منسّق مختبر الديموغرافيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعيّة – الجامعة اللبنانيّة. أستاذ وباحث في المعهد. له عدد من المؤلفات والمنشورات، من بينها ستة كتب في الديموغرافيا والإعلام والسوسيولوجيا، أحدثها: ديموغرافيا المشرق.
في 19 آذار (مارس) الماضي نشرتُ بحثًا مقتضبًا يقوم على مقاربةٍ ديموغرافيّةٍ لجائحة الكورونا.[1]في ذلك البحث بيّنتُ أنّ الدولَ الأكثرَ تعمُّرًا، وخصوصًا إيطاليا وألمانيا، ستكون الأكثرَ تأثّرًا لناحية عدد الوفَيات فيها. واليوم، بعد مرور أكثر من أسبوعيْن على تلك الدراسة، أعودُ لأرفدَها ببعض التحديثات والملاحظات؛ على أن أقومَ بذلك مجدَّدًا بعد أسبوعين، إذا استدعت الحاجة.
عند كتابة هذه الأسطر، كان لبنان قد نجح جزئيًّا في لجم انتشار الكورونا.[2] وتأتي كلُّ الأرقام والمعلومات في هذا التحديث أمامكم، وعن قصد، قبل زيادتها المتوقَّعة جرّاء عودة المغتربين إلى لبنان بدءًا بيوم 5 نيسان (أبريل).
ستقارب هذه المقالةُ النقاطَ التي كانت صحيحةً في 19 آذار ولكنّها لم تعد كذلك اليوم، وهي الآتية:
1 - مسألة حتميّة ارتفاع الوفَيات في ألمانيا، شأن بقيّة دول أوروبا الغربيّة، بسبب تعمُّر المجتمع الألمانيّ وانتشار الكورونا فيه.
2 - المقاربة الإنكليزيّة لمواجهة الكورونا.
3- انتشار الكورونا الكثيف في الولايات المتحدة، علمًا أنّ ترامب كان قد قلّل من خطورة الكورونا قبل حوالى الشهر من اليوم.
4 - الوضع اللبنانيّ ومدى صحّة الأرقام.
لكنْ بدايةً، لا بدّ من عرض الأرقام المحدَّثة المتعلّقة بنِسَب الإصابة في بعض الدول، وبخاصّةٍ المذكورة أعلاه، وذلك لتبيان المسار التطوّريّ لانتشار الكوفيد - 19 من أوّل آذار إلى اليوم.
تمتدّ فترةُ القياس على خمسة أسابيع: من 2 آذار إلى 5 نيسان. ولقد كان تحديثُ الأرقام في البحث السابق بالغَ الأهميّة والضرورة نظرًا إلى تسارع عدد الإصابات حينها، إلّا أنّه اليوم بات أقلَّ أهمّيّةً نظرًا إلى استقرار مسار المنحنيات في كلّ الدول المبحوثة.
الرسم البياني 1: عدد حالات الكوفيد-19 في بعض الدول من 2 آذار إلى 5 نيسان 2020[3]
لا تزال إيطاليا تتربّع على قائمة الدول المصابة بالجائحة، ولا تَقْرب منها أيُّ دولةٍ أخرى لناحية نسبة المصابين إلى عدد السكّان. وهنا لا بدّ من التذكير بأنّنا لا ننظر إلى عدد المصابين (إذ إنّ الولايات المتحدة هي الأولى في هذا المجال مع اقتراب عدد هؤلاء من 350 ألفًا)، بل ننظر إلى نسبة المصابين، أيْ: عدد المصابين مقسومًا على عدد السكّان ومضروبًا بمليون. وكذلك الحال في دول أوروبا الغربيّة، حيث التزايدُ لا يزال مرتفعًا، وإنْ أصبح أقلَّ من السابق، كما ستوضحه الرسومُ القادمة. ما يهمُّنا هنا هو تبيانُ كيف أنّ الدول المتقدمة سجّلتْ تزايدًا متسارعًا في أعداد المصابين، على عكس لبنان الذي تَظْهر نسبةُ الزيادة فيه منخفضةً جدًّا مقارنةً بها. قد يقول البعض إنّ أعدادَ المصابين في لبنان أقلُّ بكثيرٍ من الأرقام الفعليّة؛ لكنّ ذلك ما سنعود إليه بعد عرض كلّ المعطيات.
