاولون التضليل على الحقيقة. الحقائق تقول إنّ هناك استغلالًا حاصلًا، وإنّ الطبقة العاملة هي الطبقة المستغلَّة. وبالتالي، فإنّ وحدة الصفّ يجب أن يكون لها مفهومُ الطبقة العاملة. وحدة الصفّ بين كلّ طبقات الثورة تقوم بقيادة الطبقة العاملة. وبعد ذلك، إذا كانوا هم جادّين بوحدة الصفّ وبأنّ الكل سواسية ــــ إلَّا أنّه ليس هناك شيء ظاهر من هذا الكلام ــــ إذا كانوا مخلصين، فليعطوا كلَّ فائض أموالهم للعمل الفدائيّ والثورة، لكلّ المنظّمات الفدائيّة. ونحن نعرف بشكل خاصّ مدى إسهام هذه الطبقة الرأسماليّة في العمل الفدائيّ. يجب أن تكون الأمور واضحة جدًّا. لنذهبِ الآن إلى الأغوار وننزل إلى قواعد المقاتلين ونأخذ كلّ مقاتل على حدة، ونسأله: "أنت يا رفيق، ابن مَن؟ مَن أهلك؟" ماذا ستجدون هناك في الأغوار؟ هل ستجدون هناك أبناء الطبقة الرأسماليّة؟ كلّ الذين في الأغوار هم من أبناء العمّال والفلَّاحين. إذن يحقّ للطبقة العاملة أن تطرح نظريّتها الخاصّة، وتقول:
إنَّ معركة التحرير الفلسطينيّة هي معركة قوميّة. ولكنّها، في الوقت نفسه، معركة طبقيّة. ونعني بهذا الكلام أنّ هناك طبقة إقطاعيّة رأسماليّة رجعيّة مرتبطة مصالحها بالاستعمار. هذه الطبقة لا يمكن أن تكون قوّة من قوى الثورة، لأنّكم تعرفون أنّ الثورة ضدّ الإمبرياليّة، الثورة ضدّ أميركا. ثمّ إذا كان هناك وكيل لشركة سيّارات أميركيّة، أو لشركة التأمين الأميركيّة، أو وكيل لبنك أميركيّ معيَّن، وبعد أن تتعرَّض الإمبرياليّة للسقوط، فهل من المعقول أن يقف هذا الشخص مع الثورة؟ نريد أن نحدّد الأمور بوضوح: هناك طبقة. وهذه الطبقة لا تشكِّل إلَّا نسبةً بسيطةً من الشعب. ويجب أن نحدِّد بوضوح أنّ هذه الطبقة التي تملك الملايين ــــ وليس بعرقها وتعبها تملك الملايين، بل لأنّها من سماسرة الرأسماليّة الأميركيّة، ولانّها تمتلك وكالات الشركات الأجنبيّة، ولأنّها عن طريق العمالة والرضوخ للاستعمار أصبح لديها الملايين ــــ هذه الطبقة معادية للثورة. هذا حول معنى من معاني القول: إنّ معركتنا معركة قوميّة وطبقيّة في الوقت نفسه، بمعنى أنّها ضدّ الاضطهاد القومي المتمثِّل بإسرائيل والصهيونيّة والإمبرياليّة الأميركيّة، ولكنّها في الوقت نفسه ضدّ الطبقة الإقطاعيّة الرأسماليّة البرجوازيّة الكبيرة التي ترتبط مصالحها مع الاستعمار ومع الإمبرياليّة.
