نشرتْ مجلّة الزهور مسرحيّة جريح بيروت، مع تقديم. تعيد الآداب نشرهما بمثابة ملحقٍ لنصّ الكاتبة أثيرة محمد علي، "جريح بيروت: من القاهرة إلى دمشق: كولاج من حكي الجرايد وتداعيات السياق السياسيّ والثقافيّ."
***
هي أبياتٌ تمثِّل حالةَ جريحٍ من جرحى حادثة بيروت الأخيرة، وضعها لهذه الليلة سعادةُ إسماعيل باشا صبري وحافظ أفندي ابراهيم. الممثّلون: الجريح البيروتيّ: جورج أفندي أبيض. ليلى زوجتُه: الست إبريز استاتي. العربي: فؤاد أفندي سليم. الطبيب المصريّ: عبد الرحمن أفندي رشدي.
الجريح:
ليلاي ما أنا حيٌّ
|
يُرجى ولا أنا ميتُ
|
لم أقضِ حقّ بلادي
|
وها أنا قد قضيتُ
|
شفيتُ نفسي وإنّي
|
لما رُميتُ رَميتُ
|
بيروت لو أنّ خصمًا
|
مشى إليَّ مشيتُ
|
أو داس أرضَكِ باغٍ
|
لدستُه وبغيتُ
|
أو حلَّ فيكِ عدوٌّ
|
مُنازِِلٌ ما اتّقيْتُ
|
لكنْ رماكِ جبانٌ
|
لو بان لي لاشتَفيتُ
|
ليلايَ لا تحسبيني
|
على الحياةِ بكيتُ
|
ولا تظنّي شكاتي
|
من مصرعي إنْ شكوْتُ
|
ولا يخيفنَّكِ ذكري
|
بيروتَ أنّي سلوْتُ
|
بيروت مهدُ غرامي
|
فيها وفيكِ صبوْتُ
|
جررتُ ذيلَ شبابي
|
لهوًا وفيها جريْتُ
|
فيها عرفتُكِ طفلًا
|
ومن هواكِ انتشيْتُ
|
ومن عيونِ رُباها
|
وعذبِ فيكِ ارتويْتُ
|
فيها لليلى كناسٌ
|
ولي من العزِّ بيْتُ
|
فيها بنى لي مجدًا
|
أوائلي وبنيْتُ
|
ليلى سراجُ حياتي
|
خبا فما فيهِ زيْتُ
|
قد أطفأتهُ كُراتٌ
|
ما من لظاهنَّ فوْتُ
|
رمى بهنَّ بغاةٌ
|
أصبنني فثويْتُ
|
ليلى:
لو تُفتدى بحياتي
|
من الرَّدى لفديتُ
|
ولو وقاكَ وفيٌّ
|
بمُهْجتي لوقيتُ
|
إنْ عشتَ أو متَّ أنّي
|
كما نويتَ نويتُ
|
الجريح:
ليلايَ عَيشي وقَرّي
|
إذا الحِمامُ دعاني
|
ليلايَ ساعاتُ عمري
|
معدودةٌ بالثواني
|
فكفكفي من دموعٍ
|
تَفْري حشاشةَ فاني
|
ومهِّدي ليَ قبرًا
|
على ذُرى لبنانِ
|
ثم اكتبي فوقَ لوحٍ
|
لكلّ قاصٍ وداني:
|
هنا الذي مات غدرًا
|
هنا فتى الفتيانِ!
|
رَمَتهُ أيدي جُناةٍ
|
من جيرةِ النيرانِ
|
قرصانُ بحرٍ تولَّوْا
|
من حومةِ الميدانِ
|
لم يخرجوا قيدَ شبر
|
عن مسبحِ الحيتانِ
|
ولم يطيقوا ثباتًا
|
في أوجهِ الفرسانِ
|
فشمَّروا لانتقامٍ
|
من غافلٍ في أمانِ
|
وسوَّدوا وجهَ روما
|
بالكيْدِ للجيرانِ
|
تَبًّا لهم من بغاثٍ
|
فرُّوا من العقبانِ!
|
لو أنّهم نازلونا
|
في الشامِ يومَ طعانِ
|
رأوْا طرابلسَ تبدو
|
لهم بكلِّ مكانِ
|
يا ليْتني لم أُعاجَلْ
|
بالموتِ قبلَ الأوانِ
|
حتى أرَى الشرقَ يسمو
|
رغم اعتداءِ الزمانِ
|
ويستردُّ جلالًا
|
لهُ ورفعة شانِ
|
وليعلم الغربُ أنَّا
|
كأمّةِ اليابانِ
|
لا نرتضي العيشَ يجري
|
في ذلّةٍ أو هوانِ!
