في نصًّ عمرُه أكثرُ من ستّين سنةً، يضع الكاتبُ والمفكّرُ العربيّ، عبد الله القصيْمي، يدَه على الجرح الحديث الذي نَرزح تحت نيره الآن: جرحِ تدميرِ الذات، وإقامةِ المقارناتِ الباطلةِ بين "نحن" متخيَّلةٍ و"هُم" أكثرَ تخيّلًا. صحيح أنّ النصّ لم يُشرْ إلى هذه الثنائيّة بالاسم، بل كان يناقش قضيّةَ تطوّر المجتمعات وعلاقتها بالبنية الفوقيّة (الثقافة هنا)؛ إلّا أنّ ربطَ التطوّر بفكرة أنّ "الظروفَ والضرورات هي التي تصنع سلوكَنا، بل وتصنع اتّجاهاتِنا الفكريّة والروحيّة ورغبتَنا في الإصلاح،..." يَصْلح لأن يوضَعَ أمام كلّ جالدي الذات اليوم من جماعة "نحن وهُم" و"... صاح الحِذاءُ بأيّ ذنْبٍ أُضرَبُ." بل يَصْلح لجماعة التعليق الآليّ على كلّ المُجْريات العالميّة القائلين إنّ "العرب ظاهرةٌ صوتيّةٌ" (وهذا التعليق هو للقصيمي ذاته، لكنْ مع إسقاطه على كلّ ما يختصّ بالعرب بشكل عنصريّ، دونيّ، وبلا أيّة رويّة أو دراسة).
يتساءل القصيميّ في نصّه، "الكاتب لا يغيّر المجتمع،" عن قضيّة جهوزيّة أيّ مجتمع لتقبّل الأفكار الحديثة، فيرى الآيةَ معكوسة: المجتمع ــــ بجهوزيّته ــــ هو الذي يُفرز كتّابَه ومثقّفيه لا العكس! فهو يتساءل مثلًا:
"ماذا لو أنّ رجلًا من أهل اليمن ألّف كتابًا دعا فيه إلى ما دعا إليه قاسم أمين ثمّ نشَره في بلده في الوقت الذي نشر قاسم أمين فيه كتابَه؟ هل يمكن القول بأنّه لو حدث مثلُ هذا لكانت المرأةُ اليمنيّة قد بلغت الطورَ الذي بلغتْه المرأةُ المصريّة مع بقاء ظروف اليمن كلّها في مكانها؟"
إنّ كلمة "ظروف" هي المفتاح هنا، وهي ما يمكن تسميته "العاملَ الذاتيّ." وهذا العامل سيتأثّر، بالضرورة، بالعوامل الموضوعيّة؛ فليس المجتمع "قطعةً من النيازك تتنقّل بقانون الحركة، وإنّما هو مجموعةٌ ضخمةٌ من الاحتياج والشعور والخوف والشجاعة والجبن والعقيدة والقدرة والعجز والمصلحة والتقاليد... وتغييرُ المجتمع ــــ بل تغييرُ أيّ ظاهرة مجتمعيّة ــــ معناه تحريكُ هذه المجموعة كلّها."
هذا نصّ جميل ومفيد، لا من منظور خمسينيّات القرن الماضي فحسب، بل هو ــــ بحسب ما سبق عنوانه: "أفكار للمناقشة" ــــ دعوة للنقاش ما تزال مستمرّةً إلى اليوم.
ي.أ.
للاطّلاع على النصّ هنا.
للاطّلاع على نصوص عبد الله القصيمي في الآداب هنا.