وأريد أن أقول لكم إنَّ هذه الطبقة الرأسماليّة الرجعيّة لا تشكِّل أكثر من 1%. وإنْ كثرتْ فلا تتعدّى الـ 10%. بعدها يبقى 90% من جماهير شعبنا، مصالحُهم ليست مرتبطة بالاستعمار والإمبرياليّة ـ وبالتالي فهم ليسوا أعداءً للثورة، وبالعكس فهم قوّة من قوى الثورة. لكنْ، إذا قلنا بأنّ جماهير شعبنا كلّها مع التحرير ــــ وهذا صحيح ــــ إذا قلنا إنّ 90%، أي أغلبيَّة جماهيرنا، مع التحرير، يجب أن نقول بأنّه وسط هذه الصورة الجماهيريّة يجب أن تكون تعبئةُ هذه الـ 90% بقيادة الطبقة العاملة ــــ وكلّ إنسان شريف ــــ كلّ مثقّف ومحامٍ شريف، أو طبيب أو مهندس شريف (وأقصد هنا البرجوازيّة الصغيرة الوطنيّة الشريفة). إنّ البرجوازيّة الوطنيّة الشريفة يجب أن تعتزّ بقيادة الطبقة العاملة. وهنا تكون التعبئة القوميّة صحيحة، وهنا نكون فعلًا أوجدنا وحدةَ الصفّ في وجه الاضطهاد القوميّ من خلال تعبئة تسعين بالمائة من جماهيرنا، ولكنْ بقيادة الطبقة العاملة ونظريّة الطبقة العاملة ومفاهيم الطبقة العاملة.
هذا مثل من أمثلة عديدة جدًّا يجب مراقبتُها يوميًّا. كلّ هذه الأمثلة تشير إلى الفارق بين مواقف الطبقة العاملة وبين المواقف الوطنيّة التي لا تقودها الطبقةُ العاملة ولا تطرحها هذه الطبقة. الطبقة العاملة جذريَّة في كلّ شيء. تريد أن تضع النقاطَ على الحروف وتريد للتعبئة الثوريّة أن تكون كاملة. إذن يوجد باستمرار مفاهيم الطبقة العاملة، ومفاهيم غير مفاهيم الطبقة العاملة.
فمثلًا: إذا طرقنا موضوع "مَنْ هو العدوّ؟" في هذا المفهوم، الطبقة العاملة لا تكتفي بالقول إنّ العدوّ هو "إسرائيل" والصهيونيّة والإمبرياليّة، بل تضيف لها الرجعيّة العربيّة على أنّها جزء من العدوّ. الطبقة العاملة أيضًا واضحة جدًّا في أسلوب القتال وهي لا تؤمن بأسلوب النضال السياسيّ ــــ أي لا تؤمن بالاحتجاجات والعواطف والمظاهرات وما شابهها من أشكال النضال السياسيّ ــــ وأنّ بواسطة هذه الأساليب يمكن أن يتمّ التحرير. وهذه الطبقة، وهي التي تعيش الظلم يوميًّا، لا يمكن أن تنتظر حتّى تحرّر الجيوشُ العربيّةُ فلسطين. لماذا لا تستطيع الانتظار؟ لأنّها تعيش يوميًّا الظلمَ، وتريد أن تتخلّص من هذا الظلم دفعةً واحدة. ماذا تطرح الطبقة العاملة عندما تطرح أسلوب "حرب التحرير الشعبيّة"؟ تقول هذه الطبقة: نحن المظلومين، نحن الشعب، نريد أن نحمل السلاح ونقاتل ونبقى نقاتل. العدوّ أقوى منّا ولا مانع من أن نضحّي سنة وسنتين بل وعشرًا، وأقول إنّنا مستعدُّون أن نقاتل ألف سنة حتّى تنتصر الطبقة العاملة. لا نقول هذا لأنّها طبقة عاملة فقط، الموضوع ليس موضوع ألفاظ. الطبقة العاملة تريد طرح هذه الأمور لأنّها مظلومة وتريد التخلُّص من هذا الظلم وهي لا تخسر شيئًا في نضالها هذا، لذلك فهي مستعدّة للقتال فعلًا.
* العمّال وقضيَّة التنظيم
إنّ المفاهيم التي تطرحها الجبهة الشعبيّة ليست مفاهيم كلاميّة سفسطائيَّة معلّقة في الهواء: هذه المفاهيم هي مفاهيم الطبقة العاملة الجذريّة الواضحة كلّ الوضوح والتي تريد أن تضع النقاط على الحروف، وهي تريد أن تحدِّد طبيعة الخطّ وتحدِّد أسلوب التعبئة وتحدِّد أيضًا أسلوب التنظيم. والطبقة العاملة، حتّى في أسلوب التنظيم، لها مفاهيمها؛ فهي طبقة مستَغَلّة مستعبّدّة مظلومة. لذلك ففي تنظيمها الخاصّ تريد أن تثور ضدّ هذا الاستغلال. وعلى ذلك، ففي التنظيم العمّالي لا توجد قيادات فوقيّة، قيادات بيروقراطيّة. العمّال ثائرون ضدّ الظلم والاضطهاد والاستعباد، فتنظيمهم بالتالي تنظيم حديديّ متماسك على أساس علاقات رفاقيّة ديموقراطيّة.