تراجعتْ حدّةُ نموّ عدد الحالات بشكلٍ واضحٍ مع مرور الوقت. فقد كانت في أعلى مستوياتها قبل النصف الأوّل من آذار، لكنها انخفضتْ عند تطبيق الإجراءات الصارمة لـ"التباعد الاجتماعيّ." ففي حين سجّل النموُّ رقمًا قياسيًّا تجاوز 100% في ألمانيا بين 4 و5 آذار، تراجعت النسبةُ بعد شهر إلى 6.9% فقط.
الرسم البياني 2: نسبة النموّ اليوميّ لعدد الحالات المسجّلة (من 2 آذار إلى 4 نيسان)
شجّع هذا النمطُ المتراجعُ معظمَ دول العالم على اعتماد التباعد الاجتماعيّ وإقفالِ المدارس والمؤسّسات التي صُنّفتْ "غيرَ ضروريّة،" بل فُرض منعُ التجوّل أيضًا. وهذا ما دفع بالمملكة المتّحدة إلى التراجع عن المقاربة الأولى، المتمثّلةِ قي نظريّة "مناعة القطيع،" في اتجاه اعتماد التباعد الاجتماعيّ. إلّا أنّ تراجُع المملكة أتى متأخّرًا بعضَ الشيء: ففي حين قامت معظمُ الدول باعتماد تدابيرَ متشدّدةٍ للتباعد، فإنّ المملكة لم تعتمدْه إلّا بعد منتصف آذار. والحقيقة أنّ فترةَ أسبوع أو عشرة أيّام من التأخّر عن بقيّة الدول ساهمتْ في انتشار الوباء في شكلٍ أسرع، بل أدّت إلى إصابة أفراد الأسرة المالكة ورئيسِِ وزراء بريطانيا (الموجود حاليًّا في قسم العناية المشدَّدة). ولم يأتِ هذا التعديلُ في السياسة الحكوميّة – الصحّيّة في المملكة إلّا بعد أن تبيّن أنّ أكثرَ من 30% من مرتادي المستشفيات من أجل العلاج يدخلون إلى قسم العناية الفائقة، ما أدّى إلى إنهاك المستشفيات كافةً.[4]
الرسم البياني 3: النموّ الأسبوعيّ لعدد الحالات في بعض الدول (2 آذار إلى 5 نيسان 2020)
عند التدقيق في معدّلات النموّ الأسبوعيّة، أيْ على فترات تمتدّ كلٌّ منها 7 أيّام، وفي معدّل النموّ من أوّل آذار إلى الخامس من نيسان، نجد أنّ أعلى نسبة نموّ قد سُجّلتْ في الولايات المتحدة، إذ اقترب عددُ المصابين هناك من 350 ألفًا، بزيادة أكثر من 26%.
الرسم البياني 4: نسبة النموّ في عدد الحالات في بعض الدول (من 2 آذار إلى 5 نيسان 2020)
أمّا أدنى نسبة نموّ، فقد سُجّلتْ في لبنان وإيطاليا، إذ بلغتْ 11% و13% على التوالي، بعد أن كانتا 14% و19% قبل ذلك؛ علمًا أنّ الفترة الأخيرة شهدت انخفاضًا واضحًا في نسبة نموّ حالات الإصابة عند جميع الدول.
هنا المزيد من المعلومات الخاصة بـ"وفاتيّة"[5]المصابين بالكوفيد-19، على أن نقومَ بتحليلها في نهاية المقالة.
الرسم البياني 5: معدّل المصابين من إجماليّ عدد السكّان (بالمليون) من 2 آذار إلى 5 نيسان 2020
الرسم البياني 6: معدّل الوفيات بين المصابين (بالألف) من 2 آذار إلى 5 نيسان 2020
ذكرنا سابقًا أنّ إيطاليا سجّلتْ أعلى نسبة إصابة بين مواطنيها، تليها كلٌّ من فرنسا وبريطانيا. إلّا أنّ معدَّلات الوفاة بين المصابين في هذه الدول أتت متشابهةً، وقريبةً من 120 بالألف. أمّا في لبنان فكانت النسبةُ حوالى 35 بالألف، وفي الولايات المتحدة حوالى 29 بالألف.[6] هنا نحن أمام ظاهرة لا بدّ من تفسيرها وتحليلها في ما يخصّ معدَّلات الوفاة في هذه الدول. ولكنْ قبل ذلك سنَعْرض مقارنةً بين أعداد الاختبارات التي أُجريتْ في كلٍّ من هذه الدول.
