في العام 1996 كنتُ أعمل طبيبَ طوارئ في مستشفى صغير في بلدة عيتيت الجنوبيّة. هناك، التقيتُ طبيبَ أسنانٍ من بلدة عيناتا، حيث كان للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مكتبٌ وقاعدةٌ عسكريّة.
بعد الحديث مع الطبيب، الذي لم أعد أذكر اسمَه، سألني إذا كنتُ أعرف ماهر اليماني. أجبتُ: "نعم، هو رفيقي وصديقي." عندها، أشاد الطبيبُ بالمسلكيّة الثوريّة والأخلاقيّة التي كان يتمّتع بها الرفيق القائد ماهر اليماني.
ثمّ طال الحديثُ عن أيّام الزمن الجميل، وعن ماهر المناضل القائد الذي يتمتّع بكلّ الصفات الأخلاقيّة إزاء المحيط المدنيّ والشعبيّ في بلدات الجنوب. وقال الطبيب إنّ ماهرًا كان يفرض على رفاقه جنيَ ثمار الزيتون والتين في محيط القواعد العسكريّة التي لا يستطيع أصحابُها الوصولَ إليها، ويَفرض عليهم تسليمَها إلى أصحابها كاملةً من دون المسّ بحبّة واحدة.
وقال لي إنّ ماهرًا كان يَمنع أيَّ مقاتلٍ من التجوّل في القرى بسلاحه أو بلباسه العسكريّ. بل وصل به الأمرُ، من باب الاحتياط ولمنع الاحتكاك بين المقاتلين والمدنيين، أنْ منع العسكريَّ من الذهاب إلى أيّ دكّان لشراء حاجته إذا كانت البائعةُ امرأةً، وطلب إرسالَ أحد أولاد القرية بدلًا منه.
في نهاية اللقاء الطويل قال لي طبيبُ الأسنان إنّه كان وما يزال رفيقًا لنا. وأضاف أنّ ماهرًا بقي يزورُه من وقتٍ إلى آخر.
قبل أن أغادر، ناداني طبيبُ الأسنان، وانتحى بي جانبًا، وأعطاني 200 دولار بمثابة تبرّع للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. وقال: "أعرفُ أنّ أوضاعَكم المادّيّةَ صعبة، وهذه مساهمةٌ متواضعةٌ منّي."
***
هذا بعضٌ قليلٌ ممّا زرعه القائد ماهر اليماني، نحصده حبًّا وتعاطفًا وتضامنًا ودعمًا.
صور
علي صابر محمّد
وُلد في مخيّم برج الشمالي قرب مدينة صور، جنوب لبنان. يعمل طبيبَ طوارئ في مستشفى جبل عامل (صور)، وفي جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ. نائب رئيس اتحاد الأطبّاء والصيادلة الفلسطينيين في لبنان.