في 19 ديسمبر 2004 غادرنا ممدوح عدوان، الشاعرُ الهادئُ، بصوت لا يرجف.
هو شاعر ومسرحيّ ومترجم وروائيّ، غزير الإنتاج.
بدأ مسيرة النشر في مجلّة الآداب سنة 1964، وباكورةُ قصائده فيها كانت السيف والصدأ.
تحيّةً له، نذكّر بثلاثٍ من قصائده. أولاها منشورة سنة 1964، وهي سياط الغربة (مهداة إلى الشاعر علي كنعان). والغربة ذاتُ السياط هي "قلب المدينة" التي لا تحتمل "أبناء الأزقّة،" بل تبصق عليهم "عاهرةُ" المدينة نفسها:
يا رفيقي
كيف لا تصحبنا تلك الحسان
كيف لا يعرضن دعوة
أترانا لم نرقَ في عينِ حلوة
أم تراه راعَها منّا قميصٌ يتمزّق
وحذاءٌ يتشقّق؟
...
أما القصيدة الثانية فمن سنة 1967، وهي الزحام. زحام مدن تفقد هويّتها من غير أن تراكمَ هويّاتٍ جديدة، والناس يضيعون فيها بلا هذف، والماضي يصير إرثًا مؤرّقًا يقع على كاهل العارف:
ولدتُ ذات مرّة
ولم أكن أحبّ أن أعود
أمسكتُ جدران الرحم
لكنّهم داروا عليّ،
أخرجوني من جدار الخاصرة
وعندما فاجأني الضوء... بكيتُ،
عذّبتني الذاكرة
...
وقصيدتنا الثالثة، من سنة 1969، هي لعبة الشارات الضوئيّة. وكأنّها استمرارٌ لغربة هذا الصعلوك في مدن لا يجيد فهمَها، كالشارات الضوئيّة التي زُرعتْ فيها والناس عنها غريبون. والحياة تقسو بلا رحمة، والناس كلّهم تائهون:
والضوء الاحمر ما زال،
وما زال القلق الراجف
لن أصرخ طلبًا للنجدة
فالشرطيّ الواقف مثلي عارف
والسائق وهو يتابعني بالنظرات المرتابة عارف
والمطعوم المتكوّم في مقعده عارف
والعامل رغم تجاهله عنّا عارف
وأنا عارف
ولذا أنقّل عينيَّ إلى أمكنة أخرى
وأنا واقف
لا أحلم بالعودة نحو البيت لأنّي أمل خائب
...
تحيّةً لروح ثائرة بهدوء عبرتْ حياتَنا، وصرنا نخاف عليها، ككلّ جمال مَرَّ وانقضى.
تمكن مطالعة قصائد عدوان في الآداب هنا.
ي.أ.