الرسم البياني 7: عدد اختبارات السارس-كوف-2 (بالألف) التي أجرتها مجموعةٌ من الدول لغاية 31 آذار 2020[7]
تتفوّق ألمانيا على الدول الأخرى لناحية عدد اختبارات السارس-كوف-2 التي أجرتها بحيث زادت عن 11 اختبارًا لكلّ ألف ساكن، تليها إيطاليا ففرنسا والولايات المتحدة. أمّا لبنان فأتى في المرتبة الأخيرة لهذه الناحية، وإنْ كانت أعدادُ اختباراته تلك قريبةً من بريطانيا. وهذه الأرقام بالغةُ الأهمّيّة لفهم المزيد حول توزعّ الوفَيات واختلافها بين دولةٍ وأخرى، وبخاصّةٍ بين ألمانيا وبقيّة الدول الأوروبيّة.
وأخيرًا، فإنّ عرض نسبة المصابين من بين الخاضعين لهذا الاختبار يُبيّن معلومةً بالغةَ الأهميّة: فكلّما ارتفعتْ نسبةُ المصابين بين الذين أجروْا الاختبارَ، احتجنا إلى المزيد من الاختبارات وعلى نطاقٍ أشمل. ذلك لأنّ الاختبارات التي أجرتها ألمانيا، وهي الأعلى في إجرائها مقارنةً بجميع الدول المبحوثة في هذه المقالة، دلّت على أنّ 7% فقط من الذين خضعوا للاختبار أتت نتيجتُهم إيجابيّةً، أي إنّهم يحملون الفايروس؛ بينما تجاوزتْ هذه النسبة حدَّ 20% في الولايات المتحدة. أمّا في لبنان، فلم تزد نسبةُ المصابين عن 6% من أصل أكثر من 9000 اختبار أُجريَ على مختلف الأراضي اللبنانيّة. وهذا ما يزيد من اطمئناننا إلى أنّ أرقامَ الإصابات في لبنان ليست بعيدةً عن الواقع؛ صحيح أنّ نسبة الاختبارات إلى عدد السكّان لم ترقَ إلى مستويات الدول الأكثر تقدّمًا، إلا أنّ نسبة الذين أتت نتائجُهم إيجابيّةً، أي كانوا مصابين بالفايروس، أتت منخفضةً مقارنةً بجميع الدول المدروسة.
الرسم البياني 8: نسبة الإصابة بين الذين خضعوا لاختبار الكوفيد-19 لغاية 31 آذار 2020 [8]
عند تحليل المعطيات الواردة أعلاه، أصبح في الإمكان أن نجيب عن الأسئلة التي طُرحتْ في بداية المقالة.
أولًا، بالنسبة إلى ألمانيا. كنّا، في مقالتنا السابقة، قد توقّعنا ارتفاعَ أعداد الوفَيات في ألمانيا، بحيث يكون شبيهًا بما يحصل في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وهي مجتمعاتٌ ذاتُ بنيةٍ عمريّةٍ متقاربة. إلّا أنّ ما صدمنا، بل صدم العالم، هو انخفاضٌ واضحٌ في معدّلات الوفاة فيها. وعند محاولة التفسير نطرح ما يأتي:
- لقد جهّز الألمانُ أنفسَهم كما يجب لتلافي الخسائر الفادحة. فهم قد تهيّأوا للوباء منذ بداية انتشار الأخبار عنه عالميًّا، وخصوصًا لناحية تجهيز المستشفيات بأجهزة التنفّس؛ الأمرُ الذي لم تقم به بقيّةُ الدول.
- إنّ العدد المرتفع من الاختبارات في ألمانيا، وهو أضعافُ ما قامت به سائرُ الدول، ذو تأثير بالغ الأهمّيّة على أعداد الوفَيات، إذ يبدو أنّ نسبةَ الوفاة التي أشيع أنّها 3.5% أقلُّ من ذلك بكثير؛ فهذه النسبة تقتصر على الذين أجروْا اختبارَ الكورونا وتبيّنتْ إصابتُهم به.
