-1-
لأنّكَ لاجئ
تصير الوسادةُ في أوّلِ النومِ كيسًا يلمُّ بقايا وجودِك:
اسمَكَ قبل اللجوءِ وبعدَ اللجوء،
خزانةَ أمِّك،
جيبَ أبيك،
دفاترَكَ المدرسيّة،
أمنية ًقلتَها للمعلّم،
إبحارَ عينيكَ في كحلِ أنثى تغذّي خيالَكَ بالنافذاتِ بقصر الأميرِ،
سياطًا من الفجرِ يجلدُ ليلَ الملاجئ،
وخوفًا ثقيلًا يزور النعاسَ كصوتِ النحاس.
لأنّكَ لاجئْ
عليكَ أن تستحيلَ رمالًا،
وترضى بحكم الشواطئ.
-2-
لأنّكَ لاجئ
عليكَ ركوبُ السفينة دون سؤالٍ ودونَ انتباهٍ لصوتِ المجاذيف
إيّاكَ أنْ تسألَ الناسَ: أين المرافئ؟
وقُل للرياح: كما تشتهينَ تسيرُ الأماني.
وإنْ ثقلَتْ بالسفينةِ صرّةُ خبزِكَ فلْتُلْقِها؛
وإنْ ثقلتْ بالسفينةِ سُكّرةٌ وضعَتْها بجيبِكَ أمُّكَ فلْتُلْقِها؛
وإنْ أزعجَ الناسَ خزّانُ نسلكَ فلتُلْقهِ؛
وإنْ صوّتوا لانتقاءِ الثقيل ليرموه في البحرِ فلتُلْقِ نفسكَ،
أنتَ الثقيلُ
لأنّكَ أنتَ الغريبُ،
وأنتَ المجيبُ لأوّلِ موج،
وأنتَ الطعامُ لأوّلِ حوتٍ يطوف بحارَ الملاجئ.
فكيف ستحمي جراحَ الهويّة من سمِّ هذا العراءِ الثقيل
ولا غرسَ يقطين ينبتُ في ساحلِ الاغتراب الطويل؟
-3-
لأنّكَ لاجئ
تَعُدُّ نقودَكَ مثلَ العجوزِ
وتمشي على الأرصفه.
وإنْ سمعَ الناسُ منكَ النشيجَ يقولون: ظلٌّ بكى واختفى!
فلا غيرَ مَنْ قاسموكَ اللجوءَ
يروْن بعينكَ خوفَ الغزالةِ من أسدٍ بابْنها ما اكتفى.
لأنّكَ لاجئ
تصيغُ من الوردِ شالًا لأمِّك،
تعرفُ أين ينامُ السنونو إذا انهدم العشُّ،
تدركُ كيف يصيرُ الشعاعُ إذا انتثرَ القشُّ،
تمشي برجلينِ تطليهما بغروب المدينة،
تسمع همسَ القبورِ الحزينة،
تجلس قرب الموسيقيّ عند محطّةِ ميترو
لتقطفَ من غصن أوتارِه جلّنارًا يجمِّعُ في سحبِ الذكرياتِ البخار.
لأنّكَ لاجئ
تكاد تكسّرُ جدرانَ فنجان شايِكَ حين تحرِّكُ سكَّرَه
وكأنّكَ ترغب أن تُعجِّلَ الأرضُ هذا الدوار.
-4-
حفاةً نسيرُ على شفرةٍ تترنّح فوق محيطٍ عميق
ولا أفق غير أفق الغريق
عراةً ننامُ بكلّ طريق
فتدهسُنا عجلاتُ المقاصل وهْي تسيرُ إلى أرضِنا
ونظلّ ضحايا لكلّ فريق.
لأنّكَ لاجئ
عليكَ أن تحميَ الإيديولوجيا بكلٍّ مدينة،
عليكَ أن تحفظَ الأمنَ للآخرين،
فتركضَ بين حدودِ العواصم
تحملَ وزْرَ جميعِ العوالم
تحرسَ كلَّ كنوز المناجم
تجلسَ في كلّ بارٍ لتمنعَ فوضى تصيب السكارى؛
فأنتَ المُدانُ الغريب
لأنّكَ لاجئْ.
ترى أنتَ من أيّ أرضٍ تكونْ؟
وإن أخطأَتْ شهوةُ اللاجئين وجاءت بطفلٍ، فمن أيّ شعبٍ يكونْ؟
-5-
تعالي؛
فشهقةُ حبٍّ في صدرِ اللجوءِ طويله،
وقبلة ُ ثغرٍ بنارِ العراء جليلهْ.
فكم أتمنّى أن ألتقيكِ
كأنّي حجابٌ يلامس حاجبَ أنثى جميلهْ...
تعالي لعلّ يديكِ تعيدان رسمَ الربيع
وتنغرسانِ كعودٍ طريٍّ في تلّ يغنّي لنوروزَ لحنَ الرجوع.
تعالي،
فعيناكِ رايةُ شعبٍ عنيد
ورمشُكِ أوتارُ عودٍ يردّدُ صوتَ الوجود.
تعالي،
فقلبي تشظّى كبيتي القديم
وعشِّ السنونو وقنِّ الدجاج.
تعالي،
فقلبي كجُرن الدقيق يدقّ به مِطرقُ الذكريات
ليكنسَ صوتًا في روحي يدوّي:
لأنّكَ لاجئ
عليكَ التبعثرُ في كلّ شاطئْ؛
لأنّكَ لاجئْ
لأنّكَ لاجئْ!
سوريا