الطبقة العاملة لها مفاهيمها في كلّ شيء: في الرؤية، في تحليل المعركة، في تحديد العدوّ، في تحديد أسلوب التعبئة، في تحديد شعار حرب التحرير الشعبيّة، في طبيعة تنظيمها وفي مواقفها السياسيّة.
اتّضح هذا الموضوع تمامًا يوم 10/2/1970. في هذا اليوم ماذا كانت تقول الطبقة العاملة وكلّ الجماهير الفقيرة؟ ماذا كان إحساس هؤلاء جميعًا؟ ليس لأنّهم أكثر وطنيّة من غيرهم بل لأنّهم يعيشون أوضاعًا شاذَّة.
في يوم 10/2/1970 كان كلّ منهم يقول في نفسه: "لقد أُخرجتُ من بلدي، وعشت عشرين سنة في الخيام أقاسي ظروف الفقر والمرض وقلّة العناية الصحِّيَّة وقلّة العمل." وربّما يقول مثلًا: "لقد فقدتُ ولدي الأوّل لأنّني لم أجد له العلاج، ولأوّل مرّة أجد أمامي شيئًا اسمه العمل الفدائيّ، وتريدون أن تقتلوا هذا الأمل في نفسي؟" هذه الجماهير الفقيرة، التي عاشت الظلمَ لعشرات السنين، قد طُعنتْ في عام 1936 وطُعنتْ في عام 1948، وعاشت حياةَ الذلّ والخيام والفقر عشرين سنة. هذه الجماهير التي رأت في العمل الفدائيّ بصيصَ أمل بالخلاص صَمّمتْ يوم 10/2 في كلِّ شارع من شوارع عمّان على أن تقاتل حتّى الموت دفاعًا عن الثورة وحمايةً لها. هذه هي مواقف الطبقة العاملة.
لم نأتِ إلى هنا لنصفِّق بل لنفهم ونطرح قضايانا بوضوح تامّ. أريد أن أقول إنّ الطبقة العاملة هي وحدها التي تستطيع أن تقودنا. وعلى ذلك، فالفلَّاح والطالب والمحامي وصاحب الدكّان المرتبطة مصالحُه بمصالح شعبه وليس بالاستعمار، يجب أن يؤيِّدوا ويدعموا قيادة الطبقة العاملة. وهذا الدعم ناتج عن كون الطبقة العاملة هي الوحيدة التي تستطيع أن تنتزع النصر بحكم أوضاعها وحياتها اليوميَّة. ونستطيع أن نتبيَّن موقف الطبقة العاملة من خلال المظاهرات ضدّ زيارة نائب وزير الخارجيَّة الأميركيَّة، جوزف سيسكو. وقد اتّضح الفرق بين الموقف الوطنيّ العاديّ، وموقف الطبقة العاملة التي جعلت المواطن يشير لها ويعتبرها قيادته. هذه المواقف التي نريدها هي مواقف الطبقة العاملة ونظريَّة الطبقة العاملة. إذن فالعمّال هم مادَّة الثورة وهم قيادتها. ومواقف العمّال هي النظريَّة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن تنتصر الثورة. وأريد أن أؤكِّد لكم على نقطة أخيرة. الطبقة العاملة بقدر ما هي عنيفة هي أيضًا علميّة بحكم أوضاعها لأنّها حريصة على الانتصار. هذه الرغبة الحقيقيّة في الانتصار تفرض عليها أن ترى المعركة بوضوح وبعلميّة، وبالتالي لا يمكن أن تكون قيادة الطبقة العاملة للجماهير الفلسطينيَّة والعربيَّة قيادة مغامِرة أو غير علميَّة. الطبقة العاملة تناضل من أجل قيادتها للمعركة. وعندما تكتشف الموقع القياديّ تكون حريصة كلّ الحرص على أن تعبِّئ كافّة الطبقات الوطنيَّة لثورة التحرير. وبالتالي تصبح هذه القيادة هي قيادة الفلَّاحين والطبقة العاملة نفسها والبرجوازيّة الصغيرة الوطنيَّة، وتكون بالتالي حريصة فعلًا على أن تنتصر على عدوّها الحقيقيّ من خلال تعبئتها الكاملة لكافّة قوى الثورة.
