في عينيك
في عَينيك
يدُ غريقٍ تلوح،
سُبّحةٌ مبعثرة اللؤلؤ، فرطتْ من شدّةِ خشوعِ المصلّين
الذين ماتوا تحت سكّين الخشوع.
في عَينيك
إصبعانِ تتلمّسانِ الحياة خلف الشيفون؛
علبةُ سجائر مبعثرة الغيم، تناثرت من شدَّةِ هذيانِ عصافيرِ القلب
الّتي وهبتْ أجنحتها لدبيبِ الدّفء في ترابِك؛
ترابِك الّذي يباغتُ وجهي الأزرق كلّ حين.
في عَينيك
دَمي الآيل للهطول؛
موسيقاي الآيلةُ للرقص تحت عزف خنجرٍ أسمر على شفتيّ.
في عَينيك
مُدني المهدّمة،
بيوتي المقصوفة،
أطفالي المقتولون،
أمّهاتي الثّكالى،
آياتي الكافرة،
وطني المُستباح،
وَجعي الطازج،
وأنا،
وغجرٌ يتكاثرون،
وتانغو لا يملّ الدوران،
وكوكبٌ كسولٌ يحتسي الشايَ في صدر مجرّةٍ فارغة؛
زجاجةُ بيرة لم تكتمل،
ومقهًى صغير على الطرفِ المقابل للجسر،
وجسرٌ لم يَعد معلّقًا،
وأنا،
وأنت،
وعَيناك.
إلى الملتحي ظلّي
أيّها الملتحي ظلّي!
يا ذا اليدين الباردتين،
والوجه الخجول كوجعي.
أيّها العجوز المستلقي على نغمةٍ خرساء،
بلا عكّاز... بلا بردةٍ...
إلّاي.
***
كنتُ أفكّر،
وكنتَ تلملمُ تداعياتي بيديك الهزيلتين،
فتلسعني البرودة.
كنتُ أبكي،
فتغسلُ حنجرتكَ المجرّحة بأوحالِ عينيّ.
كنتُ أغنّي،
فتضحكُ مُزاحِمًا الفراغَ بتجاعيدك الصّدئة السّاخرة.
كنتُ أصمتُ وأغلقُ وجهي بصدركَ الشاحبِ الأجرد،
فتمتصُّ ظلّي بفمٍ مترهّل
كهاويةٍ أستريحُ على حافّتها.
***
أيّها الواهي كزبدٍ بحريٍّ أعرتهُ أغنياتي ذاتَ مرّة؛
الصّدئ كأجراسِ ديرٍ أنتظرُ أن ترقصَ وتأخذني إلى الله ذاتَ أمنية.
أيّها المرهقُ كشمسٍ هزلَ نورها...
كمصباحٍ شحيح الزّيت...
كبحرٍ ملّ السّباحة...
كسماءٍ ملّت الارتفاع وهاهي تهطلُ رويدًا رويدًا، تكادُ تلتحفُ زفتَ الطريقِ الأسود.
أيّها العجوز
استيقِظْ مرّةً لأتعكّز بك؛
فأنا لم أعد أستطيع الشرودَ، ولا البكاء، ولا الغناء
ولا حتّى الصّمت.
يا ظلّيَ البارد... يا أناي!
التهمْني على حين غرّةٍ، فلن أقاومك...
لن أقاومك، ولن أتأفّف، ولن أقولَ آااخ!
التهمني بفمك المترهّل ذاك كحبّةِ فستقٍ عفنة...
كذرّةِ غبارٍ ضجرة...
كـ... كلاشيء...
لا شيءَ أبدًا.
أرِح الفراغَ منّي
ومن ظلّي الضّعيف هذا.
اعبُر بي إليك،
واسترح من ثرثرتي الغبيّة هذه.
ثمّ نم قرير العين...
نم يا صديقي.
طرطوس