في عيد ميلادِكَ الخمسين،
أذكّركَ، عندما كنّا ولدًا وبنتًا،
باختباءاتِنا خلفَ الأشجار،
بجلوسِنا تحت النوافذ
بحجّة استراقِ الأحاديث.
***
في عيد ميلادكَ الخمسين،
أذكّرك بريقِكَ الأول،
وشفتيّ الطريّتيْن؛
بالدُّوارِ الذي انتابني وقتئذٍ،
وأنا أغوصُ فيك؛
بكفّكَ التي مازالت كهرباؤها تَسري
في كفّي،
كلّما تذكّرتُ عناقَهما القديم.
***
في عيدِ ميلادِكَ الخمسين،
أذكّركَ بقصاصاتِ أوراقِكَ الصغيرة،
التي لطالما أصابتني بالجنون
كلّما عددتُها ووجدتُ إحداها ناقصة،
وأرّقتني وأنا أبحثُ عنها
أو أفتّشُ لها عن مخبأ.
***
في عيدِ ميلادكَ الخمسين
أذكّركَ بأنّني لستُ إلّايَ:
غمزةُ عيني من بعيدٍ وهي تناديك،
ذراعاي المكتنزتان تلفّانك،
صدري يضمّكَ ولا تكاد تغادرُه إلّا
عندما تنكشكَ جديلتي
أنْ: "كفى... لقاؤنا بعد غد!"
***
في عيد ميلادِكَ الخمسين
أحتفلُ معكَ بالإنشاءِ الجديد،
بالخلقِ... بالتّكوين،
بالكلمةِ التي تطوفُ في التبَّانة،
بالخيطِ الأبيضِ والأسودِ على وشك الفكاك،
ترشفُ بواكيرَ الندى من أطراف الغيم،
نعتّقُها ونمزجها كلانا،
بذاتيْنا وتجاربِنا،
ونذكيها بهذا العشق اللامع.
***
في عيدِ ميلادِكَ الخمسين
لا داعي لفنجانيْن من القهوة،
ولا لكأسَيْ نبيذ،
ولا لسيجارتيْن،
ولا لرغيفيْن.
***
في خمسينك، يغدو توحّدُنا هو الأكثرَ نشوةً.
سنحتسي قهوتَنا من فنجانٍ واحد،
ونعتصر نبيذَنا من كأسٍ واحدة،
وسنستنشق السيجارةَ ذاتها،
وسنأكل الرغيفَ نفسَه.
***
سنتكاملُ ونذوب،
سنتوحّد ونتماهى،
ستتداعى أفكارُنا وذاتانا معًا،
سنحتفلُ بنا...
حيث صرنا، وسنكون.
كلُّ ذلك في عيدِ ميلادِك الخمسين!
***
سأواظبُ على وصايا العرّافة،
وأعوّذُكَ بتمائمِها الإغريقيّة،
ليتسارعَ نموُّ الشعر الأبيض في رأسك
وتُلهبَ فضّتُه جذوةَ عشقي نحوَك،
وأحتسي معك الحبَّ والشعْرَ والجنون
وأنتَ...
في عيد ميلادك الستّين!
القاهرة