وعلى ذلك فالطبقة العاملة بقدر ما هي عنيفة في ثورتها هي أيضًا علميّة في ثوريّتها لأنّها تريد أن تُنهي الاستغلال وتريد فعلًا أن تنتصر.
* ثلاث قضايا أمام الجماهير
أيُّها الإخوة، بقدر ما يجب أن تكون الخطوط الكبرى لمعركة التحرير واضحةً في أذهاننا، يجب بين وقت وآخر أن تكون قضايا الثورة والمشاكل التي تواجهها في كلِّ فترة من الفترات أيضًا واضحةً في الأذهان. وفي هذه الفترة يجب أن تنتبه الطبقة العاملة وجماهير شعبنا التي تريد أن تنتصر لثلاث قضايا أساسيَّة، هي:
هذه القضايا الثلاث تحتاج إلى تنبُّه من الجماهير، وإلى تتبّع يوميّ لكي تنتصر الثورة.
في ما يختصّ بالموضوع الأوّل، والذي تريد الجبهة الشعبيّة أن يكون واضحًا كلّ الوضوح، إنّ هذه الهدنة التي قامت بعد 10/2 هي هدنة ملغومة من قبل السلطة الرجعيّة نفسها. هذه السلطة تُظهر نفسها بمظهر السكوت، ولكنّها تضع المخطّطات لضرب الثورة وتصفيتها. فنحن نقول إنّه، عن طريق الجماهير ووعي الجماهير الكامل لهذه المؤامرات، يمكننا فقط إحباطُ هذه المؤامرات. ومنذ 10/2 تراجعت السلطة شكلًا، وهي تقول كلامًا ناعمًا وتضرب على نغمة الوحدة بين العمل الفدائيّ والجيش. ولكنّ الحقيقة غير ذلك، ولسنا على استعداد لأن ننخدع بعد الآن. نريد أن نستعمل عقولنا ونحاكم الأشياء كما نراها بالشكل الملموس: إنّ دراسة الوقائع تظهر أنّه منذ 10/2 وهذه السلطة تضع المخطَّطات اللئيمة لضرب العمل الفدائيّ. لقد اكتشفَت الجبهةُ الشعبيّة وتنظيم فدائيّ آخر هذه الحقيقة، واكتشفت المخطّط الذي أعدّته السلطةُ الرجعيّة لضرب العمل الفدائيّ، ولا مجال هنا للكلام عن التفاصيل.
لقد قامت السلطة بعمل جهاز خاصّ، غير الجيش وغير قوّات الأمن وغير المخابرات وغير الاستخبارات العسكريّة. وقد رُصدَت لهذا الجهاز ميزانيّة خاصّة عالية جدًّا، وقُسِّم هذا الجهاز إلى دوائر وفروع، وله مخطَّطات تدلّ كلّها على لؤم وعداء حقيقيّ للعمل الفدائيّ. ونحن لا نقول هذا الكلام تجنٍّيًا على السلطة، بل نحن نعرف من هو المسؤول عن هذا الجهاز، ونعرف مع أيّ أمير مرتبط هذا الجهاز، ونعرف العناصر الأساسيّة لهذا الجهاز وكلّ دائرة من دوائره والأعمال التي كان يقوم فيها. المسؤول عن هذا الجهاز هو الرئيس عبد الكريم عمر، وهو مرتبط بالأمير علي بن نايف. وتوجد أمامي قائمة بأسماء المساعدين الأساسيين. هؤلاء كانوا يعملون بمخطّط كبير، ويوجد قسم منهم الآن تحت يد العمل الفدائيّ. وقد قاموا بعمل شعبة للنشاط الإعلاميّ والنشاط السياسي. أي إنّهم يريدون أن يكونوا ثوّارًا يشتغلون في الخطّ الشعبيّ (!). هذه الشعبة متخصِّصة في هذا الموضوع. ولقد رأى بعضكم منشورات موقّعة باسم "اللجنة الثوريَّة للتوعية." إذا قرأتم هذه النشرات تروْن السمّ الذي كان هؤلاء يبثّونه بين صفوف الشعب.