والحقيقة أنّ معظم الدول لم تقم باختبارات "عشوائيّة" (random) لتقفّي عدد المصابين، بل اكتفت بإجرائه لمن ظهرتْ عليه العوارض. لا بل إنّ الدول التي عانت الجائحةَ أكثرَ من غيرها، ومنها الدولُ الأوروبيّة الثلاثُ المذكورة هنا (فرنسا وإيطاليا وبريطانيا)، لم تُجرِ الاختباراتِ إلّا على الأكثر تأثّرًا بالعوارض؛ وعليه، فإنّ الذين تبيّن – نتيجةً للاختبار - أنّهم مصابون بالفيروس في هذه الدول الثلاث سبق أن مرّت عليهم فترةٌ من الزمن كي يتحوّل الاشتباهُ بإصابتهم إلى يقين. أمّا ألمانيا، ومثلها كوريا الجنوبيّة، فقد أجرتا الاختبارات على صعيدٍ عشوائيّ واسعٍ. وعليه، فإنّ عددَ المصابين الذين لم تظهرْ عليهم العوارضُ في ألمانيا هو من الأعلى في العالم. وهذا ما يفسِّر سببَ انخفاض الوفَيات أيضًا.
- تسعى ألمانيا إلى "تسطيح" منحنى الإصابات (Flattening the Curve) بغية المباعدة بين حصولها، وهو ما يسمح لهم باستقبال أكبر عددٍ ممكنٍ من المصابين في المستشفيات. وهنا نجد بعضَ الآراء التي تقول إنّ ألمانيا، التي تعوِّل على اكتشاف لقاحٍ أو علاج، لا تقوم إلّا بتأخيرِ ما هو محتَّم، أي الوفَيات. ومن ثمّ، فإذا استمرّت الأرقامُ على ما هي عليه اليوم، فإنّ عددَ الوفيات في ألمانيا بعد عامٍ لن يختلف كثيرًا عن نظيره في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.
- هناك نظرة جدّية تعتبر أنّ انخفاض الوفَيات في ألمانيا يعود إلى حلقةٍ مخفيّةٍ وناقصةٍ ذاتِ علاقةٍ بخصائص الألمان أنفسهم. فالألمان، بحسب هذه النظرة، هم من أكثر الشعوب انضباطًا وحفاظًا على صحّتهم؛ ما يعني أنّ نسبةَ المصابين بأمراض القلب والرئة والسكّريّ وغيرها من الأمراض التي تزيد من احتمال الوفاة - نتيجةً لفايروس الكورونا أو لغير ذلك من الأسباب - هي أدنى من باقي الدول.
- وهناك نظريّاتٌ تبحث جدّيًّا في مسألة العلاقة بين انتشار لقاح السلّ (BCG) الذي كان إلزاميًّا في فترة الأربعينيّات وما بعدها، في ألمانيا، ومقاومة كبار السنّ هناك للكورونا.[9]
ثانيًا، في الولايات المتحدة وبريطانيا. لقد ثبت، وبالأرقام المرعبة، للولايات المتحدة ولبريطانيا، أن الكوفيد-19 جائحةٌ ذاتُ نتائجَ مدمِّرة. وما ارتفاعُ نِسب الإصابات إلّا الدليلُ على ذلك. وقد كان للتخبّط الرسميّ في هاتيْن الدولتيْن تأثيرٌ سلبيٌّ في الانتشار وفي أعداد الوفَيات. ومن المنتظر أن تشهدَ الولاياتُ المتحدة ارتفاعًا واضحًا في أعداد الوفَيات خلال الأسابيع المقبلة، أسوةً بإيطاليا وفرنسا وبريطانيا قبلها. والفرق بين المجموعتين أنّ الانتشار الوبائيّ بدأ في أوروبا قبل الولايات المتحدة بأسابيع، فبدأ النظامُ الصحّيُّ الأميركيّ يشعر بوطأة الوباء منذ حوالى عشرة أيّام، وهو ما سيؤدّي إلى زيادة الضغط عليه في الأسابيع المقبلة.