|
أراهم أنزلونا
|
منازلَ الحيوان
|
وأخرجونا جميعًا
|
عن رتبةِ الإنسانِ
|
وسوف تقضي عليهمُ
|
طبائعُ العمرانِ
|
فيصبح الشرقُ غربًا
|
ويستوي الخافقانِ
|
لاهُمَّ، جدّدْ قوانا
|
لخدمةِ الأوطانِ
|
فنحن في كلّ صقعٍ
|
نشكو بكلِّ لسانِ
|
يا قومَ إنجيلِ عيسى
|
وأمّةَ القرآنِ
|
لا تقتلوا الدهرَ حقدًا
|
فالملْكُ للديَّانِ
|
ليلى:
إنّي أرى من بعيدٍ
|
جماعةً مُقْبِلينا
|
لعلَّ فيهم نصيرًا
هوّن عليكَ تماسكْ
|
لعلَّ فيهم مُعِينا
إنّي سمعتُ أنينا
|
|
|
(يدخل الطبيبُ المصريُّ ورجالُه مع رجل عربيّ)
الطبيب:
|
|
أظنُّ هذا جريحًا
|
يشكو الأسى أو طعينا
|
باللَّه ماذا دهاهُ
|
يا هذهِ خبِّرينا!
|
ليلى:
لقد دهتهُ المنايا
|
من غارةِ الخائنينا
|
صبُّوا عليهِ الرزايا
|
لم يتّقوا اللهَ فينا
|
فخفِّفوا من أذاه
|
إنْ كنتمُ فاعلينا
|
الطبيب:
لا تيأسي – وتجلّدْ
|
أراك شهمًا ركينا
|
أبشرْ فإنّكَ ناجٍ
|
واصبرْ مع الصابرينا
|
(ثمَّ يفحصهُ ويلتفت إلى إخوانه ويقول:)
أوَّاه إني أراهُ
|
للموتِ أمسى رهينا
|
جراحُه بالغاتٌ
|
تُعْيي الطبيبَ الفَطينا
|
وعن قريبٍ سَيقضي
|
غضَّ الشبابِ حزينا
|
العربي:
أفٍّ لقومٍ جياعٍ
|
قد أزعجوا العالمينا
|
قِراهُمُ أينَ حلُّوا
|
ضربٌ يقُدُّ المُتونا
|
عقّوا المروءةَ هدّوا
|
مَفاخرَ الأوّلينا
|
عاثوا فسادًا وفرّوا
|
يستعجلونَ السَّفينا
|
وألبَسوا الغربَ خِزيًا
|
في قرنهِ العشرينا
|
وألجموا كلَّ داعٍ
|
وأحرجوا المُصلحينا
|
فيا أورُبّةً مهلًا
|
أين الذي تدَّعينا؟
|
ماذا تريدين منّا
|
والداءُ أمسى دفينا؟
|
أين الحضارةُ؟ إنّا
|
بعيْشِنا قد رَضِينا!
|
لم نؤذِ في الدهر جارًا
|
ولم نخاتلْ خَدِينا
|
"مسرّةَ" الشامِ إنّا
|
إخوانُكُم ما حَيِينا
|
ثقوا فإنّا وثِقْنا
|
بكم وجئنا قطينا
|
إنّا نرى فيكَ عيسى
|
يدعو إلى الخيرِ فينا
|
قرَّبْتَ بين قلوبٍ
|
قد أوشكتْ أن تَبِينا
|
فـأنت فخرُ النصارى
|
وصاحبُ المسلمينا
|
الجريح:
رأيتُ يأسَ طبيبي
|
وهمسَهُ في فؤادي
|
لا تندبيني فإنّي
|
أقضي وتحيا بلادي!
|
العربي:
أستودعُ اللهَ شهمًا
|
ندبًا طويلَ النجادِ
|
أستودعُ اللهَ روحًا
|
كانت رجاءَ البلادِ
|
فيا شهيدًا رمَتْهُ
|
غدرًا كُراتُ الأعادي
|
نمْ هانئًا مطمئنًا
|
فلم تنم أحقادي
|
فسوف يرضيكَ ثأرٌ
|
يذيب قلبَ الجمادِ
|