هذه الشعبة كانت تثير الشكوك باستمرار حول العمل الفدائيّ، وتدفع في خطّ إثارة نعرة "فلسطينيّ" و"أردنيّ،" حتى تساعد على إثارة حقد الجيش على العمل الفدائيّ. وكان هناك شعبةٌ أخرى مخصَّصة للرصد، لمراقبة قواعد الفدائيين، وعددهم في كلّ قاعدة، وما فيها من سلاح. في "الوحدات" مثلًا، يوجد ضابط متقاعد وله عشرون مساعدًا مهمّتُهم التبليغ عن أيّ حركة من قبل الفدائيين، ودراسة كافّة القواعد ومحتوياتها. وهناك شعبة أخرى للاغتيالات وشعبة للتهريب. وهذا المخطّط يقوم على أساس تجنيد أشخاص باسم "فدائيين" ليعتدوا على الناس ويسيئوا للعمل الفدائيّ، ومن ثم تُثار ضجّة حول العمل الفدائيّ، ويتّخذون من ذلك مبرِّرًا لضرب العمل الفدائيّ. الاعترافات التي أدلوا بها، وأريد أن أذكر فقط العناوينَ وهي: اغتيالات ثم اعتقالات، إثارة إشاعات وأخبار كاذبة، بثّ الذعر في نفوس الأهلين، القيام باعتقال أشخاص باسم الكفاح المسلّح، مراقبة الجيش ورصد تحرُّكاته وارتباطاته بالمنظّمات الفدائيّة والمواطنين، رصد حركة المقاومة ومعرفة مواقع وقواعد التنظيمات وعدد أفرادها ومسؤوليها، الانتساب إلى الحركات الفدائيّة، توزيع السلاح على المؤيِّدين من المواطنين المضلَّلين، تعميق الخلاف بين سكّان الضفّتين، كتابة الشعارات على الجدران، إصدار النشرات باسم "اللجنة الثوريّة للتوعية،" طبع الملصقات وتعميمها، تقديم تقارير يوميَّة عن كلّ المعلومات التي يحصل عليها العضو أو الإنسان المجنّد في هذا الطريق.
هذه هي أهمّ النقاط التي أرادت السلطة الرجعيّة تكليف رجالها بها. أريد أن أؤكِّد لكم أنّ هذا مثلٌ بسيطٌ من الأمثلة التي تقوم بها الرجعيّة وأسيادها الـ"سي. أي إيه." نحن نعرف دور المؤسَّسات والشركات في هذا البلد: مثلًا المؤسّسة التجاريّة فوق البنك البريطانيّ، ما هي وماذا تعمل ولماذا وُجدت؟ نعرف البناية الواقعة وراء النادي الأرثوذكسيّ في جبل عمّان وماذا تعمل. جميع أوكارهم في جبل عمّان وفي عمّان، نعرفها ونعرف لماذا وُجدت. هذه المرّة الشعب حامل السلاح ومصمّم على الانتصار.
في الفترة الأخيرة ألقت الجبهة الشعبيّة القبضَ على مجموعات من الذين يتعاملون مع العدوّ الإسرائيليّ بشكل مباشر. وهدفُهم من التعاون تهريبُ أشخاص من غزّة والضفّة الغربيّة إلى الأردن. نحن نعلم أنّ هدف إسرائيل هو التخلُّص من أكبر عدد من المواطنين. وهناك شخص يقوم بتسهيل هذه المهمّة، هو أحد الأمراء واسمه حسين بن زيد، أو زيد بن حسين، وهو موجود فعلًا. ولقاءَ كلّ مواطن يُهرَّب من الضفّة الغربيّة أو القطاع يأخذون 9 دنانير، على أساس أن يتمّ أسبوعيًّا تهريب ما يقرب من 80 ــــ 100 مواطن.