والحقيقة أنّ ما حصل من زيادةٍ مفاجئة لأعداد المصابين في الولايات المتحدة انعكس تخبّطًا في خطاب الرئيس الأميركيّ ترامب. ففي 26 شباط صرّح أنّ الكوفيد-19 ("الفيروس الصينيّ" كما دعاه) هو كالأنفلونزا الموسميّة، لكنّه في 31 آذار قال إنّه ليس كالأنفلونزا لأنّه "متوحّش." وفي 24 آذار اعتبر أنّ التباعد الاجتماعيّ سيسبِّب خرابَ المجتمع، لكنّه في الأوّل من نيسان شدّد على ضرورة التقيّد به.[10]
ثالثًا، بقيّة دول العالم. بالنسبة إلى أعداد الوفيات في العالم جرّاء هذا الفايروس، وضحيّتُه الأولى إيطاليا إنْ لناحية العدد أو معدَّل الوفيات، فإنّ الوقت لا يزال مبكّرًا للتحليل.
***
وبالعودة إلى الوضع في لبنان قبل عودة المغتربين (وهي العودة التي يرجَّح أن تحمل أعدادًا من المصابين بالكوفيد-19، وخصوصًا في صفوف القادمين من أوروبا)، فإنّنا نسأل بدايةً: هل الأرقام في لبنان صحيحة؟
للتأكّد من صحّة الموضوع، لا بدّ من أن ننطلق من مسلَّمتيْن:
- الأولى، التنويه بأنّ الأرقام، وإنْ كانت غيرَ دقيقةٍ في بداية الأزمة، فإنّها لا يمكن أن تكون بعيدةً عن الدقّة اليوم. وذلك يعود إلى سبب بسيط، وهو أنّ معدّل الوفيات بين المصابين بهذا الوباء في لبنان، أيْ 3.5%، قريبٌ جدًّا من المعدّل العالميّ، الذي هو 5.8%. فلو كانت الأعدادُ أعلى ممّا هو معلن، فستكون الوفياتُ أعلى من الحالات المسجّلة اليوم. من الممكن، طبعًا، إخفاءُ الأعداد المصابة؛ أمّا الجثامين فلا يمكن إخفاؤها! لبنان ليس دولةً تتبع التعتيمَ الإعلاميّ. وأيُّ وفاةٍ تَحُوم حولها الشبهاتُ، لا بدّ من أن تضجَّ بها وسائلُ الإعلام كافّةً. وهذا ما يوصلنا إلى:
- المسلّمة الثانية، وهي أنّ لبنان بلدٌ تتغلّب فيه السياسةُ على كلّ شيء. والأفرقاء السياسيون فيه قد امتهنوا الضربَ تحت الحزام، وهم في انتظار أيّ "نقيصة" لكي يسجّلوها على الفريق الحاكم، ولو كانت لونَ الأثاث المنزليّ أو شكلَه. ولو توافرتْ لديهم أيُّ معلومات تعطيهم حججًا كي يهاجموا بها مَن في السلطة، على علّاتهم، فلن يتوانوْا لحظةً في ذلك.
وعليه، فقد تكون الأرقامُ غيرَ دقيقة، إلّا أنها ليست بعيدةً كثيرًا عن الدقّة. فلبنان بدأ باتّباع سياسة التباعد الاجتماعيّ قبل غيره من الدول. وهو يزيد من صرامة الإجراءات شيئًا فشيئًا - - وذلك ليس بالأمر السهل في بلدٍ أصبح نصفُ سكّانه على خطّ الفقر أو دونه. ومن أجل التأكّد من الأرقام، لا بدّ من تفعيل الاختبارات وتعميمها، وإلزامِ المشتبَه في إصابتهم بالحجْر المنزليّ، إلى أن يثبتَ أنّهم غيرُ مصابين.
لن يكون هذا المقال حاسمًا لناحية الاستنتاجات لأنّ هناك شيئًا أكيدًا واحدًا نعرفه عن كورونا: وهو أنّنا لا نعرف الكثيرَ بعد! ففي حين تتشابه دولُ أوروبا الأكثرُ تطوّرًا لناحية الإصابات المرتفعة عندها، فإنّ ألمانيا تشذّ عنها لتكون حالةً استثنائيّةً. أمّا نحن، الذين نَجْلد أنفسَنا ليل نهار على "تخلّفنا،" فيبدو أنّنا أفضلُ بكثيرٍ من تلك الدول!