* القتال ضدّ الرجعيّة
نعود إلى موضوعنا الأوَّل. هناك موضوع أمانة في أعناقنا وفي أعناق الجماهير وفي عنق الطبقة العاملة. هذا الموضوع هو الرجعيّة. الرجعيّة تتحرّك باستمرار، وعلينا أن نصدِّق الأفعال لا الأقوال. ونحن كجبهة شعبيّة لا نصدِّق إلَّا الأفعال. وعلى ذلك، فكلّ أفعال السلطة ما زالت تشير إلى ضرب العمل الفدائيّ. ونحن نقول إنّ من واجب الناس والجماهير اليقظة والتنبُّه لهذا الموضوع، والوعي والالتفاف حول العمل الفدائيّ والاستماتة في الدفاع عنه وفي النزول إلى الشارع في أيّة لحظة، حتى توضع الرجعيّة في زاوية ضيِّقة ولا تعود إلى التفكير في ضرب العمل الفدائيّ. يقولون إنّ الوقت ليس وقت صراع داخليّ، ونحن نقول من الذي بدأ معركة 4/11؟ ومعركة 10/2 في الأردن؟ ومن الذي بدأ معركة نيسان 69 في لبنان؟ ومعركة آذار في لبنان؟ إنّها الرجعيَّة. هي التي تأخذ موقف الهجوم والتخطيط لضرب العمل الفدائيّ. ونحن نقول باسم الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين إنّ رغبتنا وجهودنا الأساسيّة يجب أن تنصبّ على الضرب والقتال في المناطق المحتلّة. إلّا أنّنا، في الوقت نفسه، لدى كلّ محاولة من قِبَل الرجعيّة لضرب العمل الفدائيّ، سنضرب بشدّة ونردّ الصاع صاعين.
وهناك موضوع آخر يجب أن يوضع أمام الجماهير لتصبح هي المسؤولة عنه، لأنّ الجماهير هي المسؤولة عن الثورة. لذلك يجب قول الحقيقة للجماهير حتّى تعرف واجبها ودورها في حماية الثورة. هذا الموضوع هو العلاقات بين المنظّمات الفدائيّة. موضوع القيادة الموحّدة وصيانة هذه التجربة ودفعها للنموّ باستمرار. وأنا أقول إنّه بدون الجماهير ويقظة الجماهير ومراقبتها وتفاعلها وتتبّعها لأخبار هذه التجربة، لا نستطيع أن نضمن نجاح هذه التجربة. الضمان الوحيد لنجاح هذه التجربة هو شعور كافّة التنظيمات وقياداتها أنّ الجماهير تريد لتجربة القيادة الموحّدة أن تبقى أوّلًا، وأن تنجح ثانيًا، وتكون صيغة أرقى للعلاقات من الصيغ السابقة. نحن كجبهة شعبيّة نريد أن نعلن أنّ نظرتنا لكلّ التنظيمات الفدائيّة في الساحة الفلسطينيّة أنّها تنظيمات وطنيّة. نحن نختلف عن هذه التنظيمات في أمور مثل "من هو العدوّ؟" نقدّم نحن تعريفًا، ربّما لا تقدِّمه كلّ التنظيمات. في طبيعة التنظيم وفي المواقف السياسيّة توجد خلافات أيضًا. لكن رغم كلّ ذلك، فهذه التنظيمات كلّها وطنيّة. إنّ مقاتلي هذه التنظيمات معظمهم من أبناء الطبقة العاملة التي نحتفل اليوم بعيدها، وبالتالي فنحن كجبهة شعبيّة نقول إنّنا و"فتح" و"الصاعقة" و"الديموقراطيّة" و"قوّات الأنصار" و"جبهة النضال" وكلّ التنظيمات الأخرى في صفٍّ واحد. ولن نسمح للاستعمار والرجعيّة وإسرائيل أن تفرّق هذا الصفّ. ولكن، هناك داخل هذا الصفّ، توجد وجهات نظر. وهناك باستمرار حوار ومشاريع مختلفة. ونحن كجبهة شعبيَّة نعتقد أنّ الوحدة الوطنيّة الحقيقيَّة التي تخدم المعركة يجب أن نوفّر لها أسسًا سليمة. وعندما نثير هذه الأسس فإنّنا نريد وحدة وطنيّة فاعلة وتقدُّميَّة وثوريّة تؤدِّي إلى تصعيد حقيقيّ للنضال وللعمل السياسيّ.
لذلك نرى أنّه لا بدّ من وجود برنامج سياسيّ تقدُّميّ الملامح يوضح باستمرار الخطوطَ الأساسيّةَ الاستراتيجيّة للمعركة. كما أنّ العلاقات داخل القيادة الموحّدة يجب أن تكون واضحة ومتكافئة بين كافّة التنظيمات، أو شبه متكافئة حتّى يتولَّد المناخ المناسب لكي تساهم هذه التنظيمات في الثورة.
هذا الموضوع من واجب الجماهير أن تحميه. لأنّه، ربّما فهمَ البعضُ "القيادة الموحَّدة" على أنّها جزء لا يتجزَّأ من منظّمة التحرير. هنا يعني أنّنا لم نستفد شيئًا من التجارب السابقة. ونحن نعلم أنّ الصيغ السابقة لم تعطِ للعمل الفلسطينيّ مداه المطلوب. لذلك فالقيادة الموحّدة يجب أن تشكِّل صيغةً أرقى من الصيغ السابقة من خلال برنامج سياسيّ، ومن خلال نظامها الداخليّ. ومن حيث مناخُ التعاون بين التنظيمات والبرامج لمختلف أوجه النشاط، يجب أن تشكِّل هذه القيادة صيغةً أفضل. لذلك يجب أن تمارِس القواعدُ، بما فيها قواعدُ الجبهة الشعبيّة، والجماهيرُ ضغوطاتٍ مستمرّةً لتطوير عمل القيادة الموحّدة ولإنجاح هذه التجربة.
فالقول بأنّه يجب أن يكون هناك مجلس وطنيّ مصغّر مثلًا، أو لجنة مركزيَّة، أو قيادة موحّدة، بدون أن يحدث أيّ تغيير حقيقيّ في المحتوى التنظيميّ والسياسيّ قولٌ لا قيمة له.
لذلك فنحن نعتبر أنّ هذه التجربة ملك للجماهير، ويجب أن تكون بالتالي حريصةً على إنجاحها.
أريد أن أؤكِّد لكم، قبل أن أُنهي حديثي، إنّ نظرتنا لكلّ التنظيمات أنّها تنظيمات وطنيّة، إنّهم أبناء شعب واحد يعيش القضيّة نفسها. إنّ قواعد المقاتلين من كافّة التنظيمات هم أبناء الطبقة العاملة، ولا بدّ من قيام علاقات تعاونيَّة باستمرار تحْكم علاقاتنا مع كافّة التنظيمات. لا نريد أن نكون مثاليين أو خياليين: سيكون دائمًا ضمن هذا التعاون باستمرار وجهاتُ نظر مختلفة. والجماهير هي التي تستطيع أن تدفع بوجهات النظر الأكثر ثوريّة، حتّى تتبنّاها كافّة التنظيمات السياسيّة والجماهيريّة. وكلّ النشاط النظريّ في النهاية يجب أن يكون هدفه خدمة القتال.
إنّ جميع أشكال التوعية والردّ على الرجعيّة وموضوع أداة الثورة يجب أن يكرّس في خدمة القتال. هذه القضايا الثلاث يجب أن ترعاها الجماهير وتحتضنها. من هنا أيّها الأخوة، فإنّ عيد العمّال بالنسبة لنا هو مناسبة لرؤية أمورنا بشكل أوضح، رؤية أمورنا الاستراتيجيّة التي نعيشها.
عاشت الطبقة العاملة مادّة الثورة وقيادة الثورة.
عاشت الثورة الفلسطينيَّة في تلاحمها مع الثورة العربيّة.