سنكون في تحديثٍ آخرَ للمعطيات بعد أسبوعين من اليوم، وسنتعرّف فيه على أثر معاودة الرحلات إلى لبنان، وأثر ارتفاع وتيرة الاختبارات في كافّة الأراضي اللبنانيّة. كما سنتابع مسارَ انتشار المرض في العالم. الأهمّ أنّنا سنتعرّف إلى أيّ تعديل قد يطرأ على معدّلات الوفَيات العالميّة، التي ارتفعتْ من 3.4% في 19 آذار إلى 5.8% في 8 نيسان، وهي مرشّحةٌ للمزيد من الارتفاع في ظلّ انهيار أنظمة الرعاية الصحّيّة حول العالم.
بيروت
[1]. شوقي عطيّه، "جائحة الكورونا 2019: مقاربة ديموغرافية،" الآداب، 19/3/2020: http://al-adab.com/article/%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-2019%C2%A0%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9
[2]. لا بدّ هنا من إعادة التعريف بالمصطلحات العلميّة التي تدور في فلك الكورونا. أوّلًا: الاسم العلميّ للفايروس المسؤول عن المرض هو سارس-كوف-2، واستُخدم الرقمُ لتمييزه من الفايروس التاجيّ الأوّل المسؤول عن وباء السارس. يتسبّب هذا الفايروس بمرض تنفّسيّ حادّ هو الكوفيد-19 (COVID-19). وقد أطلقتْ عليه تسميةُ الكورونا المستجدّ (Novel Corona) لتمييزه من بقيّة الفايروسات التاجيّة (Corona Viruses). وتطلق تسميةُ "الفايروسات الكورونيّة" على عددٍ من الفايروسات التي تتميّز بشكلها التاجيّ، ومن هنا التسميةُ باللاتينيّة. ويعود الشكلُ إلى البروتينات المحيطة بغشاء الفايروس، والتي تتّخذ شكلَ التاج. لمزيد من المعلومات، راجع صفحة منظّمة الصحّة العالميّة: https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/technica...(covid-2019)-and-the-virus-that-causes-it
[3]. كلّ الرسوم هي للباحث. ومصادر المعلومات لهذا الرسم، وللرسوم 2 إلى 4:
- بالنسبة إلى الدول كافةً باستثناء الولايات المتحدة ولبنان:
https://ourworldindata.org/coronavirus#deaths-from-covid-19
- مصدر المعطيات في لبنان: موقع وزارة الصحّة اللبنانيّة، على الرابط:
https://www.moph.gov.lb/maps/covid19.php
- مصدر المعطيات للولايات المتحدة: موقع مركز التحكّم بالأمراض CDC، على الرابط:
https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/cases-updates/cases-in-us.html
[4]. Sarah Boseley, “New data, New policy: Why UK's Coronavirus Strategy Changed,” The Guardian, 16-3-2020, Retrieved from
[5].يُستخدم مصطلح "الوفاتيّة" (Mortality) في الديموغرافيا للدلالة على مجموع أحداث الوفَيات في منطقةٍ ما ولفترة زمنيّة محددة، وعندها تصبح الظاهرة قابلةً للوصف والتحليل.
[6]. 35 بالألف= 3.5%. 120 بالألف = 12%. 29 بالألف = 2.9%.
[7]. مصدر المعطيات كلّها، باستثناء لبنان: https://ourworldindata.org/covid-testing
مصدر المعطيات للبنان موقع وزارة الصحّة، مذكور سابقًا.
[8]. المصادر أعلاه. تعود أرقام كلّ الدول إلى 31 آذار باستثناء لبنان، الذي تعود أرقامُه إلى 5 نيسان. والسبب هو عدم توفّر معلومات عن تلك الدول لغاية 5 نيسان، ولذلك توقّفنا عند 31 آذار؛ أمّا لبنان فكان الرقم المتوفّر لنا يعود إلى 5 نيسان. فاقتضى التنويه.
[9]. Aaron Miller, “Correlation between Universal BCG Vaccination Policy and Reduced Morbidity and Mortality for COVID-19: An Epidemiological Study,” MedRxiv, 11-1-2020, Retrieved from: https://www.medrxiv.org/content/10.1101/2020.03.24.20042937v1?fbclid=IwA...
منسّق مختبر الديموغرافيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعيّة – الجامعة اللبنانيّة. أستاذ وباحث في المعهد. له عدد من المؤلفات والمنشورات، من بينها ستة كتب في الديموغرافيا والإعلام والسوسيولوجيا، أحدثها: ديموغرافيا المشرق.